ارشيف من :آراء وتحليلات
لبنان بين تسريع وتيرة الأزمة وتبريدها لتأجيلها أو وضع حد لها
دخل لبنان في مرحلة بالغة الدقة، ولا نغالي اذا قلنا إنه اليوم يقف على مفترق مصيري، وذلك كثمرة مباشرة للعدوان الجديد الذي يحضّر لضرب المقاومة بسلاح الافتراء والغدر وتشويه السمعة المتمثل بالقرار الاتهامي الذي سيصدر عن المحكمة ذات الطابع الدولي والناظرة في جريمة قتل الرئيس رفيق الحريري.
وفي هذا الإطار، تبدو الزيارة المشتركة التي سيقوم بها كل من الرئيس السوري بشار الأسد، والملك السعودي عبد الله، بمثابة محاولة وفرصة لتدارك الأمور قبل فوات الأوان. والمسؤولية السعودية هنا كبيرة لأنها هي المعنية الأولى في توليد المحكمة الدولية، وفي المساهمة بالتالي في ايصال الأمور الى ما وصلت اليه، بوصفها جزءاً عضوياً في التحالف الذي يناصب محور المقاومة والممانعة العداء.وبكلمة مختصرة، وكما يقول المثل العامي: من صعد بالحمار الى المئذنة عليه ان ينزله.
وبالرغم من هذا كله، لا تبدو الأمور سهلة، وذلك لاعتبارات عدة، أبرزها:
أولاً: إن ورقة المحكمة هي ورقة ممسوكة من أطراف متشابكة المصالح دولياً واقليمياً، يأتي في طليعتها الولايات المتحدة وفرنسا والكيان الاسرائيلي والسعودية ومصر، اضافة الى بعض الأطراف المحلية في لبنان.ومن الواضح، أن الدول الأكثر نفوذاً وقوة هي الأكثر تحكماً في تحديد وجهة استخدام ورقة المحكمة وكذلك توقيتها، والظروف الملائمة والمناسبة لها، وهنا، يأتي الدور الاميركي ـ الفرنسي ـ الاسرائيلي تحديداً.
ثانياً: إن ورقة المحكمة أو قل الاتهام، صيغ على النحو الذي من شأنه ان يوازي في تأثيره شن حرب فعلية ضد المقاومة وجمهورها، بل حرباً أشد قسوة وخطورة لأن في الحرب المباشرة التفوق المعنوي للمقاومة محفوظ، بينما يراد من الاتهام ـ الافتراء ان يصوّب على القيمة المعنوية، وعلى الروح المعنوية، والشخصية المعنوية للمقاومة، التي اذا ما أصيبت بأضرار كبيرة ستؤدي الى انتكاسة ليس من السهل ترميمها او معالجة آثارها.من هنا، فإن ورقة الاتهام ورقة ثمينة في يد من يقف وراءها ولا يتصور ان يتخلى عنها بسهولة إلا إذا اقفلت المنافذ التي يمكن ان يتسلل منها ليحدث التأثير المطلوب، والمتمثلة بمجموع الأطراف الداخلية المعنية التي هي اليوم أمام تحد كبير، اما قبول الانخراط في اللعبة الاميركية ـ الاسرائيلية الجهنمية وتشريع أبواب الوطن على العواصف والأرياح، وإما ان تقف موقفاً وطنياً في وجه هذا الافتراء وتعلن رفضها الصريح والقوي له مع الاحتفاظ بمطلب كشف الحقائق الفعلية كطريق فعلي للوصول الى احقاق العدالة.
ثالثاً: ان المواجهة مع خيار المقاومة في لبنان والمنطقة هي مواجهة مفتوحة لإدراك أرباب المشاريع الصهيونية والغربية أنه لا سبيل لاسترجاع التوازن، والإمساك بزمام المبادرة، وإيقاف حالة الانحدار الاستراتيجي الشامل، لهذه المشاريع، إلا من خلال قتل روح المقاومة، وإرادة المقاومة في المنطقة، والتي لا يمكن ان تتحقق إلا من خلال تدمير نقاط ارتكازها الجوهرية والاستراتيجية المتمثلة في مقاومة حزب الله في لبنان، والمقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وكذلك في العراق، وافغانستان، وأينما وجدت مقاومات لهذه المشاريع الغربية، إلا أنه لكون مقاومة حزب الله في لبنان هي الأبرز والأخطر اليوم، فهي الأكثر استهدافاً.
رابعاً: من الواضح، ان المقاومة اتخذت قراراً استراتيجياً بالتصدي للعدوان الاميركي ـ الاسرائيلي الجديد عليها، وهي مصممة على الخروج منتصرة انتصاراً لا لبس فيه ولا غموض، وهي بالتالي لن تقبل بأنصاف حلول لا تكون ممهدة لحل فعلي، حل يؤكد على وضع الأمور في نصاب الحقيقة والعدل الفعليين، وكل ذلك انطلاقاً من اظهار الحرص على ابقاء منافذ الحلول مفتوحة، ولتحميل من يجب ان يتحمل مسؤولية ما يمكن أن تؤول اليه الأمور بالكامل.
خامساً: من الواضح أيضاً، أن الهجوم على المقاومة في لبنان بسلاح القرار الظني هو جزء من الهجوم الذي تقوده الولايات المتحدة على مواقع محور المقاومة والممانعة في المنطقة: إيران بسلاح العقوبات والتهديد بالحرب، غزة بإدامة الحصار، سوريا بسلاح الوعيد والتحذير.. الخ..من هنا، فنحن إزاء هجوم استراتيجي شامل يتخذ أشكالاً متنوعة هدفه النيل من إرادة هذه المواقع ودفعها لتليين مواقفها، وجعلها أكثر قابلية لتقديم التنازلات المطلوبة في سياق لعبة التفاوض المعقدة والمتشابكة والصعبة التي ما زال معمولاً بها حتى الآن.
سادساً: ثمة أمور يعمل على إمرارها، أو يراد إمرارها وسط غبار كثيف، منها ما يتصل بالمؤامرة على القضية الفلسطينية والتي تتخذ أشكالاً متنوعة، إلا أن أبرزها الغطاء الرسمي العربي الذي وفر مؤخراً للسلطة الفلسطينية لإجراء مفاوضات مباشرة مع حكومة نتنياهو، والذي شكل استجابة مذلة للضغوط والاملاءات الاميركية، ولمطلب نتنياهو الأصلي، ومنها ما يتصل بعملية الانسحاب من العراق، ومنها ما يتصل بالواقع المرير الذي يعانيه الاحتلال الاميركي لأفغانستان،كل هذه الاعتبارات تقود الى الاستنتاجات الرئيسية التالية:
أولاً: ان يسارع المسؤولون عن ايصال الأمور الى هذه المرحلة الحرجة الى اتخاذ المواقف التي من شأنها وأد الفتنة في مهدها، مع ما يتطلب ذلك من قول الأمور كما هي، والسعي الجاد لتصويب المسار الحالي لتسييس عمل المحكمة حتى لا تتحول الى قنابل موقوتة غب الطلب في أيدي أرباب المؤامرة الكبار، أي الولايات المتحدة والكيان الاسرائيلي.هذا هو الطريق لإخراج لبنان من براثن الفتنة واقفال أي باب يمكن أن تدخل منه العواصف الهوجاء الى الداخل، وفي هذا الإطار، فإن احتواء الأمور وتسليك عملية التهدئة يصبح ممكناً ومقبولاً، وإلا فلا.
ثانياً: ان يكون الهدف من الحركة السعودية باتجاه لبنان هو احتواء ظواهر الأزمة لا أسبابها في سياق محاولة أخذ الأمور على حين غفلة، وتحويل القرار الظني الى أمر واقع، فهذا ما لا يمكن ان يقبل به أحد. في مطلق الأحوال، ان امكانات ايجاد مخرجٍ ما زالت موجودة، وان كان يصعب التصور ان اميركا والكيان الاسرائيلي سيقبلان بالتنازل بسهولة، او سيتنازلان أصلاً عن ورقة الاتهام التي عملا على طبخها منذ سنتين على الأقل، ولذا، فإن القدر المتيقن اننا مقبلون إما على تسريع في وتيرة ادخال لبنان في الأزمة، وإما على تأخير موعدها الى وقت آخر.