ارشيف من :آراء وتحليلات

الأزمة الاقتصادية العالمية: قمم دسمة وحلول هزيلة

الأزمة الاقتصادية العالمية: قمم دسمة وحلول هزيلة
عقيل الشيخ حسين

قمة مجموعة الثماني في مسكوكا في أقصى الشمال الكندي. تعقبها مباشرة قمة لمجموعة العشرين في تورنتو، في كندا أيضاً. والقمتان جاءتا بعد قمة للاتحاد الأوروبي عقدت قبل أسيوع وبعد اجتماع لوزراء مالية العشرين في بوسان بكوريا الجنوبية في وقت سابق من الشهر الحالي. وقمة لمجموعة العشرين من المزمع عقدها في تشرين الثاني / نوفمبر، في سيول، بكوريا الجنوبية أيضاً...

كل هذه القمم والاجتماعات، وغيرها كثير على المستويات الإقليمية وداخل كل بلد، تتوخى البحث عن سبل للخروج من الأزمة المالية، أو للمحافظة على استمرار الانتعاش الاقتصادي، وفق من يقولون بأن العالم قد خرج من الأزمة.  أول ما يتوقف عنده الانتباه هو الخلافات حول تشخيص المشكلات وسبل حلها. بلدان الاتحاد الأوروبي الغارقة في الديون وعجز الموازنات، اعتمدت منذ تفجر الأزمة اليونانية وهبوط اليورو خططاً صارمة للتقشف تهدف، إلى توفير عشرات المليارات، على مستوى كل بلد. كما تميل إلى فرض ضرائب على البنوك من شأنها سد الكثير من الثغرات.

لكن الإجرائين يلقيان معارضة صارمة من قبل الولايات المتحدة وكندا والعديد من البلدان الصاعدة، بدعوى خطورة التداعيات السلبية على النمو واستمرار الانتعاش. أما الحل الذي يضغط الأميركيون باتجاه اعتماده فهو مواصلة الانفاق من قبل الدول لتشجيع الاستهلاك بوصفه الترياق الضروري لاستمرار الدورة الاقتصادية الحرة.

وفي الوقت الذي يحرص الأوروبيون فيه على لجم الإنفاق الحكومي، يمارسون الضغط على البلدان الصاعدة لحملها على اعتماد إجراءات مماثلة بعد خطط الإنفاق التحفيزية التي اعتمدت إبان الأزمة الاقتصادية العالمية، علماً بأن البلدان الأخيرة تتوفر على فوائض مالية تسمح لها بمواصلة تنفيذ خططها التحفيزية ذات التأثيرات الإيجابية الواضحة في مجال النمو.

الواضح أن كل بلد يحاول، باسم عقيدة أوباما القائلة بأن الاصلاح في بلد ما ينعكس إيجابياً على البلدان الأخرى، أن يدفع الآخرين إلى الإصلاح ليحصد الانعكاسات الإيجابية، دون أن يقوم هو نفسه بإصلاحات يستفيد منها الآخرون. لذا كان من الطبيعي أن تكون الوسطية التلفيقية سيدة الموقف في قمتي الثمانية، والعشرين، حيث وافق الجميع على خفض العجز في ميزانياتهم، لكن كلاً بحسب أساليبه الخاصة. ما يعني أن شيئاً لم يكن وأن ما بعد القمتين لن يكون مختلفاً عما قبلهما، لجهة استمرار الاقتصاد العالمي في التخبط المفتوح على المجهول.
وحتى لو حصل للقمتين أن توصلتا إلى اتفاقات من نوع يعود بالفائدة على الجميع، فإن شيئاً لا يضمن عدم لجوء كل طرف إلى التنفيذ بحسب
اساليبه الخاصة ووفق مصالحه الخاصة. فالدلائل البعيدة والقريبة لا تحصى.

فقد كان من المفترض أن يشهد العام الحالي وفاء مجموعة الثماني بما قدمته، في قمة غليغنز التي عقدت عام 2005، من تعهدات لمساعدة الدول الفقيرة. لكن عشرة مليارات دولار طارت من أصل الخمسين ملياراً الموعودة، وسط التعتيم المحيط بأوجه صرف الأربعين ملياراً الأخرى. وفي قمة العشرين التي انعقدت في لندن في نيسان/أبريل 2009، تم إعلان الحرب من قبل الجميع، بمن فيهم أوباما وساركوزي وبراون، على التهرب الضريبي والجنائن المالية وسرية المصارف. كما تم تشديد هذه الحرب في قمة العشرين التي انعقدت في بيتسبورغ، في تشرين الأول /أكتوبر من العام نفسه.

وبعد مضي أربعة عشر شهراً، تأتي قمتا موسكوكا وتورنتو دون أن تسفر الحرب عن أية نتيجة، ودون أن تتوفر الجرأة على معاودة الحديث عن هذه المشكلة التي تبتلع ثلث عائدات الاقتصاد العالمي.

حتى اللوائح التي وضعت بأسماء عشرات البلدان والمراكز التي تترعرع فيها ظواهر الفساد المالي، تطورت باتجاه الخلو من أية أسماء،
لاعتبارات ديبلوماسية، وخصوصاً نتيجة للضغوط الممارسة من قبل القوى والمافيات.وحتى الضرائب المقترحة على المصارف والمعاملات المصرفية، بحماس ملحوظ من قبل كبار الزعماء، تم التراجع عنها في أميركا بسبب معارضة الكونغرس، وفي غير أميركا لأن الزعماء أنفسهم غيروا رأيهم. والحجة في ذلك أن الضغط على المصارف في بلد ما يدفعها إلى الهجرة إلى بلدان أخرى حاملة معها ما جنته من مليارات مقتطعة من الثروة القومية. فالحرية، حرية السوق والمال، كما هو معروف، تنتهي دائماً بالتغلب على الرقابة والقيود والترشيد وما إلى ذلك من مصطلحات تذر الرماد في العيون.

ورغم مسؤولية المصارف وسياساتها المتوحشة عن التسبب بالأزمة، تأتي الحلول الأميركية من بوش إلى أوباما، لتمر أولاً بإنعاش المصارف المفلسة لأسباب تلاعبية، عن طريق ضخ الترليونات، والتشجيع على الاقتراض لتحفيز المزيد والمزيد من الاستهلاك.
وإذا حدث لبعضهم أن وجد الحل في التقشف، فإنه لا يجده إلا بعد فوات الأوان. فالتقشف يعني تقليص الإنفاق الحكومي وانخفاض مستويات
المعيشة وارتفاع منسوب البطالة والدخول في متاهات الاضطراب الاجتماعي.

وإذا كان هذا الاضطراب قد بدأ يطل برأسه في أوروبا من خلال مظاهرات الاحتجاج اليومية وما يرافقها من عنف، فإنه قد رافق أيضاً قمتي
موسكوكا وتورنتو. فالاستغراق في الاستهلاك اعتماداً على الاستدانة طريق سريع نحو اضطراب اجتماعي قد تستحيل سبل معالجته.
2010-06-29