ارشيف من :ترجمات ودراسات
"إسرائيل" على مفترق مفصلي
المصدر: عرب 48/ خالد خليل
ليس بالإمكان اعتبار الموقف التركي من "إسرائيل" مجرد رد فعل غاضب على تصرف الأخيرة في واقعة أسطول الحرية. ومن المستبعد نجاح لقاءات المسؤولين الإسرائيليين مع الأتراك في إعادة الأمور إلى نصابها السابق حينما كانت الدولتان حليفتين إستراتيجيتين.
يجمع الخبراء ومحللو الشأن الإقليمي على أن جذور الموقف التركي تتجاوز الموقف الأخلاقي الرافض لجرائم الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، وهي أصلا مرتبطة بسياسات واستراتيجيات معدة سلفا وتنطلق أولا من المصالح التركية المبنية على ضرورة التوازنات الإقليمية، والتي لا بد وان تصطدم مع العقيدة الأمنية الإسرائيلية المرتكزة على شرط التفوق الذي يجب أن تخضع له جميع دول المنطقة وفقا للمفهوم الإسرائيلي.
من هذا المنطلق يمكن فهم تشكل التحالف الجديد في المنطقة بين تركيا وإيران وسوريا، طبعا إلى جانب العوامل الأخرى التي تعزز مثل هذا التحالف ، ومن ضمنها المصالح الاقتصادية والتبادل التجاري، إضافة إلى المصالح المشتركة بين الدول الثلاث في موضوع كردستان والعراق.
"إسرائيل" حتى الآن ترفض التخلي عن إستراتيجية التفوق المطلق، مما سيفقدها حتما الحليف التركي، ويعزز بالتالي الحلف المشار إليه بما يخدم إيران وسوريا أيضا، ويساهم في تخفيف وطأة العقوبات والعزلة الدولية عنهما، فيما يكرس هذه العزلة على الدولة العبرية.
ومن الواضح أن التعنت الإسرائيلي الأخير فيما يتعلق بتقديم الاعتذار لتركيا على قتل المواطنين الأتراك على متن أسطول الحرية، سيضع "إسرائيل" في مأزق جديد يعمق أزمة العلاقات مع تركيا التي ستمضي دون حرج في معاقبة "إسرائيل" ومقاطعتها تدريجيا كما صرح وزير الخارجية التركي.
يبدو أن توالي الأحداث الدراماتيكية في منطقة الشرق الأوسط ليس مجرد تراكمات غير مترابطة وبالإمكان معالجتها منفصلة كما تحاول "إسرائيل"، وإنما بات جليا أن منطقتنا أمام رياح تغييرية عاصفة لا بد وأن تفكك السحب الداكنة التي تغطي سماءها منذ عقد من الزمن، وتحديدا بعدما اجبر الجيش الإسرائيلي على الانسحاب من لبنان تحت ضربات المقاومة اللبنانية.
ولا شك أن التطورات اللاحقة وما ألحقته من زعزعة في ميزان الأمن القومي الإسرائيلي في أعقاب حرب 2006، ساهمت في فرز الأحلاف ومراكز القوى الإقليمية بشكل يفرض إعادة الحسابات في إدارة هذه المنطقة من العالم.. وهذا مرتبط أيضا بنتائج السياسات العدوانية لأمريكا في العراق وأفغانستان وإيران، إضافة إلى تدخلاتها السافرة في شؤون الدول المحيطة بروسيا وما قد ينشأ عنها من أزمات في المدى المنظور.
تراكم الأحداث وترابطها لم يبق مجالا للمناطق الوسط ومزاولة خدع إدارة الصراع من خلال الإبقاء على الأوضاع الراهنة، خاصة بعدما قررت القوى الإقليمية الكبرى ترك الهامش واللعب في المركز، من خلال طرح أجندة واضحة في صلبها التمسك بحق المشاركة التامة في إدارة المنطقة ضمن منطق التوازن الإقليمي المتعارض أصلا مع نظرية التفوق الإسرائيلية المدعومة أمريكيا. ولنا أن نتخيل كم سيزداد التحالف الإقليمي الجديد قوة وتأثيرا في حال أطيح بالنظام المصري في انتخابات عام 2011 وانضمت مصر إلى هذا التحالف. وهذا الأمر علاوة على ذلك من شأنه تجزيء الموقف الغربي أو حتى "نترلة" مواقف بعض الدول الأوروبية التي تربطها مصالح وثيقة مع الدول المعنية.
"إسرائيل" إذن موجودة على عتبة قرار استراتيجي سوف يتحدد به وجه ومستقبل المنطقة، فإما التسليم بالأمر الواقع وتغيير إستراتيجية التفوق بإستراتيجية التوازن، أو الاستمرار بالأولى على طريق تأجيج الصراعات ومواصلة استعداء القوى الإقليمية الصاعدة بتواتر.