ارشيف من :خاص
حرب تموز الفين وستة .... كيف أدارت المقاومة الحرب النفسية ضد العدو؟
في المدارس العسكرية الحديثة كل ما يوازي ويرافق اطلاق الصاروخ وقصف المدفع يجب ان يكون محسوبا بدقة.. فقد تطلق الكثير من الصواريخ ولكن عندما تظهر بموقفك وخطابك واعلامك بمظهر المتردد، تكون قد قضيت على الأقل على نصف قدرة الصواريخ التي اطلقتها.. اذ في الجانب الآخر عدو متحفز لالتقاط اشارات الضعف وتحويلها اندفاعا نحو الاستمرار ومواصلة مسار خطته.. اما اذا ظهرت بمظهر المتوثب للحرب والواثق من قدراتك فيكاد يكون رعب الصورة والصوت والخطاب اشد اثراً في نفس العدو وجنوده من المدفع..
هكذا كان الحال في حرب تموز عام ألفين وستة من جانب المقاومة.. أتقنت استخدام الحرب النفسية بامتياز الى جانب نجاحاتها الميدانية فأصابت من العدو مقتلاً، وإذ بالقيادة الاسرائيلية ترتبك وبالاعلام الصهيوني يشجع على وقف الحرب..
الحرب فتكت بدبابات العدو المتطورة، وسجلت المقاومة العديد من المفاجآت مقابل فشل متعدد الأوجه لجيش الاحتلال، فكان التصدي لجنود النخبة وافشال الانزالات وعدم القدرة على ضرب صواريخ المقاومة، والعجز عن كسر ارادة الصمود لدى الاهالي بالرغم من المجازر للضغط على المقاومة..
اذاً الحرب تميزت بكثير من النقاط عبر استخدام المقاومة تكتيكات لم تستخدم بين جيش نظامي ومنظمة عسكرية من قبل، لكن من معالمها الأساسية إضافة الى ادارة المعركة بتكتيك قوي، شن حرب نفسية مدروسة على العدو، حتى وصل الأمر بالمحللين الى اعتبار ان الحرب النفسية وازت الحرب الميدانية وكان لها الأثر الشديد في مسار ونتائج الحرب.
وقد لعبت عدة عناصر أساسية دورها في الحرب النفسية ضد العدو اثناء العدوان، أبرزها القائد والانجازات الميدانية والظهور الاعلامي وإبراز قوة العقيدة.
فالقائد - والحال هنا هو الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله- كان له دور كبير، وقد اكدت الدراسات الصهيونية الأخيرة دوره حينها، بل واستمرار هذا الدور الى اليوم من خلال مواقفه وخطاباته الموجهة للمجتمع الصهيوني.
ووفق ما يقول اختصاصيون في مجال الحرب النفسية، خاض السيد نصر الله الحرب الى جانب المقاومين عبر ظهوره المتكرر وممارسته الحرب النفسية حيث استطاع ان يمارس الردع من خلال تهديداته، فحين هدد بضرب حيفا وما بعد ما بعد حيفا، واستخدام مرحلة تصاعدية من التهديد كان الاسرائيلي يأخذ كلام السيد نصر الله على انه ذو مصداقية عالية.
ما زاد من قوة الحرب النفسية وفعاليتها اقترانها بالعمل الجهادي الفعال، والوصول إلى العمق الاسرائيلي الاستراتيجي، وهو ما لم يحصل من قبل، فكان السيد نصر الله يهدد وتترجم التهديدات تنفيذاً فعلياً، ما جعل الحرب النفسية متوازية بين خطاب الردع والعمل الجهادي.
من المعروف ان التطور التكنولوجي يهدد "اسرائيل" وامنها لكن ما وراء التكنولوجيات كانت تكمن العقيدة القتالية ـ الايديولوجية، وهذا أثّر بشكل كبير ـ بحسب المتخصصين ـ على نفسية العدو، وخصوصاً ان الجنود الصهاينة لا يملكون العقيدة، واعترافاتهم اشارت الى ان ليس لهم حوافز ودوافع في القتال.
الدكتور إياد عبيد الباحث في شؤون الدعاية والحرب النفسية، أكد لـ "الانتقاد"، أن "المقاومة تمكنت في حرب تموز من شن حرب دفاعية مستندة الى قوة دفاعية ثانية هي لعبة الحرب النفسية، وكانت في اعلامها احيانا هجومية، ما اذهل قادة الاعلام الصهاينة الذين تمرسوا طويلا في الحرب النفسية ولعبة ارهاق الخصم (العربي).
ويضيف "برز الهجوم الاعلامي الصاعق الذي كان يسجله السيد نصر الله عبر اطلالاته الاعلامية، حيث رأيناه يطل عبر "المنار" ومن خلالها على الشاشات العالمية ويقول: أنظروا الى المدمرة ساعر التي ستُقصف وبالفعل تُقصف، وغير ذلك، ما اثبت حربا نفسية مواكبة للحرب الميدانية اي وجود آلية و"ميكانيزم" سياسي عسكري اعلامي دعائي".
ويشير عبيد الى ان "المقاومة استخدمت القوة "الاستنادية" في العمل الاعلامي حيث كان هذا العمل يوازي اطلاق الصاروخ المدمر، وهذا جسد "ارهاقا" ميدانيا ودعائياً".
ويعطي عبيد مثالا آخر ما حصل "في وادي الحجير حيث رأينا تدمير الميركافا مفخرة الصناعة الاسرائيلية، فكان العرض للميركافا وهي مدمرة ايضا قوة استناد قوية".
القوة الاستنادية الاخرى بحسب عبيد كانت "توجه السيد نصر الله الى الصهاينة ومن خلالهم للعالم عندما يقول " المدينة بالمدينة" وحيفا وما بعد حيفا، وعنما يقول يبدأ القصف فعلاً، اذاً هو واكب الآلة العسكرية".
لكن "ما الذي يدفع هذا الفهم للتحول الدعائي في اعلام المقاومة"؟ يسأل عبيد، ويجيب بأنه "نتيجة مراس ميداني على الارض عمره 25 عاماً، احدث هذا التطور في الأداء اللوجستي والعملاني العسكري، والدعائي والاعلامي، نتيجة متابعة حقيقة ما يحصل على المقلب الآخر، في الضفة الشمالية من فلسطين المحتلة، وداخل دوائر السياسة الحقيقية للكيان الاسرائيلي، في الصحافة الصهيونية. اذاً حصل فهم لـ"ميكانيزم" الدعاية الاسرائيلية والصحف والصحافة الالكترونية ايضا، حيث تمكنت المقاومة من تسخير الآلة الأكثر تطوراً، أي الاعلام الالكتروني من خلال مواقع الكترونية جديدة ومن خلال تجميع اكبر عدد من اصدقاء القضية باستخدام اللغات الاجنبية في هذه المواقع".
كما يلفت عبيد ايضا الى ان "الفهم الحقيقي من قبل المقاومة للعبة الدعائية جعلها متحسبة الى انه كما سيقصف العدو جسر الغبيري لن يرتدع عن قصف "المنار" و"النور" ويهدد القنوات الأخرى، فكانوا متحسبين لذلك، فلم يستطع العدو وقف بث المنار بعد قصفها، وهذا يدخل في التأثير النفسي على العدو ايضاً".
كما ان "العدو حاول ان يعمل على الشرذمة الداخلية، لكن قيادة المقاومة تمكنت من ان تلعب لعبة الوحدة الداخلية من خلال اللقاءات و"الريبورتاجات" التي تُظهر الوقوف الى جانب المقاومة". كما ويشير عبيد الى انه "في الجانب الآخر مارس العدو حربا نفسية شديدة، جعلها ايضا متوازية مع قوته عندما كان يعلن مثلا انه من الساعة الواحدة الى الخامسة لا يمكن المرور على هذه الطرقات ليشل الحركة وليقول للاهالي ان لديه القدرة على الضرب في كل مكان، كما لعب العدو لعبة الضغوط الدبلوماسية وركز على تصريحات الأجانب واستنفر الولايات المتحدة وعموم أوروبا لمصلحته، كما حاول أيضاً ان يبين ان قصف المقاومة طاول بعض العرب في فلسطين ليقول ان المسلمين يضربون المسلمين، كما عمل على قضية تفكيك الحالة الداخلية لكنه لم ينجح بشكل عام، ونجح في بعض الامور".
ويختم عبيد بخلاصة أن العدو"لم تكن قوته الدعائية بمستوى قوته العسكرية، لأنه بالأساس لم يشن حربا فيها اقناع".