ارشيف من :آراء وتحليلات
القمة الإفريقية بين مصالح إفريقيا والدفع الأميركي باتجاه تأجيج الصراعات
عقيل الشيخ حسين
اختتمت مساء الثلاثاء الماضي أعمال القمة الإفريقية الخامسة عشرة التي انعقدت، خلال أيام ثلاثة في العاصمة الأوغندية، كمبالا، وناقشت العديد من القضايا ذات الصلة بالتنمية وتسوية النزاعات ومشكلات الحدود بين دول القارة. وتضاربت الآراء والمواقف حول بعض المسائل السياسية الحساسة، ومنها مسألة الوضع في السودان، وخصوصاً لجهة إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق الرئيس السوداني، عمر البشير، بعد اتهامه بارتكاب جرائم حرب
وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.
ففي حين اتفق قادة ثلاثين من الدول الإفريقية على عدم تنفيذ قرار الاعتقال بحق البشير في حال زيارته إحدى هذه الدول، عارضت هذا الاتفاق كل من جنوب إفريقيا وغانا وبوتسوانا. وصدرت عن العديد من الزعماء تصريحات اتهمت المحكمة الجنائية الدولية باستهداف إفريقيا، وشددت على كونها مهووسة بملاحقة الأفارقة بينما تتجاهل مجرمي الحرب في قارات وبلدان أخرى، وبأن قراراتها الخاصة بالسودان تشكل مساً بالسيادة الوطنية.
كما تضمن مشروع البيان الختامي للقمة هجوماً بالاسم على رئيس الادعاء بالمحكمة، لويس مورينو اوكامبو لذا يمكن القول بأن الرئيس السوداني الذي تغيّب عن القمة لأسباب لا علاقة لها بالمحكمة، قد سجل انتصاراً هاماً تمثل بما حصل عليه من دعم إفريقي، إضافة إلى الانتصار الذي سجله قبيل ذلك عندما زار العاصمة التشادية لمدة ثلاثة أيام دون أن يتعرض للاعتقال برغم الإلحاح الأميركي والأوروبي على اعتقاله.
واعتبرت بعض المصادر أن عدم ذهاب البشير إلى العاصمة الأوغندية قد جاء رداً على تغيب الرئيس الأوغندي، يوري موسيفيني، عن المشاركة في حفل تنصيب البشير بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وكذلك على الزيارة التي قام بها موسيفيني إلى جوبا حيث شارك في حفل تنصيب سلفاكير ميارديت رئيساً لجنوب السودان.
ويأتي هذا التطور في ظل تحذيرات سودانية من أن إصرار الجنوبيين على الاستفتاء المزمع إجراؤه في كانون الثاني/ يناير القادم قد يؤدي إلى انفصال الجنوب عن الشمال، وما يشكله ذلك من تهديد باشتعال حرب أهلية جديدة. وفي السياق ذاته، وجه الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان دعوة إلى القمة طالبها بالاعتراف بدولة الجنوب في حال تصويت الجنوبيين لمصلحة الانفصال.
وكما في حالة السودان تضاربت آراء الزعماء الأفارقة بخصوص الوضع في الصومال. وقد تميزت مواقف الرئيس الأوغندي موسيفيني بالتشدد حيث طلب من القمة تعزيز القوات الإفريقية في الصومال ورفع عدد أفرادها إلى عشرين ألفاً للقضاء على من سماهم بالإرهابيين القادمين، على حد قوله، من آسيا والشرق الأوسط. كما طالب موسيفيني برفع صلاحيات القوات الإفريقية من البند السادس إلى البند السابع لتمكينها من التدخل في كل الأراضي الصومالية بدلاً من الاقتصار على حراسة الميناء والمطار والقصر الرئاسي في مقاديشو.
والمعروف أن عدد أفراد القوات الإفريقية في الصومال قد بلغ مؤخراً 6100 جندي، نصفهم من الأوغنديين، وأن القوات الأوغندية تجاوزت صلاحياتها أكثر من مرة، وقصفت الأحياء المدنية في مقاديشو ما تسبب بسقوط مئات الضحايا. والمعروف أيضاً أن عملييتي التفجير اللتين نفذتهما حركة المجاهدين مؤخراً في العاصمة الأوغندية كمبالا وأسفرتا عن سقوط أكثر من سبعين قتيلاً قد جاءتا، وفق تصريحات لبعض قادة الحركة، رداً على قصف الأحياء السكنية في مقاديشو
من قبل القوة الأوغندية والبوروندية.
لكن مطلب موسيفيني برفع عديد القوة الإفريقية إلى عشرين ألفاً لم يحظ بموافقة القمة التي اكتفت بالموافقة على إرسال 2000 جندي، من المتوقع أن ترسلهم كل من غانا وعدد من بلدان منظمة إيغاد. كما لم توافق القمة على توسعة صلاحيات القوة الإفريقية في الصومال.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه المراقبون استحالة فرض الاستقرار في الصومال بالقوة العسكرية بعد أن فشلت في ذلك الحكومات المؤقتة المتتالية والتدخل العسكري الأميركي ثم الإثيوبي، وعلى كون الاستقرار منوطاً بإقامة حكم صومالي منبثق عن الشعب الصومالي، صدرت عن السفير الأميركي في كمبالا تصريحات تهويلية حول سهولة اختراق حدود البلدان الإفريقية من قبل الإرهابيين، وحول إمكانية تعرض العديد من البلدان الإفريقية لهجمات مشابهة لتفجيري كمبالا.
والواضح أن هذه التصريحات هي بمثابة صب للزيت على النار، في وقت تحتقن فيه منطقة القرن الإفريقي والبحيرات بالتوترات، وخصوصاً أنها جاءت موازية لتصريحات أميركية أخرى حول استعداد واشنطن لتقديم المزيد من الدعم لأوغندا. وكذلك في الوقت الذي يدفع فيه الأميركيون باتجاه تدخل إثيوبي جديد في الصومال، برغم الهزيمة المدوية التي أحاقت بالإثيوبيين قبل عامين.