ارشيف من :آراء وتحليلات
خفايا التوجه الفرنسي الجديد في لبنان وتوتر العلاقة بين اليونيفل والأهالي
باريس ـ نضال حمادة
تصاعد التوتر فجأة بين القوة الفرنسية العاملة ضمن قوات الطوارىء الدولية في جنوب لبنان وأهالي بعض القرى اللبنانية على خلفية المناورات ومداهمات قام بها جنود فرنسيون لبعض المنازل في قرى لبنانية وفق مصادر الأهالي. هذا التوتر سارعت إلى تلقفه بعض الوجوه السياسية اليمينية التي زارت مؤخراً العاصمة الفرنسية. ومن الطبيعي لكل مراقب للوضع السياسي العام في لبنان، أن يربط بين الأحداث الأخيرة في جنوب لبنان، وتنطح هذه الوجوه للدفاع عن قوات الطوارىء وحرية حركتها وتحريض الدولة على التحرك حماية لهيبتها!
وإذا كان توقيت التحرك الفرنسي في الجنوب اللبناني لم يكن مفاجئاً، فإن قوة هذا التحرك وقوة رد الفعل المقابل جاءت مفاجئة ومقلقة لأكثر من طرف، ما جعل المعنيين في لبنان وفرنسا والأمم المتحدة يسارعون إلى معالجة المشكلة بسرعة قصوى منعا لأي تدهور لا تحمد عقباه، وخصوصاً أنه لن يفيد أحدا لا سيما الرئيس الفرنسي الذي يعيش وضعاً شعبياً وحكومياً دقيقاً سوف ينهار في حال وقوع خسائر بشرية في صفوف قوات بلاده العاملة ضمن اليونيفل جنوبي لبنان.
وكانت "الانتقاد" قد ذكرت في تقرير سابق عن مصادر فرنسية واسعة الاطلاع قولها بأن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من القيام بأي تحرك عسكري مفاجئ في جنوب لبنان من دون إخبار فرنسا، لأن الوضع الشعبي للرئيس الفرنسي لا يسمح بخسائر في لبنان، ونقلت المصادر الفرنسية في حينه عن ساركوزي قوله لنتنياهو "ان الشعب الفرنسي يمكن أن يتفهم وقوع خسائر بشرية في صفوف القوات الفرنسية في أفغانستان بسبب طبيعة الصراع هناك، ووجود حركة طالبان، أما في لبنان فمن الصعوبة تبرير أية خسائر فرنسية للرأي العام في فرنسا".
وتشير مصادر الى أن التحرك الفرنسي الخطير في جنوب لبنان يندرج تحت عناوين عدة بعضها يرتبط بالانتخابات الرئاسية الفرنسية وأخرى لاسترضاء اطراف اقليمية ومحلية، وحددت ثلاثة اسباب لما جرى.
1ـ تعمدت فرنسا عبر هذا التحرك إزعاج الولايات المتحدة التي يتهمها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بتسويق رئيس البنك الدولي دومينيك شتروسكان للترشيح في الانتخابات الرئاسية القادمة بعد سنتين من الآن، وهناك من يقول في فرنسا ان أوباما غير مستعد لخوض أية حرب في القريب المنظور في المنطقة وفي غيرها من مناطق العالم.
2 ـ هناك محاولة فرنسية لاسترضاء السعودية عبر التحرش بسكان مناطق الجنوب المحسوبين على حزب الله، وقد تحدثت تقارير سابقة عن كيفية مخاطبة الملك السعودي لوفد من الصناعيين الفرنسيين حيث قال لهم ما حرفيته "لن نشتري منكم وسنشتري من أميركا وبريطانيا لأنهما تحمياننا من إيران".
3 ـ يمكن رؤية هذا التحرك بأنه جاء كنتيجة سياسية لزيارة أركان اليمين اللبناني لفرنسا نهاية الشهر الماضي، وهو يأتي كفاتحة جديدة لعودة فرنسا لاحتضان المسيحيين في لبنان بعد غياب طويل نتج عن سياسة الرئيس السابق جاك شيراك الذي اتخذ آل الحريري حليفا وحيدا واستراتيجيا في لبنان على حساب العلاقة الفرنسية التاريخية مع موارنة ثورة الأرز.
هذه الأسباب، دفعت البعض في فرنسا إلى التحرك في الجنوب اللبناني، ولكن بمقدار وحدود سقفها عدم المواجهة العسكرية أو الصدام المباشر مع الأهالي، وبالتالي يمكن اعتبار اللجوء الفرنسي لمجلس الأمن الدولي احدى الوسائل للتخلص من المأزق الراهن مع الحفاظ على ماء الوجه بعد ردود الفعل العنيفة من الجانب اللبناني، وبعد الشعور الفرنسي بأن الأمور قد تخرج عن السيطرة مع ملاحظة فرنسية للصمت المطبق الذي التزمت به الدول الأوروبية المشاركة في اليونيفل مثل إسبانيا وإيطاليا.