ارشيف من :آراء وتحليلات

تركيا... ماذا وراء تصاعد هجمات حزب العمال الكردستاني؟

تركيا... ماذا وراء تصاعد هجمات حزب العمال الكردستاني؟

عقيل الشيخ حسين

شهدت الأيام القليلة الماضية تصاعداً ملحوظاً في العمليات العسكرية التي يشنها حزب العمال الكردستاني ضد القوات المسلحة التركية. وتتركز هذه العمليات في المناطق الجنوبية الشرقية، وتصل أحياناً إلى اسطنبول نفسها، حيث تعرضت حافلة لنقل الجنود إلى عملية تفجير أدت إلى مقتل خمسة جنود إضافة إلى عدد من المدنيين.

وكانت اسطنبول قد تعرضت لتفجير مشابه قبل أسبوعين أدى إلى سقوط عشرات الجرحى المدنيين، وذلك بعد شهرين من تهديدات أطلقها حزب العمال بنقل المعركة إلى داخل المدن التركية، وبتشديد الضربات الموجهة إلى مواقع اقتصادية وسياحية، إضافة إلى المواقع العسكرية.
وفي المقابل، تشن القوات التركية هجمات مكثفة على مناطق وجود المقاتلين الأكراد بما في ذلك داخل العراق، حيث يؤكد الأتراك أن ما يقرب من 2000 من المقاتلين الأكراد يتحصنون في مناطقه الشمالية على مقربة من الحدود التركية.

وتشير مصادر الجيش التركي إلى أن عمليات حزب العمال الكردستاني باتت أوسع وأقوى، وأنها أدت، منذ آذار/ مارس الماضي، إلى مقتل 43 جندياً تركياً و130 من مقاتلي الحزب، وذلك يدل بشكل واضح على اقتراب الوضع مما يشبه حرباً أهلية حقيقية.

وفي دلالة واضحة على مدى خطورة هذه التطورات، عقد مجلس الأمن القومي في تركيا قمة أمنية يوم الاثنين الماضي حضرها كل من رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، ورئيس الجمهورية، عبد الله غل، وتقرر فيه اتخاذ تدابير على المديين القصير والمتوسط لمكافحة النشاط الإرهابي الذي يمارسه حزب العمال الكردستاني.

تدابير عسكرية بالطبع، لكنها تتم بالتوازي مع تمسك الحكومة التركية بخطتها الانفتاحية على الأكراد، وهي خطة تضمن لهم حقوقاً ديموقراطية إدارية وثقافية، في الوقت الذي يطرح فيه حزب العمال الكردستاني مطالب تصل إلى حد الانفصال عن تركيا، وإقامة دولة كردية مستقلة.

وإذا كان هذا المطلب يلقى تجاوباً متفاوتاً من قبل بعض الشرائح الكردية، فإنه يصطدم برفض الحركات السياسية الكردية الأساسية، وخصوصاً أن المشكلة تطال بلداناً أخرى غير تركيا، مثل إيران وخصوصاً العراق، حيث تقوم في منطقة كردستان العراق ذات الحكم الذاتي معسكرات لحزب العمال غالباً ما تتعرض لهجمات وتوغلات من قبل الجيش التركي.

هنالك إذاً بعد إقليمي للمشكلة أشار إليه أردوغان عندما تحدث عن اشتمال الإجراءات على تنسيق يجب أن يكون أكثر فاعلية لأنشطة مكافحة الإرهاب مع الدول المجاورة والدول المعنية.

وإذا كان المقصود واضحاً بما تعنيه الدول المجاورة، فإن عبارة الدول المعنية تظل بحاجة إلى الكثير من الإيضاح، وإن كان من الواضح أن المقصود بها هو "إسرائيل" وبلدان الحلف الأطلسي.

فتركيا كما هو معروف عضو في الحلف، ويفترض أن تكون للحلف مواقف موحدة تجاه ما يحيط به من تطورات. لكن المعروف أيضاً أن الحلف مصاب بحالة من الترهل تعكس نفسها من خلال انعدام القدرة أو الإرادة على التحرك الموحد، الأمر الذي يسمح لبلدانه باتخاذ مواقف منفردة كما في غزو العراق من قبل تحالف قادته أميركا وامتنعت تركيا عن المشاركة فيه.

كما أن لبلدان الحلف مواقف ملتبسة بخصوص حزب العمال الكردستاني بالذات. ففي حين تدرج الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هذا الحلف على لوائح الإرهاب، تجد طرقاً ظاهرة وخفية لدعمه بمختلف الأشكال والأساليب، حيث تسمح له بإقامة مراكز ومقرات ناشطة سياسياً وإعلامياً في العديد من بلدان الغرب.

كما تتخذ هذه البلدان كثيراً من المواقف المثيرة لحساسية الأتراك، ومنها مواقف تصب مباشرة في تعزيز نفوذ حزب العمال الكردستاني.
ويعتقد مراقبون كثيرون بأن قوات الاحتلال في العراق والوجود الاستخباراتي الإسرائيلي في العراق عموماً، وفي كردستان العراق خصوصاً، على صلة بأنشطة حزب العمال العسكرية ضد تركيا.

كما يربط المراقبون بين ارتفاع وتيرة هذه الأنشطة في الآونة الأخيرة والمواقف التركية المستجدة، في ظل حكم العدالة والتنمية، تجاه العديد من القضايا الإقليمية والدولية، مثل التقارب بين تركيا وكل من إيران وسوريا، وخصوصاً تجاه القضية الفلسطينية ودور تركيا في حملة كسر الحصار على غزة وتداعيات الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية.

وفي الوقت الذي تذهب فيه العلاقات التركية ـ الإسرائيلية نحو المزيد من التأزم، وفي سياق التشكيك بجدية التزام تركيا بموقف معاد للسياسات الإسرائيلية، يراهن البعض، في جملة الرهانات، على الضغط الذي يمارسه حزب العمال الكردستاني على الحكومة التركية، كوسيلة لإجبارها على التراجع عن سياساتها المستجدة، بدعاوى منها احتياج تركيا للمعونة الإسرائيلية في بعض المجالات الاستخباراتية والعسكرية الضرورية لمواجهة مقاتلي حزب العمال.

وعلى ذلك، تكون الكرة في ملعب الحكومة التركية لجهة تأكيد سياستها تجاه "إسرائيل" والغرب عموماً، ولجهة بذل الجهد من أجل تسوية القضية الكردية بالشكل الذي يحول دون تحولها إلى حصان طروادة تمتطيه قوى الهيمنة المتربصة بشعوب المنطقة، والتي تحرص ـ في زمن اندحارها الواضح ـ على إثارة الفتن عبر تأليب هذا الفريق أو ذاك، مع الاستعداد الكامل للتخلي عنه في اللحظة الحرجة

2010-06-23