ارشيف من :آراء وتحليلات
بين اقرار اليونيفيل بخطئها ودفاع 14 آذار عنها ...أية تطورات تنتظر لبنان؟
مصطفى الحاج علي
شكلت المواجهات بين الأهالي في بعض قرى الجنوب وقوات اليونيفيل خصوصا الفرنسية منها مناسبة لتظهير العديد من المسائل البالغة الأهمية، والمتنوعة الدلالة، أبرزها:
أولاً: ان العلاقة غير سوية بين الأهالي وقوات اليونيفيل، وبين الجيش وهذه القوات أيضاً، ويعود ذلك الى تراث من الممارسات غير المألوفة والمقبولة والتي تحمل في طياتها نسبة عالية من الاستفزاز، وقدراً كبيراً من علامات الاستفهام والشكوك في نوايا القوات تصل الى حد التساؤل حول حقيقة دورها بل أدوارها في الجنوب اللبناني.
إن وصول الأمور الى هذه الدرجة بين الأهالي واليونيفيل والجيش واليونيفل له سياقه المباشر والمتدرج، والذي أكثر من عبر عن خلفياته هم الطرف الفرنسي سواء بمستواهم العسكري العامل في اليونيفيل، أم بمستواهم السياسي في الحكومة والرئاسة الفرنسيين.
لقد سبق للفرنسيين أن أظهروا تذمراً من الواقع الحالي لعمل قواتهم كتأسيس موضوعي للدفع باتجاه أحداث تغيير في قواعد الاشتباك انسجاماً مع ما يطالب به الكيان الاسرائيلي منذ مدة، كما سبق لهم وأظهروا تذمراً مماثلاً من نسبة عديد الجيش اللبناني في الجنوب مدعين أنها أقل من المطلوب، ولما كان متعذراً احداث تغيير في نصوص القرار 1701 الذي جاء عقب حرب دولية وبعض عربية وباليد الاسرائيلية على لبنان، كان لا بد من البحث عن طرق التفافية لانجاز هذه المسألة عملياً، وذلك من خلال احداث تبديلات اساسية في تشكيلات قوات الطوائ وتوزيع مهامها، والتأكيد على البعد الأمني، وصولاً الى فرض تغييرات في الصنيعة والمهام على الأرض تكرس كأمر واقع، ثم جاءت عقب ذلك فكرة المناورة العسكرية الأخيرة، التي خرجت في طبيعتها واستهدافاتها عن أي مضمون تدريبي روتيني، وضاربة بعرض الحائط للتنسيق المفترض مع الجيش، ومتخذة عنواناً فاضحاً ومريباً هو محاكاة التعامل مع اطلاق الصواريخ من لبنان، فرضية العمل هذه تشكل في حد ذاتها تعاملاً مع لبنان كمعتدي، وبالتالي، تبرئ العدو الاسرائيلي مسبقاً في فكرة شن أي عدوان، وهي بدلاً من ان تتدرب على كيفية حماية لبنان من أي عدوان اسرائيلي، تتدرب على كيفية حماية الكيان الاسرائيلي من أي خطوة دفاعية مفترضة في الجانب اللبناني، ما يعني بدوره، ان المناورة هي تدريب عملي مسبق على كيفية تكثيف الجيش والمقاومة والشعب ازاء أي رد فعل على عدوان اسرائيلي مرتقب سبق وأشار اليه الرئيس الفرنسي مسبقاً عندما طالب قادة الكيان الاسرائيلي بتحييد قواته في حال شنهم أي عدوان جديد على لبنان. هذا الأمر رفضه الجيش اللبناني وحذر منه، الا أن الرؤوس الحامية الفرنسية أصرت على ادارة ظهرها لهذه التحذيرات واقحمت نفسها في التوترات الأخيرة، من هنا، تبدو اليونيفيل مطالبة أكثر من أي وقت مضى للالتزام بدقة بمنطوق القرار 1701 الذي تدرك توازناته الدقيقة والحساسة، وان تعيد النظر في كل سلوكياتها المريبة، انسجاماً مع مهامها الحقيقية.
ثانياً: عمل تجمع ما تبقى من فريق الرابع عشر من آذار على ممارسة نوعٍ من التذاكي السياسي ذي الطابع الاستغلالي لما حدث في الجنوب، وتصبو أنفسهم حماة لليونيفيل في وجه الجيش والأهالي معاً، رابطين ما جرى تارة بالملف النووي الايراني وطوراً بملف المحكمة الدولية، ضاربين بعرض الحائط حقيقة ما جرى وسياقه المباشر، ووقائعه المحددة، ومسقطين لكل ما له صلة بالسيادة اللبنانية.
ان يأخذ هذا الفريق جانب اليونفيل هكذا وبدون اي موقف نقدي، بالاضافة الى محاولاته البائسة لاعطاء ما جرى ابعاد سياسية مجافية لحقيقة ما جرى، يعكس جملة دلالات أبرزها:
ـ ان هذا الفريق لا يترك فرصة الا ويستغلها أبشع استغلال لتأكيد واقع الانقسام الداخلي خصوصاً في ما يتعلق في معادلة الشعب والجيش والمقاومة.
ـ ان مواقف هذا الفريق تسيء من حيث ارادت او من حيث لا تريد لعمل اليونيفيل لا سيما لجهة التشكيك بطبيعة مهامها، فعندما يطابق هذا الفريق دور اليونيفيل ومشروعه السياسي، انما يضع اليونيفيل في الحقيقة في مواجهة المشروع الآخر، وفي مواجهة مع البيان الوزاري لا سيما البند الذي يؤكد على معادلة الشعب والجيش والمقاومة.
ـ ان هذا الفريق لضعفه ووهنه الشديدين، وتسنيداً لعجزه، يحاول دائماً تقديم نفسه كمؤدي للخدمات للخارج، حرصاً منه على الدفاع عن موقعه ودوره المعروفين.
ـ من المفارقات، ان يسارع هذا الفريق وانسجاماً مع التوجهات الفرنسية الى وضع القرار 1701 تحت بند الفصل السابع، بالرغم من ادراكه التام، وكما قال رئيس الحكومة سعد الحريري عن حق، ان القرار 1701 هو تحت البند السادس ونقطة على السطر. فهذا الفريق يطمح الى تحويل هذا القرار الى اداة تفجير عبر تسريب حق استخدام القوة لتطبيقه، لا سيما وان هناك من ما زال يصر ويعمل على ربط القرار 1701 بقرار الفتنة الدولية رقم 1559.
ـ كشفت عملية التوظيف السياسي لهذا الفريق لما جرى في الجنوب عن حقيقة ما يغمزون ويراهنون عليه، فهم من جهة يتطلعون الى ضربة عسكرية ما في المنطقة تؤدي الى خلط الأوراق والمعادلة، ومن جهة أخرى فهم يعيشون على رهان ما ستحمله المحكمة الدولية من اتهامات باتت متداولة اعلامياً لحزب الله او عن حرفية وما يمكن ان يترتب على ذلك من تداعيات داخلية وخارجية.
- في مطلق الحوال، لقد ظهر هذا الفريق وحيداً في مقابل الأهالي والجيش والمعارضة ورئيس الجمهورية.. الخ وهذا الانقسام يعكس في جوانب سنة توتر علاقة هذا الفريق ليس مع المعارضة فحسب، وانما مع الجيش ورئيس الجمهورية، حيث يتعرض منذ مدة لانتقادات من هذا الفريق لدفعهما بعيداً عن مواقفهما الوطنية.
خلاصة الأمر، ان قطوع التوتر الأخير يعمل على تجاوزه وحسناً فعلت قيادة الطوارئ باعتذارها من الأهالي، إلا ان هذا ليس كافياً إلا إذا انضطبت اليونيفيل في سياق مهامها الطبيعية والمأمولة ، ما يفرض عليها تقديم براءة ذمة يومية من خلال سلوكياتها العملية المنسقة مع الجيش والأخذ بالاعتبار حساسيات الاهالي، وأنها موجودة لحمايتهم بالفعل من أي عدوان اسرائيلي لا العكس.
لا شك، أن ما جرى كشف أيضاً عن مدى سهولة ارتباط أي حدث داخلي في لبنان بحسابات المنطقة واعتباراتها ما يجعل مسار تطور الأمور سلباً أو ايجاباً خاضعاً لمسار تطور الامور خارجياً سلباً أو ايجاباً أيضاً، وأن الأشهر المقبلة تحمل في طياتها نذر الكثير من احتمالات تسخين الأمور وتبريدها وهذا رهن بحكمة الجميع.