ارشيف من :آراء وتحليلات

هل أزمة أنقرة ـ تل أبيب قابلة للحل؟

هل أزمة أنقرة ـ تل أبيب قابلة للحل؟
حسان ابراهيم
هل يعتذر كيان العدو من تركيا، استجابة للطلب التركي، كمقدمة لايجاد حل وإعادة العلاقات البينية الى سابق عهدها، رغم ان تل ابيب ترفض الاعتذار.. سؤال لا يخلو من وجه، ولن يبدو شاذا اذا ما جرى فحص الازمة التركية ـ الاسرائيلية بعيون المصلحة الاسرائيلية والمصلحة التركية، وبالتالي فحصها بموجب مسبباتها..
ابتداءا، لا بد من الاشارة الى ان تل ابيب قد استطاعت، ولايام، ان توحي بان الازمة تسير باتجاه الحل. لقد جاء الاعلان عن اللقاء "السري" بين وزير الخارجية التركي احمد داوود اوغلو، ووزير التجارة والصناعة الاسرائيلي، بنيامين بن اليعازر، ليشير الى ذلك.. ويمكن ان يلاحظ في الايام الماضية التي سبقت مطلب الاعتذار والتعويض التركي، ان وسائل الاعلام الاسرائيلية قد "هللت" للقاء، واعتبرته مقدمة يمكن الرهان عليها لايجاد كوة تتيح الولوج الى الازمة بين الجانبين، باتجاه ايجاد حل ما، خاصة ان بن اليعازر، وكما يوصف اسرائيليا، مقربا جدا من قبل الاتراك.
وكي تتكّون الاجابة على هذا السؤال، والاسئلة الممكن ان تثار لاحقا، ينبغي استحضار المعطيات التالية:
على الجانب التركي، تمثل الازمة مع "اسرائيل" مصلحة قومية بامتياز، وهي قادرة على تعزيز حضور أنقرة وإدخالها كطرف أساسي في معادلات الشرق الاوسط، وتحديدا من البوابة الفلسطينية، خاصة في ظل غياب الطرف العربي الرسمي شبه كامل عن المعادلة، وتحديدا في مرحلة اعقبت الحضور الاميركي المباشر في المنطقة.
ولم تكن حادثة "مرمرة" والشهداء الذين سقطوا على متنها، الشرارة التي اطلقت الازمة بين تركيا وكيان العدو، بل جاءت كدافعة لتوتر كان موجودا في الاساس، وبحسب تعبيرات اسرائيلية، كانت نقطة انطلاق لازمة في ظل بيئة اشكالية بين الجانبين، تشكلت بموجب سلسلة من العوامل الاخرى، وعلى رأسها مطلب الحضور التركي في المنطقة و"إعادة امجاد الماضي"، لكن من بوابة تأزيم الموقف مع "اسرائيل"، ومحاباة الفلسطينيين.
معنى كل هذا، ان تركيا تريد ان تظهر بصورة الرافض لـ"اسرائيل" ولسياساتها وتعزيز حضورها ونفوذها في المنطقة على حساب تل أبيب، لكنها تحرص، وعلى أقل تقدير، ان لا تقطع الصلة نهائيا بـ"اسرائيل"، فـ"لن تكون عربية اكثر من العرب انفسهم"، في اشارة تركية الى مصر ودول "الاعتدال العربي" كما يبدو من تعابير وتحليلات تركية صدرت مؤخرا.. ستوصل انقرة الازمة مع تل ابيب الى اقصى حد يمكن ان تصل اليه، طالما انها تخدم مطلب تعزيز حضورها في المنطقة، لكن في موازاة ذلك ستكون حريصة على عدم المساس بالعلاقة الى حدود القطيعة، لان العين التركية ستبقى محدقة جيدا بالادارة الاميركية وتوجهاتها.
لكن هل يعني ذلك ان الحركة التركية غير مبنية على مواقف ومبادىء، تميز الحكومة التركية عن غيرها من الحكومات التي سبقتها؟
يبدو ان منسوبا خاصا لتوجه حكومة رجب طيب اردوغان، يحتل مركزا مهما في سلسلة المراكز المسببة للازمة.. فما تقوم به الحكومة التركية هو ايضا ترجمة لمصلحة وتوجه خاص لديها، كما انه يتوافق مع توجهات الجمهور التركي، الذي لم يكن يوما مساندا لـ"اسرائيل" ومعاديا للقضية الفلسطينية.
على الجانب الاسرائيلي، بقيت مقاربة تل ابيب على حالها، اي انها لا تدفع باتجاه تأزيم اضافي للازمة اكثر مما هي عليه، وتحاول ان تواجه التصعيد الاسرائيلي بردود يمكن توصيفها بانها منخفضة وغير متناسبة مع المواقف التركية التصعيدية. فبعيدا عن تصريحات ومواقف وزير الخارجية الاسرائيلي، افيغدور ليبرمان، ورجالات حزبه (اسرائيل بيتنا) ومن ضمنهم نائبه في الخارجية داني ايالون، يحرص القوس السياسي في الكيان الاسرائيلي على "بروفيل منخفض". وكما يبدو فان "اسرائيل" تنتظر ما ستحمله الايام المقبلة، وربما ايضا الشهور المقبلة، لحل الازمة.
تدرك تل ابيب جيدا ان خسارة تركيا هي خسارة لا يمكن تعويضها، ولديها مصلحة استراتيجية كبيرة جدا في المحافظة على أنقرة الى جانبها، ومن مصلحتها ان تنظر الى الازمة على أنها أزمة عابرة قد تجد طريقها الى الحل، حتى مع انتظار رحيل الحكومة التركية الحالية وانتظار اخرى، وبالتالي لا تقدم تل أبيب على مواقف تكون تعجيزية وغير قابلة للجبر، حتى من قبل حكومة تركية اخرى لا تحمل توجهات الحكومة الحالية، ذات "المنحى" الاسلامي.
لكن هل لدى الطرفين، التركي والاسرائيلي، الادوات التي من شأنها ان تحل الازمة.. كما يتبين من المتابعة، ومن مجريات الامور بين الجانبين، لن تصل الامور الى حدود القطيعة النهائية وغير القابلة للجبر لاحقا، لكن مع مرور الوقت تتعمق الازمة اكثر فأكثر، بحيث يمكن القول انها لن تعود الى سابق عهدها، اي كما كانت حميمية، بل من المقدر ان تضاف الى هيكل الازمة دوائر تصعيد اخرى على مر الايام.. فتركيا تريد ان تستمر الازمة الى حدودها القصوى طالما انها ترى استفادة منها، و"اسرائيل" لا تتيح الدفع بشكل نهائي وتحاول احتواء المواقف التركية قدر الاستطاعة، لكن من دون تقديم "تنازلات"، كما هو حال مطلب الاعتذار الاخير، لانها تدرك انه لن يكون الاخير وسيليه مطالب تركية اخرى قد تكون اخطر من وجهة النظر الاسرائيلية.
اي يكمن الحل؟
قد تكون الاجابة على ذلك مرتكزة بشكل دقيق جدا على الموقف والحراك الاميركي حيال الطرفين وحيال الحل. وما لقاء اوغلو وبن اليعازر، الذي جاء بضغط اميركي على اردوغان، سوى اشارة الى ذلك.. فهل يمكن اعتبار اللقاء "السري" الذي لم يعد سرا، مقدمة او اشارة الى بدء السلوك الاميركي باتجاه حل؟
يمكن ان يكون كذلك، لكن يجب الاشارة الى ان الضغط الاميركي على انقرة لن يكون مشابها للضغط الاميركي على العرب، سيكون على واشنطن ملاحظة ومراعاة المصلحة التركية، اضافة الى المصلحة الاسرائيلية، وبلا فرض على الجانبين، وتحديدا على الجانب التركي.. اي ان الحل سيكون صعبا، ما يفسر تأخر واشنطن الى الان، وتريثها.
2010-07-06