ارشيف من :آراء وتحليلات
عمليات الفرار من المعتقلات العراقية... وتساؤلات عن طبيعة التعاطي الأميركي
بغداد ـ عادل الجبوري
في الخامس عشر من شهر تموز/ يوليو الجاري تسلم وزير العدل العراقي دارا نور الدين مسؤولية سجن كروبر المعروف بسجن المطار من الجنرال نيلسون كانون نائب القائد العام لشؤون المعتقلات الاميركية في مراسم تسلم وتسليم رسمية. وأشار الوزير العراقي في كلمة له خلال المراسم الى أنه مع تسليم معتقل "كروبر"، أصبحت جميع المعتقلات تحت سيطرة الحكومة العراقية، وأنه تم تغيير اسمه من كروبر الى سجن "الكرخ" نسبة الى موقعه، مشيراً الى أن تسلم مسؤولية السجون يأتي وفق المادة 22 من الاتفاقية الأمنية المبرمة بين بغداد وواشنطن أواخر عام 2008.
أما الجنرال الاميركي فقال "ان الشراكة والعمل المستمر مع وزارة العدل ودائرة الاصلاح العراقية، مكنا من نقل المعتقلين بشكل آمن، وإن تسليم معتقل "كروبر" هو خطوة ايجابية باتجاه تقليص مسؤولية الأميركيين، والمسؤولون الآن عن المعتقل هم من العراقيين الذين دربوا وفق المعايير الدولية للمعتقلات".
وبعد اسبوع واحد من عملية التسلم والتسليم لمعتقل كروبر، وقعت واحدة من أخطر عمليات الهروب من السجن، فقد نجح أربعة من كبار الكوادر القيادية لتنظيم القاعدة بالفرار بالتواطؤ مع بعض مسؤولي المعتقل وفي مقدمتهم مديره النقيب عمر خميس الدليمي الذي توارى عن الأنظار بعد ساعات عدة من عملية الفرار.
وقال الناطق الرسمي باسم قيادة عمليات بغداد اللواء قاسم عطا الموسوي، "ان اربعة من السجناء هربوا من سجن كروبر، وان جميع التفاصيل موجودة لدى وزارة العدل، كونها الجهة المسؤولة عن ادارة السجون"، كما أشار الى ان "مهمة عمليات بغداد هي حماية السجون والمعتقلات من التهديدات الخارجية، اما التعامل مع السجناء وادارة ملفاتهم فهو من مسؤولية وزارة العدل".والسجناء الفارون، هم اثنان من تنظيم القاعدة كانا يشغلان منصبي وزيري المالية والداخلية في ما يسمى دولة العراق الاسلامية، والآخران من الجماعة السلفية التكفيرية.
واذا كان تسليم سجن "كروبر" الى السلطات العراقية بمثابة اختبار حقيقي لها، يختلف عن اختبار تسليم سجون اخرى في اوقات سابقة، باعتبار ان هذا السجن يضم اخطر السجناء ويوجد في العاصمة بغداد، فإن هروب سجناء خطيرين منه بعد اسبوع واحد فقط من التسليم يعني فشلا حقيقيا للاختبار، ويتحمل الاحتلال الاميركي جزءا من المسؤولية لأنه فرض شخصاً معيناً كمدير للسجن بحجة تمتعه بالكفاءة والخبرة والقدرة الادارية، لكن هذه الشخص كان في عهد النظام السابق احد عناصر ما يسمى بفدائيي صدام، ولديه ملف في هيئة اجتثاث البعث وفي هيئة المساءلة والعدالة.
وكان الجانب العراقي قد ابدى تحفظا واعتراضا على تعيين الدليمي، الا أنه كان هناك اصرار غريب لدى الاميركيين على تعيينه دون سواه، وهو ما يثير جملة تساؤلات حول طبيعة التعاطي الاميركي مع الملف العراقي وخصوصا في شقه الامني.
ويعد سجن كروبر (الكرخ)، واحدا من مجموعة سجون جرى تسليمها الى السلطات العراقية خلال الشهور الماضية، وهو يقع غربي بغداد قرب مطار بغداد الدولي، ويضم نحو 1600 معتقلا، وقد افتتح في نيسان /ابريل 2003 بعد الاطاحة بنظام صدام مباشرة. وقد اودع في هذا المعتقل رئيس النظام السابق صدام حسين، فيما يقبع فيه حاليا كل من طارق عزيز وعبد حمود التكريتي السكرتير الشخصي لصدام ، ووزير الدفاع سلطان هاشم ورئيس اركان الجيش حسين رشيد ووطبان ابراهيم الحسن وشقيقه سبعاوي وقياديين من الجماعات الارهابية التكفيرية، إضافة إلى عدد كبير من المحكوم عليهم بالاعدام.
وقد شهدت بعض السجون في محافظة الموصل ومحافظات اخرى عمليات هروب لأعداد من سجناء تنظيم القاعدة وحزب البعث المنحل بمساعدة مسؤولين إداريين وأمنيين في تلك السجون، أهمها عملية هروب من احد سجون تكريت في الرابع والعشرين من شهر ايلول/سبتمبر الماضي، والتي اعتبرت من اخطر واكبر عمليات الفرار المنظم والمخطط. وجاءت بعدها عملية الفرار من سجن الغزلاني في الموصل في الثاني عشر من شهر نيسان/ ابريل الماضي.
ويعكس تكرار عمليات الفرار من المعتقلات واقع الخلل الكبير في بنية الدولة العراقية وهشاشتها وسهولة اختراقها من قبل الجماعات المعادية، وهو ما يثير القلق لدى الأوساط السياسية والشعبية حول مرحلة ما بعد انسحاب القوات الاميركية من العراق بصورة شبه نهاية في نهاية شهر اب/اغسطس المقبل.
ويشير بعض القادة السياسيين والامنيين إلى أن تردي الاوضاع الأمنية خلال الشهور الستة الماضية وتزامنها مع التأزم والاحتقان السياسي قبل وبعد الانتخابات، أوجد ثغرات امنية وهيأ اجواء ومناخات مناسبة للارهابيين. وقد يكون الاستعراض العسكري الذي أجراه عدد من الفصائل الارهابية المسلحة في منطقة السيافية التابعة لناحية اللطيفية جنوب العاصمة بغداد، بالاسلحة الخفيفة والمتوسطة وبعض الاسلحة الثقيلة، دليلا على غياب سلطة الدولة عن مساحات مهمة، علما ان الطريق الممتد من ناحية اللطيفية كان يطلق عليه خلال عامي 2006 و2007 طريق الموت لكثرة العمليات الارهابية التي كانت تقع فيه وسيطرة الجماعات الارهابية عليه بصورة شبه كاملة.
ومع اقتراب العد التنازلي لاستكمال انسحاب قوات الاحتلال الاميركي من العراق، تبرز مجدداً تحديات امنية كبيرة في ظل جمود وتأزم يكتنف العملية السياسية، ما يشيع جواً تشاؤمياً حيال مآل الامور، خصوصاً إذا ما انتهى الحال الى حكومة ضعيفة غير منسجمة ولا تعكس الواقع السياسي الحقيقي في البلاد، مع ما يعنيه ذلك من فتح للابواب على خيارات مؤلمة عايشها العراقيون خلال الأعوام الماضية.