ارشيف من :خاص
أسطول الحرية مرة جديدة.. اشتعال العلاقة الأميركية – الاسرائيلية؟!
إذا شهدت العلاقة الأمريكية - الإسرائيلية بعض الألعاب النارية خلال السنة الماضية، فمن المرجح أن يكون العام المقبل أكثر قابلية للاشتعال
إعداد : علي شهاب
لا تزال قضية اعتداء الجيش الاسرائيلي على طاقم اسطول الحرية المتجه الى قطاع غزة على قائمة المواضيع التي تعالجها مراكز الدراسات الأميركية، في مؤشر لخطورة تداعيات الحادثة على صورة العدو في الساحة العالمية.
وفي هذا السياق، وضع المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى "روبرت ساتلوف"، الباحث المؤثر في العاصمة الأميركية، تقريرا موسعا، تحت عنوان "ثلاثة أسابيع حاسمة في الشرق الأوسط: رؤى في سياسة الولايات المتحدة الخارجية"، تناول فيه تأثير قضية اسطول الحرية على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط والعلاقة الأميركية – الاسرائيلية، وجاء فيه:
"هناك فائدة أكبر إذا تم النظر إلى سلسلة الأحداث التي جرت في الأسابيع الثلاثة الماضية في أعقاب حادث " أسطول غزة"، بوصفها نافذة لمعرفة مضمون واتجاه السياسة الأميركية في الشرق الأوسط تحت إدارة أوباما، بدلاً من رؤية حادث 'أسطول الحرية' في عزلة عن حوادث أخرى.
من المهم الإشارة بأنه كانت هناك نتيجة غير مقصودة لحادث غزة تمثلت بمحو الكثير من النقاش من عناوين الأخبار فيما يتعلق بالقرار الذي اتخذته الولايات المتحدة بالانضمام إلى القرار النهائي لـ مؤتمر مراجعة «معاهدة حظر الانتشار النووي». وفي الواقع لو لم تحدث الغارة على 'أسطول غزة'، لكان هناك تركيز أكثر كثافة على الكيفية التي أدى بها قرار الخضوع لوثيقة «معاهدة حظر الانتشار النووي» المعيبة للغاية، إلى توضيح أولويات الإدارة.
لقد كان العديد من المتحدثين باسم الإدارة الأمريكية، بمن فيهم كل من نائب الرئيس الأمريكي ومستشار الأمن القومي، قد صرحوا علناً قبل أسابيع فقط من مؤتمر «معاهدة حظر الانتشار النووي»، بأنه "ليست هناك مسافة بين الولايات المتحدة وإسرائيل فيما يتعلق بالأمن". من الصعب تصور قيام أي مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية بلفظ هذه الكلمات ثانية في أعقاب قرار الولايات المتحدة قبول وثيقة «معاهدة حظر الانتشار النووي» الذي أدى بشكل واضح إلى تعريض المسافة بين البلدين للخطر، ربما فيما يتعلق بالموضوع الأكثر أهمية المطروح على جدول أعمالهما وهو السياسة النووية.
ربما كان التعبير "ليست هناك مسافة" مبالغاً فيه منذ البداية؛ وعلى أية حال، في كثير من الأحيان توجد مسافة معينة بين أي بلدين، وحتى بين حليفين، حول مسائل أمنية. ومع ذلك، كان من الواضح تماماً بأن الإدارة الأمريكية وضعت أهمية أكبر على هدفها المتمثل في الحفاظ على الصداقة الدولية فيما يتعلق بـ «معاهدة حظر الانتشار النووي»، من تشديدها على أهمية حماية أسهم إسرائيل، وعن طريق ذلك تجنبت ذلك النوع من الانهيار الدبلوماسي المفعم بالفوضى الذي حدث أمام أعين أعضاء إدارة الرئيس جورج بوش في مؤتمر المراجعة من عام 2005. بالإضافة إلى ذلك، فضلت الإدارة ضمان تركيز الوثيقة الختامية على المخالفين الفعليين لالتزامات « معاهدة حظر الانتشار النووي» - إيران وسوريا وكوريا الشمالية، على سبيل المثال، بدلاً من تركيزها على مكانة دولة غير عضوة في المعاهدة. لقد كان من المؤسف رؤية "الجهود" التي قامت واشنطن ببذلها من أجل "إصلاح المشكلة" في أعقاب ذلك القرار؛ إنه لوضع محرج بالنسبة للولايات المتحدة بأن تقول انها "تستهجن" و"تدين" مستندا أعطت لتوها موافقتها عليه.
لقد وقع حادث 'أسطول الحرية' الذي كان متوجهاً إلى غزة بعد ساعات من الموافقة على قرار «معاهدة حظر الانتشار النووي». وهناك مجموعة من التصورات المتنافسة المتعلقة بذلك. فإدارة أوباما تقول انها وقفت إلى جانب إسرائيل وقامت بحمايتها من ثعالب الأمم المتحدة الذين أرادوا خلق "لحظة غولدستون" أخرى، (أي جو مشابه لما حدث في أعقاب نشر التقرير الذي أعده القاضي ريتشارد غولدستون بشأن الانتهاكات الإسرائيلية في الحرب على غزة). وفي هذا الصدد، تشير الولايات المتحدة بحق إلى المستوى العالي من الاتصالات الشديدة والشخصية التي جرت بين واشنطن وإسرائيل حول تقرير لجنة التحقيق التي ترأسها غولدستون كدليل على علاقة العمل السليمة بين الحكومتين.
ولم تعلن واشنطن حتى الآن عن التزامها العلني الصارم بمنع الأمم المتحدة من تشكيل لجنة تحقيق خاصة بها حول حادث 'أسطول الحرية'. كما لم تعمل الولايات المتحدة على إيقاف مجلس الأمن من تبني نهجاً يدين أولاً الحادث الذي وقع للسفينة «مافي مرمرة»، ويقوم بطرح الأسئلة في وقت لاحق. وعادة، يتعين على المرء أن يجمع هذه الألغاز الدبلوماسية معاً وبطريقة مضنية لكي يحصل على صورة واضحة عن الحقائق ذات الصلة. ومع ذلك، ففي هذه الحالة، باستطاعة وثيقة واحدة أن تقدم عرضاً كاملاً عن النفاق التام الذي تمثل بما قام به مجلس الأمن في هذا الصدد، والذي تمثل بنص البيان الذي أعلنته رئاسته في 31 أيار/مايو.
وتشير الوثيقة في فقرتها الأولى، الى أن مجلس الأمن لم يعبر فقط عن "أسفه العميق" للخسائر في الأرواح التي وقعت على متن السفينة «مافي مرمرة»، ولكن "أدان" أيضاً "تلك الأعمال التي أدت إلى مقتل ما لا يقل عن عشرة مدنيين وجرح كثيرين آخرين". وبعد ذلك، أشار البيان في فقرته السادسة، بأنه عندما قام الأمين العام المساعد للشؤون السياسية، أوسكار فيرنانديز تارانكو، بإطلاع المجلس في وقت سابق من ذلك اليوم عن الأحداث التي وقعت قبالة ساحل غزة، أوضح بأنه "ليس" لدى الأمم المتحدة "معلومات مستقلة عما حدث". وبعبارة أخرى، اعترف مجلس الأمن بأنه ليس لديه فكرة عما حدث بالفعل على متن السفينة التركية، ولكن تلك الحقيقة لم تمنع المجلس من إصدار بيان رئاسي يدين إسرائيل.
قرار فرض عقوبات على إيران وحماقة الربط
بعد عشرة أيام من حادث غزة، أحرزت الولايات المتحدة فوزاً دبلوماسياً بحصولها على موافقة مجلس الأمن على قرار جديد يشدد العقوبات على إيران لرفضها تغيير المسار الذي تتبعه بشأن برنامجها النووي. وبمرور الوقت سيتم معرفة ما إذا كانت العقوبات الجديدة التي فرضها مجلس الأمن والعقوبات الإضافية المتوقع أن تفرضها الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية وغيرها من "الدول التي تشاطرها الرأي"، ستؤثر في النهاية على حسابات إيران الإستراتيجية.
ومع ذلك، فحتى الآن، هناك حقيقة واضحة تماماً: تبيَّن مرة أخرى، بأن "حجة الربط" خاطئة تماماً. لقد كان التصويت على العقوبات بمثابة تجربة مخبرية، فإسرائيل ارتكبت لتوها عملاً تمت إدانته في جميع أنحاء العالم، وعادة ما يجادل دعاة الربط بأنه يجب على المصالح الدبلوماسية الأمريكية أن تعاني من علاقات الولايات المتحدة الوثيقة مع إسرائيل. وفي الواقع، لم يكن لأزمة غزة تأثير على التصويت على العقوبات التي فُرضت على إيران. إن الأصوات "لا" التي عارضت القرار كانت هي أيضاً أصواتا مماثلة تمثلت بـ "لا" قبل وقوع الأزمة؛ وهو الأمر فيما يتعلق بأصوات "نعم" حيث كانت هي أيضاً أصوات "نعم" قبل حدوث الأزمة. لقد جرى النقاش حول إيران وكأن حادث 'أسطول غزة' لم يقع أبداً.
الآثار المترتبة على السياسة الأمريكية
أين تجد واشنطن نفسها في أعقاب هذه الموجة من النشاطات التي حدثت منذ أواخر أيار/مايو المنصرم؟
من دون حليف تركي. لقد فضّل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان اختيار مسار معين: في رأيه، أن حزب الله هو عامل مسؤول في لبنان؛ و«حماس» هي حركة مقاومة مشروعة؛ وإيران وسوريا هما شريكتا أنقرة الإستراتيجيتان. والسؤال بالنسبة للولايات المتحدة هو فيما إذا كانت واشنطن ستطلب دفع ثمن قرار أردوغان الجريء بالبصق في وجهها، عندما قاد المعارضة ضد جهود فرض العقوبات على إيران، والكيفية التي ستطلب بموجبها دفع مثل هذا الثمن.
سوف يقول البعض بأن هذا هو الوقت المناسب لكي يقوم منتقدو أردوغان بالضغط من أجل إمرار قرار الإبادة الجماعية للأرمن في الكونغرس الأمريكي. ومع ذلك، فبدون أن نعطي الرأي حول تشريعات محددة، يجب على الكونغرس أن يفكر مرتين فيما إذا كان يرغب باستخدام هذا القرار كأداة لمعاقبة أردوغان. وبالرغم مما حدث، فإن آخر شيء تريد الولايات المتحدة القيام به هو إعطاء هذا الزعيم الإسلامي ذريعة للف نفسه بعلم القومية؛ وهو الرجل الذي رحب بالرئيس السوداني عمر حسن البشير بقوله بأنه لا يمكن تصور قيام شخص مسلم بارتكاب عمليات إبادة جماعية، كما أنه الرجل الذي نجح في جلب ظاهرة معاداة السامية من هامش السياسة التركية إلى صلب الاتجاه العام.
بيد، إن وجود أي معنى من التناسب والمصلحة الإستراتيجية، يُملي على واشنطن الحاجة إلى انتزاع ثمن من أردوغان. وفي الواقع، إذا قامت الولايات المتحدة بمعاقبة الحكومة الإسرائيلية بسبب الإحراج الذي تسبب من قيام بعض البيروقراطيين من المستوى المتوسط بإصدار قرار يعطي الضوء الأخضر لبناء وحدات سكنية في القدس أثناء زيارة نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، لا يمكن للمرء إلا أن يأمل بقيام مسؤولين أمريكيين بالعمل ساعات إضافية للنظر في إيجاد سبل تؤدي إلى تآكل مكانة رئيس الوزراء التركي وحزبه الحاكم، وتعزز أفكار غالبية الأتراك الذين لا يزالون يشاركون قيم بلادهم المشتركة مع الولايات المتحدة. وبالطبع، إن الهدف هو ليس القيام بعمل ما من أجل انتقام تافه، بل تعزيز تلك الأطراف داخل تركيا وغالبية الناخبين الأتراك الذين يرفضون قيام الحزب الحاكم بتحويل السياسة التركية والسياسة الخارجية التركية نحو الأسلمة.
في ما يتعلق بالعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل؛ إن الأزمة المحتملة المقبلة ستجعل الأحداث التي وقعت في آذار/مارس المنصرم تبدو وكأنها شجار خفيف. هناك موعدان نهائيان يلوحان في الأفق في أيلول/سبتمبر المقبل: انتهاء محادثات "القرب" غير المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وانتهاء القرار المؤقت الذي اتخذته إسرائيل بوقف بناء مساكن جديدة في مستوطنات الضفة الغربية. وبطبيعة الحال، إن قيام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس باتخاذ قرار بالتحول من إجراء محادثات غير مباشرة إلى محادثات مباشرة، يكاد يكون من المؤكد أن يعطي القادة الإسرائيليين ذريعة لتمديد قرار وقف بناء مساكن جديدة؛ ولكن الأحداث التي وقعت في الأسابيع الأخيرة تجعل اتخاذ مثل هذا القرار أقل احتمالاً وليس عكس ذلك. وفي الواقع، وكنتيجة لحادث غزة، سوف يقوم الرئيس عباس بقضاء الكثير من وقته من أجل صد الجهود التي تبذلها تركيا وغيرها من أجل المصالحة بين « حماس» و«فتح»، وفقاً لشروط ستقضي على أي فرصة لنجاح الجهود الدبلوماسية الحالية بين إسرائيل والفلسطينيين.
هل واشنطن والقدس على استعداد للتوصل إلى تفاهمات مقبولة لكلا الطرفين حول بناء المستوطنات، إذا كان معظم ما يستطيع عباس عمله هو منع التوصل إلى اتفاق مصالحة رهيب مع «حماس»؟ في هذه اللحظة، ليس من الواضح بأن واشنطن والقدس تريدان حتى التوصل إلى تفاهم من هذا القبيل.
اما في ما يتعلق بالملف الإيراني ومع عدم وجود الكثير من الوقت حول إيران، فقد صرح مؤخراً وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس بأن إيران قد تمتلك قنبلة نووية في أقل من عام واحد. هذه ملاحظة منبهة، على الرغم من جميع الكلام الذي صدر حول تأثير الصعوبات التكنولوجية على إبطاء البرنامج النووي الإيراني. وبصورة عامة كانت وزارة الدفاع الأمريكية وأجهزة المخابرات الأمريكية قد أخطأت دائماً حول المدى البعيد لهذه التقديرات، وليس حول المدى القصير. إذا كان الوزير غيتس يقول بأنه من الممكن حدوث ذلك في غضون عام، فإنه لأمر خطير. وهذا يعني أن مجلس الأمن الدولي قد يكون من المحتمل قد وافق على جولته الأخيرة من العقوبات الاقتصادية على إيران، نظراً للفترة الزمنية الطويلة التي يستغرقها التوصل إلى قرار من خلال آليات المجلس؛ وأن الوقت المتاح للعقوبات الجديدة لكي تؤدي إلى إجبار حدوث تغيير في السلوك الإيراني هو محدود للغاية، وانه إذا كان الرئيس الأمريكي سيوفي بالتزامه بمنع إيران من الحصول على قدرات أسلحة نووية، فإن الوقت يمر بسرعة كبيرة.
وفي هذا الصدد، يكون موقف الإدارة الأميركية تجاه «معاهدة عدم الانتشار النووي» منطقياً إذا كان جزءاً من إستراتيجية حسن نية دولية تسبق اتخاذ إجراءات عقابية قاسية، وربما عسكرية، للتعامل مع دولة تخالف بصورة فاضحة «معاهدة حظر الانتشار النووي». ولكن إذا أصبح واضحاً أن إدارة أوباما ليست على استعداد لاستخدام جميع جوانب سلطتها الوطنية للوفاء بهذا الالتزام، وربما يكون ذلك أكبر التزام مطلق للسياسة الخارجية منذ تولي أوباما رئاسة الولايات المتحدة، فمن شبه المؤكد أن تقوم إسرائيل باتخاذ إجراءات أحادية الجانب. وهكذا، إذا شهدت العلاقة الأمريكية الإسرائيلية بعض الألعاب النارية خلال السنة الماضية، فمن المرجّح أن يكون العام المقبل أكثر قابلية للاشتعال".