ارشيف من :آراء وتحليلات

أميركا الشمالية والصين وبقية العالم ... حريق حقيقي !

أميركا الشمالية والصين وبقية العالم ... حريق حقيقي !
عقيل الشيخ حسين

كندا ليست معروفة بأنها من البلدان الحارة. لا بل إن العكس هو الصحيح. فكندا يسود في معظم مناطقها مناخ قطبي جليدي وتعيش في غالب الأحيان تحت بساط كثيف من الثلوج.


أما الصين والولايات المتحدة فتقعان في المنطقة الشمالية من العالم ويسودهما، إجمالاً مناخ معتدل مائل إلى البرودة، خصوصاً في مناطقهما الشمالية.

ومع هذا، فإن البلدان المذكورة، وخصوصاً مناطقها الشمالية الأكثر برودة، تشهد حالياً موجة من الحر، ارتفعت معها الحرارة إلى 40 درجة مئوية.

حرارة خانقة وجحيم حقيقي، على ما يقوله المراقبون. لم يسجل ارتفاع ملحوظ في معدلات الوفيات كما هي العادة في أوروبا مثلاً، حيث يرتفع عدد الضحايا إلى عشرات الألوف سنوياً، في مثل هذا الموسم، ومنذ بداية الاختلال المناخي الذي يضرب العالم منذ عدة سنوات.


وقد بلغ ارتفاع درجات الحرارة حداً احترقت معه أعداد من السيارات في بكين العاصمة. وفي مدينة كانتون، اضطرت السلطات الصينية إلى فتح 500 ملجأ مجهز بالمكيفات وبالمياه أمام السكان الهاربين من القيظ.


وفي السنترال بارك، تلك الحديقة التي تعتبر الرئة الخضراء لمنهاتن، في وسط نيويورك، وصلت درجة الحرارة إلى 39،45 مئوية، محطمة الرقم القياسي الذي سجل في تموز يوليو 1999، والذي كان قد بلغ 38،3 درجات مئوية.


والأمر مشابه في واشنطن وفيلادلفيا وبلتيمور وغيرها من مدن الولايات المتحدة، حيث اقامت السلطات مراكز للتبريد يمكن أن يلجأ إليها الأشخاص الذين لا يملكون أجهزة تكييف في منازلهم.


وغطت كتلة هوائية حارة وشديدة الرطوبة جنوب مقاطعة كيبيك ومدينة مونتريال في كندا، ما جعل درجة الحرارة التي بلغت 35 مئوية تعاش وكأنها في حدود الأربعين درجة. هذا، في وقت أطلقت فيه مصلحة الأرصاد تحذيرات مفادها أن موجة من الهواء الملوث ستضاف، في غضون الأيام القليلة القادمة، إلى الهواء الحار والرطب. الأمر الذي سيزيد الطين بلة بالتأكيد.


لم يسجل ارتفاع ملحوظ في معدلات الوفيات ربما لأن الموسم لا يزال في أوله. وربما لأن الموجة الحارقة ما يزال أمامها يوم أو يومين قبل الانحدار جنوباً نحو المناطق الأميركية الأقل برودة، حيث من المنتظر أن تسجل درجات الحرارة ارتفاعاً أكبر.


ولكن حالة من الهروع إلى المستشفيات سجلت ارتفاعاً كبيراً في البلدان المذكورة. كما سجل ارتفاع كبير في استهلاك الكهرباء، ما حدا بالسلطات المعنية في نيويورك إلى حث السكان على الاعتدال.


وسمح لملايين الأطفال الذين يقضون عطلتهم الصيفية في المدن الأميركية بالاستحمام بمياه النوافير في الحدائق العامة وتمديدات المياه الخاصة بإطفاء الحرائق.


أما السياح، فقد وجهت إليهم النصائح بعدم التجول في الشوارع، وبالاقتصار على تمضية وقتهم في المتاحف ومراكز التسوق.

وقد شهدت مراكز التسوق إقبالاً شديداً على شراء المراوح وأجهزة التكييف، من دون أن تصدر عن السلطات تنبيهات بأن هذه الأجهزة تصرف الكثير من الطاقة الكهربائية المطلوب توفيرها.


وبالطبع، لم تصدر تعليمات تحض على الاعتدال في استخدام السيارات، تلك الآلات التي يحق وصفها بحق بأنها عشرات الألوف من كتل اللهيب التي تملأ الشوارع في كل مدينة، وتسهم أكثر بكثير من الشمس المحرقة في أحراق ما يحيط بها من هواء وحياة.


لكل سيارة محرك هو عبارة عن 3000 درجة حرارة متجولة. وهي، من الآن وحتى إجراء تحقيق دولي يحدد مسؤولية السيارة والشاحنة والحافلة والطائرة والقطار والدراجة النارية، وغيرها من الآلات التي تعمل عن طريق إحراق الطاقة الأحفورية وغير الأحفورية عن الكارثة المناخية... هي المسؤولة عن الكارثة المناخية التي لا يرى فيها القيمون على الشؤون غير فرصة للاستثمار وتحريك عجلة الاقتصاد وتحقيق الأرباح.


المستشفيات وشركات الأدوية، وشركات دفن الموتي والمؤسسات الملحقة تجني أرباحاً دسمة من الكارثة المناخية. والقيمون على الشؤون يبرئون ذمتهم عبر إطلاق دعوات ـ يعرفون أن أحداً لن يسمعها ـ إلى الاعتدال في استهلاك الطاقة.


وفي الوقت ذاته، ينظّرون لـ"التكيف": مراكز عمومية للتبريد، وأجهزة للتبريد في مواسم الحر، وللتدفئة في مواسم القر، وكمامات تختفي خلفها الوجوه اتقاءً للغبار والدخان والسخام والغازات (في وقت لا أحد يعترف فيه بفضيلة البرقع)، وكل ذلك بتكاليف مالية تأخذ طريقها سرياً إلى مراكز المال والأعمال.

والتكيف هو أيضاً مزيد ومزيد من التنمية في مجال إخضاع الإنسان للظروف المصطنعة الباهظة التكاليف، بعد أن دمر النشاط البشري الاستكباري الظروف الطبيعية الملائمة لحياة الإنسان بالمعنى الطبيعي للحياة.


2010-07-08