ارشيف من :آراء وتحليلات
في استوديو بيروت... هناك من يشكو من مقاطعة الكيان الاسرائيلي!
لم يكن تقديم جيزيل خوري لضيفها "غالوناً" فارغاً ليملأه نفطاً مزعوماً برأيها هو المفاجأة. فهذا التصرف يأتي تتويجاً للأسئلة التشكيكية التي طرحتها خوري حول ملف النفط والذي وصل الى حد تبني الموقف الاسرائيلي الذي ربط بين النفط وسلاح المقاومة، وهذا ما عبّر عنه ضيفها المستشار الاعلامي لرئيس مجلس النواب علي حمدان.
المفاجأة كانت في الدقائق الخمس الاخيرة من برنامج "ستوديو بيروت" عبر قناة "العربية" التي خصصتها خوري لرجل الأعمال جهاد المر، ليبث شكواه من تطبيق قانون مقاطعة "اسرائيل" في لبنان. فتطبيق القانون برأي المر يأتي من قبل من "يريد ان يكون ملكيا أكثر من الملك " دون مبررات منطقية! فأسباب المقاطعة لا تتعدى كون الفنانين "مرّوا باسرائيل أو غنّوا فيها او متحدرين من أصل يهودي!"، وهنا تتدخل خوري لتستشهد بحادثة جاد المالح، من دون الاشارة طبعاً الى ان الضجة يومها لم تثر على خلفية أصوله اليهودية او مجرد زيارته لـ" اسرائيل" انما لكونه خدم في الجيش الاسرائيلي وعبر عن تأييده لجرائم هذا الجيش تجاه اللبنانيين تحديداً.
يتابع جهاد المر ان المطالبين بالمقاطعة تدفعهم حماسة في غير محلها، وهم يخدمون العدو لأن منع هؤلاء الفنانين من إحياء الحفلات في بلدنا يضر بلبنان وبسمعته، ويؤدي الى تعطيل أعمال المئات من اللبنانيين. ويضيف المر ان هؤلاء الفنانين يفضلون الذهاب الى "اسرائيل" ويقولون "ما فرقاني معنا لبنان".
ويختم رجل الاعمال اللبناني بلازمة باتت تتكرر على ألسنة معظم الفريق السياسي والثقافي الذي ينتمي اليه وهي: "اذا كل البلدان العربية قامت بالمقاومة السلمية لبنان يكون معهم، أما ان يستمر لبنان لوحده بتطبيق مقاطعة " اسرائيل" فهذا يعني الغاء لبنان".... انتهت المقابلة السريعة مع المر إلا ان الأسئلة التي اثارتها في ذهن المتلقي لا يمكن ان تتوقف..
لماذا الترويج للتطبيع مع العدو الاسرائيلي في هذا التوقيت بالذات؟ وهل يمكن اعتبار هذه المقابلة صفارة انطلاق لحملة أوسع على هذا الصعيد؟ هل قصدت معدّة ومقدمة البرنامج ومن وراءها، تقديم نموذج مخفف لقياس رد الفعل على هذه الخطوة والتأسيس من خلاله لخطوات مستقبلية؟ وهل يمكن الفصل بين هذه المحاولة وما قامت به مؤسسة سمير قصير التي وضعت على موقعها الالكتروني "اسرائيل" من ضمن الدول التي يمكن ان تشارك في جائزة سمير قصير الصحفية بحجة ان الممول لها هو الاتحاد الأوروبي والمؤسسة ملتزمة بشروط الممول حتى ولو كان في الامر مخالفة قانونية؟
اسئلة لا يمكن تجاهلها او التقليل من أهميتها اذا ما عرفنا الجهود المضنية التي قامت بها "اسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية لنشر ثقافة التطبيع في العالم العربي بدءاً بتمويل مؤتمرات (التمويل وثقافة السعي لتحقيق الأرباح حاضرة بقوة في هذا الملف) تحت مسمّيات وعناوين علمية، توجه فيها الدعوات لعلماء ومتخصصين بهدف كسر الحواجز النفسية التي كانت قائمة بين العرب والاسرائيليين. هذه الحواجز التي سقطت في العديد من الدول ولدى العديد من النخب الثقافية. والمطلوب اليوم العمل على مختلف الأصعدة وعدم اهمال أي مستوى من المستويات بدءاً بالمستوى السياسي وصولا الى الاقتصادي مروراً بما هو اخطر اي المستوى الثقافي.
وهنا يبدأ العمل بترجمة الكتب والروايات وتنظيم الزيارات المتبادلة للفنانين والمثقفين والغاء قوانين مقاطعة " اسرائيل"، وصولاً الى إحداث التغيير في الأفكار والمفاهيم وإلغاء التاريخ وتغيير مناهج التعليم، كل ذلك في اطار ما يسمى "ثقافة السلام". إن الحلقة المشار اليها عبر قناة العربية تستحق التوقف، ويبدو أننا مقبلون على حملة اعلامية ضمن سياق الحرب الناعمة عنوانها التطبيع.