ارشيف من :خاص
نتنياهو في واشنطن: استقبال "حار" لمواجهة ايران وتركيا
حظيت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة الى واشنطن بـ"استقبال حار" بحسب تعبير نتنياهو نفسه، في مشهد يدلّ على أهمية الزيارة بعد "التباين" العلني الذي ظهر الى العلن بين الحليفين منذ الزيارة الشهيرة لنائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن الى تل أبيب. ولئن كانت "عملية السلام" في صلب محادثات اوباما - نتنياهو، فإن التركيز على ايران وتركيا كان من ابرز الملفات الحاضرة على طاولة الحوار "الاستراتيجي".
في هذا السياق، عُقدت ندوة في العاصمة الاميركية مطلع الشهر الحالي حول آثار زيارة نتنياهو الى واشنطن وتداعياتها على السياسة الاميركية في الشرق الأوسط. وكان من أبرز المتحدثين ستيفن هادلي مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي السابق جورج بوش والباحث حاليا في الشؤون الدولية في "المعهد الأميركي للسلام" والعميد في احتياط الجيش الاسرائيلي مايكل هيرتزوغ الذي شغل منصب مستشار في وزارة الحرب الاسرائيلية طول السنوات العشر الماضية.
وفي ما يلي ملخص مداخلة هذين الباحثين:
------------
هادلي: التشدد مع ايران لاراحة نتنياهو
"إن حل الدولتين مقبول على نطاق واسع كمحصلة نهائية لأية عملية سلام في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من هذا الإجماع، تباطأ التقدم نحو إيجاد حل إلى حد التوقف التام تقريباً. فالصعوبة التي يواجهها ائتلاف جناح اليمين في إسرائيل من ناحية تقديم تنازلات حول قضايا أساسية قد أثبتت بأنها عقبة رئيسية في طريق المفاوضات، في حين أن الإنقسام بين السلطة الفلسطينية التي تسيطر على الضفة الغربية وبين «حماس» في قطاع غزة قد قلل بصورة أكبر من احتمال التوصل إلى حل في المستقبل المنظور.
إن ما ينتقص أيضاً من استعداد إسرائيل للتفاوض هو شعورها المتزايد بالعزلة. فالبرنامج النووي الإيراني الذي يلوح في الأفق وتدهور العلاقات مع تركيا والعلاقة المتوترة مع واشنطن، تهدد جميعها شعور إسرائيل بالأمن، مما يجعل الحكومة الحالية أقل ميلاً لتقديم تنازلات ضرورية.
ويتمتع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بالقدرة على وضع حد للشعور المتزايد بأن إسرائيل معرضة للهجوم. فالتوصل إلى حل الدولتين سينهي بشكل دائم النقاش حول شرعية إسرائيل في الشرق الأوسط. ومع ذلك، يجب على نتنياهو أن يتصرف بسرعة لأن نافذة الفرصة التي يمكن من خلالها التوصل إلى حل ضيقة. فقد وصل شركاء إسرائيل من العرب إلى أرذل العمر؛ وبإمكان الجيل التالي من القادة أن يثبت بأنه أكثر تطرفاً وعدوانية ضد إسرائيل، وبالتالي أقل ميلاً للدخول في مفاوضات مباشرة معها.
وعلاوة على ذلك، يشكل الموقف في إيران تهديداً خطيراً على عملية السلام. ولو حققت طهران قدرة نووية فلن تحظى الأطراف المتشددة مثل «حزب الله» و«حماس» بدعم عسكري وسياسي معزز فحسب، بل سينفجر على الأرجح سباق تسلح نووي في المنطقة يؤدي إلى تدمير مصداقية المجتمع الدولي ويحول «معاهدة حظر الإنتشار النووي» إلى اتفاقية عديمة المضمون.
ينبغي على واشنطن أن تبدأ الآن بخطة لتحديد جدوى العقوبات بحلول الربع الأول أو الثاني من العام المقبل، ويجب أن يبقى الخيار العسكري مطروحاً كوسيلة لتعزيز الدبلوماسية وليكون أيضاً أسوأ حالات السيناريو |
وفي الوقت الذي ربما تكون فيه إيران على بعد عامين أو أقل من تحقيق قدرة نووية، تقترب واشنطن من الوقت الحاسم. وبحلول الربع الأول من عام 2011، سوف نعرف ما إذا كانت العقوبات قد أثبتت فعاليتها أم لا. وفي غضون ذلك، يتعين على الولايات المتحدة الإستمرار في الضغط بقوة في موضوع العقوبات، وإعاقة عائدات النفط من الوصول إلى إيران بطريقة لا يمكن أن يعزى حدوثها إلى الولايات المتحدة، ودعم المقاومة المدنية عن طريق نقل التكنولوجيا للمساعدة في الإتصال الحر وجعل البث الخارجي متاحاً بشكل أكبر. وفضلاً عن ذلك، ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تبدأ الآن بخطة لتحديد مسار العمل إذا ما اعتبرت العقوبات غير فعالة بحلول الربع الأول أو الثاني من العام القادم. ويجب أن يبقى الخيار العسكري مطروحاً على الطاولة كوسيلة لتعزيز الدبلوماسية وليكون أيضاً أسوأ حالات السيناريو التي يمكن اتخاذها.
بإمكان الإدارة الأمريكية أن تعزز بصورة ملحوظة من آفاق السلام في الشرق الأوسط، سواءاً عن طريق الضغط الدبلوماسي أو العمل العسكري. كما أنه بإمكان الإبطاء الناجح للطموحات النووية الإيرانية أن يحرم حركة «حماس» (المعارضة الرئيسية لعملية السلام) من الرعاية الإيرانية، ويترك الدول العربية حرة لدعم العملية، ويعزز من مصداقية الولايات المتحدة كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط. وعلاوة على ذلك، مع انخفاض القلق الإسرائيلي بشأن إيران سيشعر نتنياهو بحرية أكبر في التوصل إلى اتفاق.
يتحتم على نتنياهو وأوباما بناء علاقة عمل قوية حول تعطيل الطموح النووي الإيراني، جنباً إلى جنب في تعاملهما مع جميع القضايا الأخرى الحيوية لأمن إسرائيل. ومع اقتراب اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر القادم، فإن نتنياهو في حاجة ماسة لدعم الولايات المتحدة وأخذ مشورتها والحصول على ثقتها في مواجهة قضايا تحمل في طياتها استدلالات تعتبر كتهديدات وجودية بالنسبة لإسرائيل. وتنطوي زيارته المرتقبة إلى واشنطن (المقررة حالياً في 6 تموز/يوليو) على احتمالات هائلة لاستعادة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية إلى وضعها السابق.
وأخيراً، على الرغم من أن حادثة 'أسطول غزة' قد أدت إلى توتر الروابط الإسرائيلية التركية إلا أن العلاقات بين البلدين ليست غير قابلة للإصلاح؛ فكلا الطرفين مستاء من النتيجة، وتقوم واشنطن بتشجعيهما على اتخاذ خطوات متبادلة لإصلاح علاقاتهما".
هيرتزوغ: تركيا وايران تحددان مستقبل المنطقة
"إن التحديات الإستراتيجية الأخيرة، بما في ذلك البرنامج النووي الإيراني وتدهور العلاقات مع تركيا والتوترات مع الولايات المتحدة، قد تركت الإسرائيليين يشعرون بصورة متزايدة بأنهم معزولون عن المجتمع الدولي؛ وهناك إأدراك متزايد بأن حق إسرائيل في استخدام القوة للدفاع عن نفسها قد أصبح هو الآخر معرضاً لهجوم دولي.
وعلى الرغم من أن كلاً من إسرائيل والسلطة الفلسطينية تسعى من أجل الوصول إلى حل الدولتين؛ في الوقت الذي تواجهان فيه التحديات المشتركة التي تفرضها إيران و«حماس»، إلا أنهما قد أعربتا مراراً وتكراراً عن شروطهما المختلفة لإجراء المفاوضات. ويؤمن الإسرائيليون بأنه "لا شيء متفق عليه حتى يتم الإتفاق على كل شيء". وعلى هذا النحو، تريد إسرائيل إجراء مفاوضات مباشرة حول الوضع النهائي وتتمسك بالفكرة المتمثلة بأن القضايا الجوهرية (مثل القدس واللاجئين) هي مهمة جداً لكي تتم مناقشتها بواسطة طرف ثالث.
ويريد الفلسطينيون خطة من أوباما أو حلاً للنزاع تفرضه الأمم المتحدة، كما أنهم أعدوا حزمة من الشروط المسبقة، بما في ذلك تجميداً تاماً لعمليات الإستيطان واستئناف المحادثات من النقطة التي توقف عندها رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت التي يجب الوفاء بها قبل بدء المفاوضات. ورغم الجهود الأمريكية المتكررة، ما يزال من الصعب تخطي هذين النهجين المختلفين تجاه المفاوضات.
يجب خلق ظروف تؤدي إلى السلام من أجل نجاح المفاوضات بين الطرفين. وتظهر الجهود الحالية على أرض الواقع توجهاً إيجابياً ليس فقط من حيث معدل النمو الإقتصادي الذي وصل إلى 8% وهي نسبة لم يسبق لها مثيل في الضفة الغربية، ولكن أيضاً من حيث مستوى التنسيق بين الفلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية، فضلاً عن نجاح جهود المنسق الأمني الأمريكي الجنرال كيث ديتون وجميعها عوامل تعتبر مدعاة للتفاؤل. ومع ذلك، ففي الوقت نفسه تبقى غزة في أيدي حركة «حماس» وهي حزب إسلامي راديكالي، وما تزال المصالحة بين «فتح» و«حماس» غير مجدية كما كانت دائماً.
مع اقتراب انتهاء فترة تعليق بناء المستوطنات، تقترب عملية السلام من نقطة حرجة والمطلوب جمع الطرفين على مائدة المفاوضات لإجراء محادثات مباشرة |
ويظهر الموقف حول إيران سبباً مماثلاً للتفاؤل والتشاؤم على حد سواء. وعلى الرغم من أن التطورات الأخيرة المتعلقة بالعقوبات تعكس إتجاهاً إيجابياً نحو زيادة العزم الدولي بشأن هذه القضية، هناك ما يدعو للشك حول ما إذا كان سيتم فعلاً تنفيذ العقوبات وإذا سيكون لها الأثر المنشود. وسوف يستغرق الأمر ما لا يقل عن ستة أشهر وحتى عام واحد لكي يتم تحديد ما إذا كانت تلك الإجراءات ذات فائدة على أرض الواقع، بحيث سيتعين على المجتمع الدولي في ذلك الحين اختبار الخطوة التالية بصورة دقيقة. وبالنسبة لإسرائيل فإن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة.
إن حل القضية الإيرانية سوف يعطي دفعة كبيرة لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وفي الوقت الذي تزداد فيه الدول المعتدلة مثل مصر والسعودية ضعفاً، تصبح إيران وتركيا بصورة متزايدة الدولتان اللتان تحددان مستقبل الشرق الأوسط. وفي الوقت الذي تستمر فيه السياسات الإيرانية في تقوية «حماس» و«حزب الله»، انهارت تماماً العلاقات القائمة بين إسرائيل وتركيا، في أعقاب قيام أنقرة بتشجيع 'أسطول غزة'.
ومما زاد الطين بلة، أدى تركيز إدارة أوباما على التعاطي مع العالم الإسلامي إلى ترك إسرائيل متشككة من استمرار واشنطن على تقديم الدعم الكامل لمصالحها الأمنية. وهناك شيئ واحد مؤكد: لكي يتخذ نتنياهو قراراً تاريخياً بشأن عملية السلام، عليه أن يكون واثقاً ليس فقط من وجود شريك فلسطيني على الجانب الآخر ولكن أيضاً من قيام أمريكا بتوفير شبكة أمان فيما لو فشلت عملية السلام.
ومع اقتراب يوم انتهاء فترة تعليق بناء المستوطنات في 26 أيلول/سبتمبر، تقترب عملية السلام من نقطة حرجة. إن أهم شيء هو جمع الطرفين للجلوس على مائدة المفاوضات لإجراء محادثات مباشرة. وفي هذا الصدد، فإن كلاً من إسرائيل والولايات المتحدة عازمة على إنجاح زيارة نتنياهو إلى واشنطن. وتحمل الرحلة فرصاً كبيرة لتعزيز العلاقات بين البلدين ودفع عجلة المفاوضات إلى الأمام".