ارشيف من :آراء وتحليلات

الأزمة الصومالية... نحو المزيد من التفاقم

الأزمة الصومالية... نحو المزيد من التفاقم
عقيل الشيخ حسين

أكثر ما يفعله الرئيس الصومالي شيخ شريف شيخ أحمد منذ انتخابه المثير للجدل، في جيبوتي، قبل ثمانية عشر شهراً، هو الاستغاثة بالخارج (دول مجموعة إيغاد، الاتحاد الإفريقي، الأسرة الدولية) طلباً للمساعدة العسكرية والمالية التي يستحيل بدونها صمود حكمه في وجه مقاتلي "الشباب المجاهدين" و"الحزب الإسلامي" الذين يسيطرون على جميع أراضي البلاد، إضافة إلى معظم أحياء العاصمة مقديشو.

والواقع أن طلب المساعدة كان ديدن جميع الحكومات المؤقتة التي شكلت في الصومال منذ سقوط نظام سياد بري في العام 1991. وكانت أولى تلك المساعدات تدخل عسكري أميركي تحت راية الأمم المتحدة، انتهى بهزيمة أجبرت الأميركيين على الانسحاب من البلاد في العام 1995.ثم أخذت المساعدات أشكالاً مختلفة من الدعم المباشر وغير المباشر، لكنها لم تكن كافية لمنع المحاكم الإسلامية من الاستيلاء على السلطة في صيف العام 2006، وبقائها فيها لمدة ستة أشهر انتهت بتدخل عسكري إثيوبي واسع النطاق ومدعوم أميركياً.   

ومنذ البداية، لم تتمكن القوات الإثيوبية، والحكومة المؤقتة التي أعيد تشكيلها برئاسة عبد الله يوسف أحمد، من تحقيق الاستقرار، حيث ووجهت بمقاومة شرسة من قبل مقاتلي المحاكم الإسلامية. وبهدف منع المحاكم من السيطرة مجدداً على الوضع في الصومال، تم تشكيل قوة سلام إفريقية من 3400 جندي أكثرهم من بوروندي وأوغندا، مهمتها المساعدة في تشكيل قوات شرطة صومالية، وتأمين الحماية لبعض المواقع الحساسة في مقديشو كالقصر الجمهوري والمطار والمرفأ. 

ثم ظهر سريعاً عجز القوة الإفريقية عن القيام بمهمتها في ظل وصول الهجمات المسلحة إلى العدد القليل من المرافق المكلفة بحمايتها.
فجأة، دخلت المحاكم الإسلامية في مفاوضات مع الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله يوسف أحمد في جيبوتي، وأدى الاتفاق إلى انشقاق المحاكم، وبروز تنظيمي الشباب المجاهدين والحزب الإسلامي.

وفي حين انتخب زعيم المحاكم، شيخ شريف شيخ أحمد، رئيساً للبلاد، على رأس حكومة مؤقتة جديدة، وانتقل إلى مقديشو مع أفراد حكومته، اجتمع ممثلو التنظيمين في العاصمة الإريترية، أسمرة، وقرروا مواصلة العمل المسلح ضد الحكومة المؤقتة الجديدة والإثيوبيين وقوة السلام الإفريقية. وفي حين اضطر الاثيوبيون إلى الانسحاب تحت ضربات المقاومة، واصلت القوة الإفريقية التي ارتفع عديد أفرادها إلى خمسة آلاف رجل، تقديم الدعم لحكومة شيخ شريف التي قتل العديد من أعضائها في عمليات نفذها الشباب المجاهدون، إضافة إلى تخبطها في تجاذبات بين أعضائها تخللتها استقالات وإقالات ومحاولات فاشلة لتنحية بعض أعضائها، في ظل تعدد الولاءات القبلية والعلاقات مع جماعات الضغط الداخلية والخارجية.

كما تشهد الحكومة الصومالية التي تضم 39 وزيراً الكثير من التعديلات التي كان آخرها تعديل جرى قبل أيام تغير بموجبه عدد من الوزراء بينهم وزراء الخارجية، والدفاع، والإعلام، والتخطيط، والعدل، والأمن الوطني... وشمل التعديل تعيين ثلاثة وزراء من تنظيم "أهل السنة والجماعة"، وهو تنظيم ذو نزعة صوفية ومعروف باعتداله تشكل عام 1991 بهدف حماية الاسلام الصوفي الصومالي من التأثير المتنامي للوهابية الآتية من الخليج. وبدأت الجماعة بالعمل المسلح ضد الشباب المجاهدين عام 2009 بعد التدمير الذي تعرضت له أضرحة لمشاهير الصوفيين.

وفي هذه الأثناء تتصاعد المواجهات العسكرية داخل مقديشو وغالباً ما تلجأ القوة الإفريقية إلى قصف الأحياء المدنية المكتظة بالسكان، موقعة أعداداً كبيرة من القتلى والجرحى المدنيين.

وقد تعرض أحد أحياء مقديشو إلى قصف نفذته القوة الإفريقية يوم الإثنين ونجم عنه مقتل أحد عشر شخصاً بينهم تسعة من أسرة واحدة.
وتزامن هذا التطور مع انعقاد قمة طارئة في أديس أبابا لقادة منظمة إيغاد التي تضم ست دول من شرق إفريقيا هي الصومال وأوغندا وأثيوبيا وجيبوتي وكينيا والسودان، وذلك لبحث حالة عدم الاستقرار السياسي وانعدام الأمن في الصومال.

وتأتي هذه القمة بعد أسابيع من انعقاد مؤتمر دولي في اسطنبول حضره ممثلون عن أكثر من خمسين بلداً، إضافة إلى العديد من المنظمات الدولية في طليعتها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، للبحث تحديداً عن سبل إعادة الأمن والاستقرار إلى الصومال.


وفي حين طالب شيخ شريف شيخ أحمد قادة إيغاد بتكثيف الجهود لتحديد إستراتيجية عسكرية فعالة في وجه من أسماهم بالمتمردين، إضافة إلى مطالبة المجتمع الدولي بالوفاء بوعوده بتقديم الدعم المالي والعسكري ومواصلة تدريب القوات الحكومية وتقديم المساعدة للاجئين الصوماليين، تتجه القمة نحو المطالبة باستقدام قوة دولية تابعة للأمم المتحدة للحلول محل القوة الإفريقية. وبانتظار ذلك، قرر المجتمعون رفع عديد القوة الإفريقية إلى سبعة آلاف جندي، في وقت خرجت في مقديشو تظاهرات شعبية حاشدة طالبت بانسحاب القوات الإفريقية.  وفي الوقت ذاته، هدد قادة الشباب المجاهدين والحزب الإسلامي بتوجيه ضربات لسفارات بلدان الإيغاد في مقديشو، ووجهوا نداءً طالبوا فيه المسلمين بمهاجمة سفارات بوروندي وأوغندا ومصالحهما في كل مكان من العالم.



2010-07-08