ارشيف من :آراء وتحليلات
خلافاً للظاهر... العلاقات الأميركية الروسية... نحو الأسوأ!
عقيل الشيخ حسين
بالدهشة والاستغراب قابل المسؤولون الروس المعلومات التي صدرت عن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي وأكدت الكشف عن شبكة تجسس تعمل لمصلحة روسيا داخل الولايات المتحدة. إما لأن التهمة بلا أساس، كما قال أكثر من مسؤول روسي، وإما لأن الروس كانوا يعتقدون بأن التقدم الذي سجلته العلاقات الأميركية الروسية في الآونة الأخيرة ثابت وغير قابل للانتكاس. وإما لأن التهمة صحيحة، لكنهم كانوا يفترضون أن الأميركيين سيتكتمون عليها، أو سيلجأون إلى معالجة الموضوع وراء الكواليس حفظاً للتحسن الذي استجد مؤخراً على العلاقات الأميركية الروسية.
يشهد على ذلك أن المفاجأة التي شعرت بها روسيا لم تكن نتيجة للحدث نفسه بقدر ما كانت نتيجة لتوقيت الإعلان عنه. وأياً يكن الأمر، اعتبر الروس أن هذه التهمة "مقصودة وموجهة"، أي أنها مبتدعة لخدمة أغراض تتجاوز التوترات التي تنجم عادة عن الفضائح ذات الصلة بقضايا التجسس.
وبخصوص تلك الأغراض، أكدت نوفوستي، وكالة الأنباء الروسية الرسمية، أن الإعلان هو ضربة موجهة لسمعة الرئيس الأميركي باراك أوباما وإنجازاته على صعيد تطوير العلاقات بين البلدين. وما أكدته نوفوستي أكدته أيضاً صحيفة نيويورك تايمز، حيث كتبت بأن الرئيس الأميركي منزعج من التوقيت.
والحقيقة أن مسألة التوقيت لا تخلو من وجاهة. فأوباما، رئيس الدولة العظمى المتخبطة بشكل مأساوي في أكثر من مغامرة فاشلة، ليس أقلها الحرب الأفغانية، يرغب في أن يسجل على قائمة "نجاحاته" إنجازات منها توصله مؤخراً إلى توقيع معاهدة مع الروس بشأن تقليص الأسلحة الاستراتيجية. لكن هذا التوقيع يظل حبراً على ورق ما دام أن الكونغرس ما زال يمانع في المصادقة على تلك المعاهدة.
والأكيد، بغضّ النظر عن صحة أو عدم صحة المعلومات المتعلقة بشبكة التجسس الروسية في الولايات المتحدة، أن مجرد إثارة الموضوع في الإعلام يمنح متشددي الكونغرس المعارضين لأوباما فرصة ذهبية لتعزيز موقفهم في الامتناع عن تلك المصادقة.
إنجاز آخر كان أوباما يطمح إلى إضافته إلى اللائحة: إلغاء القوانين الأميركية التي تقلص، منذ الحقبة السوفياتية، المبادلات التجارية مع موسكو، وتليين الموقف الأميركي من مسألة انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية.
ومن البديهي القول ان أوباما ليس مجنوناً بحب روسيا، لكنه يعرف أن عليه أن يقدم مقابلاً للتصويت الروسي على قرار مجلس الأمن رقم 1929، بخصوص العقوبات على إيران، وهو التصويت الذي سمح له بأن يضيف إنجازاً إلى لائحة إنجازاته المثيرة للجدل لجهة الشك في ما تشكله من ثقل حقيقي ومن تأثير فعلي على تطور الأحداث، وخصوصاً أن استرضاء روسيا مهم في ظل نجاح هجومها المعاكس على المكاسب الأميركية والأوروبية في أكثر من مكان في أوروبا الشرقية والقفقاس وآسيا الوسطى... وفي ظل الهزائم العسكرية والسياسية والاقتصادية التي تلاحق الأميركيين وحلفاءهم. وخصوصاً بعد أن حفلت فترة حكم فلاديمير بوتين ـ والتي ما تزال مستمرة بشكل أو بآخر برغم الميل إلى الموادعة منذ دخول ديمتري ميديديف إلى الكرملين ـ بالكثير من مؤشرات العودة إلى الحرب الباردة، بالتوازي مع استعادة روسيا لأنفاسها التي كانت قد تقطعت مع انهيار الاتحاد السوفياتي.
لكن من الواضح أن السياسة الأميركية لا تسلس القياد لأوباما إلا بقدر ما يسلس القياد هو نفسه لإملاءات جماعات الضغط التي تشكل المقرر النهائي لما يجب أن تكون عليه تلك السياسة. هذا ما يشهد عليه جنوح أوباما نحو اعتماد منهج المحافظين الجدد في العديد من الملفات.
وإذا كان الامر كذلك، يكون على الروس أن يخففوا من جنوحهم نحو "مسايرة" أوباما طمعاً في الاستثمار في وعوده التغييرية، لأن أكثر تلك الوعود قد تبخرت، وقد يستفيق الروس على يوم يجدون أنفسهم فيه عرضة لمفاجآت أكبر وأكثر إثارة للدهشة من الإعلان عن كشف شبكة التجسس، ولا سيما أن في أميركا من يبرع في الاستثمار في الجنوح الروسي نحو المسايرة: ألم يتعرض الروس لخديعة حقيقية عندما "دوبل" الأميركيون بالعقوبات الإضافية على القرار 1929 الذي ورط الروس أنفسهم بالتصويت عليه مسايرة لنهج أوباما؟ ولخديعة مماثلة عندما انكشف إلغاء أوباما للدرع الصاروخية عن تعزيز لهذه الدرع تحت مسميات أخرى؟
من الواضح، في هذين الملفين تحديداً، وفي غيرهما من الملفات أن الأميركيين يجنحون إلى المزيد من التشدد عقب كل مرة يجنح فيها الروس نحو المزيد من المرونة، أفلم يصرح بعض المسؤولين الأميركيين، عندما لاحظوا دهشة الروس وإحساسهم بالمفاجأة، بأن اعتقال المتهمين بالتجسس لحساب روسيا ليس غير الجزء الظاهر من جبل الجليد؟
قد يكون على الروس أن يركزوا أقله على المزاوجة بين النهجين، لكي لا يجدوا أنفسهم مضطرين إلى هبوط من النوع الاضطراري على مدرج نهج معاداة الإمبريالية الذي نادى به بوتين في ميونيخ، في شباط فبراير 2007، لأن جميع المؤشرات تدلل على أن أوباما لن يكون بوسعه في النهاية غير الانصياع لجماعات الضغط، والمضي قدماً على نهج بوش.
بالدهشة والاستغراب قابل المسؤولون الروس المعلومات التي صدرت عن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي وأكدت الكشف عن شبكة تجسس تعمل لمصلحة روسيا داخل الولايات المتحدة. إما لأن التهمة بلا أساس، كما قال أكثر من مسؤول روسي، وإما لأن الروس كانوا يعتقدون بأن التقدم الذي سجلته العلاقات الأميركية الروسية في الآونة الأخيرة ثابت وغير قابل للانتكاس. وإما لأن التهمة صحيحة، لكنهم كانوا يفترضون أن الأميركيين سيتكتمون عليها، أو سيلجأون إلى معالجة الموضوع وراء الكواليس حفظاً للتحسن الذي استجد مؤخراً على العلاقات الأميركية الروسية.
يشهد على ذلك أن المفاجأة التي شعرت بها روسيا لم تكن نتيجة للحدث نفسه بقدر ما كانت نتيجة لتوقيت الإعلان عنه. وأياً يكن الأمر، اعتبر الروس أن هذه التهمة "مقصودة وموجهة"، أي أنها مبتدعة لخدمة أغراض تتجاوز التوترات التي تنجم عادة عن الفضائح ذات الصلة بقضايا التجسس.
وبخصوص تلك الأغراض، أكدت نوفوستي، وكالة الأنباء الروسية الرسمية، أن الإعلان هو ضربة موجهة لسمعة الرئيس الأميركي باراك أوباما وإنجازاته على صعيد تطوير العلاقات بين البلدين. وما أكدته نوفوستي أكدته أيضاً صحيفة نيويورك تايمز، حيث كتبت بأن الرئيس الأميركي منزعج من التوقيت.
والحقيقة أن مسألة التوقيت لا تخلو من وجاهة. فأوباما، رئيس الدولة العظمى المتخبطة بشكل مأساوي في أكثر من مغامرة فاشلة، ليس أقلها الحرب الأفغانية، يرغب في أن يسجل على قائمة "نجاحاته" إنجازات منها توصله مؤخراً إلى توقيع معاهدة مع الروس بشأن تقليص الأسلحة الاستراتيجية. لكن هذا التوقيع يظل حبراً على ورق ما دام أن الكونغرس ما زال يمانع في المصادقة على تلك المعاهدة.
والأكيد، بغضّ النظر عن صحة أو عدم صحة المعلومات المتعلقة بشبكة التجسس الروسية في الولايات المتحدة، أن مجرد إثارة الموضوع في الإعلام يمنح متشددي الكونغرس المعارضين لأوباما فرصة ذهبية لتعزيز موقفهم في الامتناع عن تلك المصادقة.
إنجاز آخر كان أوباما يطمح إلى إضافته إلى اللائحة: إلغاء القوانين الأميركية التي تقلص، منذ الحقبة السوفياتية، المبادلات التجارية مع موسكو، وتليين الموقف الأميركي من مسألة انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية.
ومن البديهي القول ان أوباما ليس مجنوناً بحب روسيا، لكنه يعرف أن عليه أن يقدم مقابلاً للتصويت الروسي على قرار مجلس الأمن رقم 1929، بخصوص العقوبات على إيران، وهو التصويت الذي سمح له بأن يضيف إنجازاً إلى لائحة إنجازاته المثيرة للجدل لجهة الشك في ما تشكله من ثقل حقيقي ومن تأثير فعلي على تطور الأحداث، وخصوصاً أن استرضاء روسيا مهم في ظل نجاح هجومها المعاكس على المكاسب الأميركية والأوروبية في أكثر من مكان في أوروبا الشرقية والقفقاس وآسيا الوسطى... وفي ظل الهزائم العسكرية والسياسية والاقتصادية التي تلاحق الأميركيين وحلفاءهم. وخصوصاً بعد أن حفلت فترة حكم فلاديمير بوتين ـ والتي ما تزال مستمرة بشكل أو بآخر برغم الميل إلى الموادعة منذ دخول ديمتري ميديديف إلى الكرملين ـ بالكثير من مؤشرات العودة إلى الحرب الباردة، بالتوازي مع استعادة روسيا لأنفاسها التي كانت قد تقطعت مع انهيار الاتحاد السوفياتي.
لكن من الواضح أن السياسة الأميركية لا تسلس القياد لأوباما إلا بقدر ما يسلس القياد هو نفسه لإملاءات جماعات الضغط التي تشكل المقرر النهائي لما يجب أن تكون عليه تلك السياسة. هذا ما يشهد عليه جنوح أوباما نحو اعتماد منهج المحافظين الجدد في العديد من الملفات.
وإذا كان الامر كذلك، يكون على الروس أن يخففوا من جنوحهم نحو "مسايرة" أوباما طمعاً في الاستثمار في وعوده التغييرية، لأن أكثر تلك الوعود قد تبخرت، وقد يستفيق الروس على يوم يجدون أنفسهم فيه عرضة لمفاجآت أكبر وأكثر إثارة للدهشة من الإعلان عن كشف شبكة التجسس، ولا سيما أن في أميركا من يبرع في الاستثمار في الجنوح الروسي نحو المسايرة: ألم يتعرض الروس لخديعة حقيقية عندما "دوبل" الأميركيون بالعقوبات الإضافية على القرار 1929 الذي ورط الروس أنفسهم بالتصويت عليه مسايرة لنهج أوباما؟ ولخديعة مماثلة عندما انكشف إلغاء أوباما للدرع الصاروخية عن تعزيز لهذه الدرع تحت مسميات أخرى؟
من الواضح، في هذين الملفين تحديداً، وفي غيرهما من الملفات أن الأميركيين يجنحون إلى المزيد من التشدد عقب كل مرة يجنح فيها الروس نحو المزيد من المرونة، أفلم يصرح بعض المسؤولين الأميركيين، عندما لاحظوا دهشة الروس وإحساسهم بالمفاجأة، بأن اعتقال المتهمين بالتجسس لحساب روسيا ليس غير الجزء الظاهر من جبل الجليد؟
قد يكون على الروس أن يركزوا أقله على المزاوجة بين النهجين، لكي لا يجدوا أنفسهم مضطرين إلى هبوط من النوع الاضطراري على مدرج نهج معاداة الإمبريالية الذي نادى به بوتين في ميونيخ، في شباط فبراير 2007، لأن جميع المؤشرات تدلل على أن أوباما لن يكون بوسعه في النهاية غير الانصياع لجماعات الضغط، والمضي قدماً على نهج بوش.