ارشيف من :آراء وتحليلات
التسريبات: أوامر أميركية إلى باكستان بفتح حرب شاملة على نفسها وعلى أفغانستان!
عقيل الشيخ حسين
تظاهرت الإدارة الأميركية بالاستياء بعد قيام الموقع الالكتروني لجماعة ويكيليكس ـ التي تهتم بنشر معلومات عن فساد الحكومات والشركات ـ بتسريب وثائق جمعت من مختلف وحدات الجيش الأميركي في أفغانستان، مفادها أن باكستان تتعاون بشكل نشط مع حركة التمرد الأفغانية.
وعلى الفور، رد البيت الأبيض بتوجيه إدانة قوية لهذه التسريبات معتبراً أنها قد تهدد الأمن القومي الأميركي وتعرض للخطر حياة أميركيين وحلفاء لهم.
مجرد تظاهر من الواضح أنه يخدم تظاهراً آخر هو تظاهر الأميركيين بالحرص على من يسمونه شريكهم الباكستاني في الحرب على الإرهاب. يدعم هذا ما لا يحصى من دعاوى أميركية تتهم باكستان أو جهات معينة في الجيش أو في أجهزة المخابرات الباكستانية بتقديم الدعم لحركة طالبان في أفغانستان.كما تدعمه قرائن عديدة أخرى منها تقديم معونات مالية وعسكرية لباكستان مشروطة بتصدي الحكومة الباكستانية لمن يسمونهم بالمتشددين.وبالإضافة إلى دعم طالبان أفغانستان، تتهم باكستان بالتواطؤ أو بالتقصير في مواجهة المتشددين الباكستانيين الذين يقدمون الدعم لطالبان أفغانستان. وهذه التهمة هي ما يبرر قيام الطائرات الأميركية بدون طيار بتنفيذ عمليات قصف يومية داخل الأراضي الباكستانية، في إطار المحاولات الهادفة لاجتثاث القاعدة وطالبان باكستان، أو على الأقل لوقف ما يقدمونه من دعم لطالبان أفغانستان.
وبالمعنى نفسه، أقام الغرب الدنيا على باكستان ولم يقعدها بعد قيام الحكومة الباكستانية، في أيار/يونيو 2009، بعقد اتفاقات مع طالبان باكستان، كان من شأنها أن توقف الحرب المستعرة في مناطق القبائل المحاذية للحدود مع أفغانستان، وأن تعود بالخير على باكستان المحتاجة، في أزمة حكمها، وعدم استقرارها، والتوتر التاريخي لعلاقاتها مع جارها الهندي، إلى كل شيء باستثناء الحرب الأهلية.
فقد ارتفعت يومها أصوات الغربيين بالحديث عن رضوخ الحكومة الباكستانية للمتشددين الإسلاميين، ووصل الأمر بالرئيس أوباما إلى حد التهديد بالتدخل العسكري المباشر في باكستان إذا لم يتحرك الجيش الباكستاني للعمل من أجل استئصال المتشددين.
أما أكبر الأدلة على كون الإدارة الأميركية غير صادقة في إدانتها لتسريب تلك الوثائق التي يمكن القول بأن أصابع تلك الإدارة غير بعيدة عن تسريبها، هو عودة رئيس الوزراء البريطاني، دايفد كاميرون، إلى اتهام باكستان بتصدير الإرهاب، استناداً إلى التقارير المسربة. إذ لا يعقل أن يقوم رئيس وزراء بريطانيا المعروفة تاريخيا بأنها امتداد للولايات المتحدة على شاطئ القارة الأوروبية، باتخاذ موقف معارض للإدارة الأميركية، لا سيما في مسألة بمستوى حساسية كل ما يتعلق بالحرب الأفغانية.ولو حصل فعلاً وبدرت عن بريطانيا بادرة من هذا النوع، لكان من شأن ذلك أن يشكل انقلاباً خطيراً على السياسة
البريطانية، على الأقل، منذ اندلاع الحرب العالمية الأولى.
إذاً ما فعله دايفد كاميرون لم يكن نابعاً من خياره الحر بقدر ما جاء نتيجة لإيحاء أميركي، أو نتيجة لصحة تشخيصه لحقيقة الموقف الأميركي، والغربي عموماً، مما يعتبرونه تقصيراً من قبل الشريك الباكستاني في الحرب على ما يسمى بالإرهاب. كما لم يكن مجرد تملق للهند أو اعتراف بجميلها لقاء شرائها طائرات من صنع بريطاني بمبلغ مليار دولار ضرورية جداً من أجل تحريك العمالة في السوق البريطانية، في ظل الأزمة المالية التي تعصف ببريطانيا وتجبرها على اعتماد سياسات تقشفية صارمة وبالغة الخطورة.
رسالة جديدة على لسان كاميرون توجهها الإدارة الأميركية إلى الحكومة الباكستانية، هي في الحقيقة بمثابة أمر عسكري بفتح حرب باكستانية شاملة على طالبان أفغانستان، لأن التصدي للتشدد الإسلامي في باكستان، يعني، كما هو الشأن بالنسبة لقوات التحالف الغربي، التعامل مع باكستان وأفغانستان كساحة حرب واحدة قابلة للتمدد على المستوى الإقليمي نحو آسيا الوسطى وكشمير والهند وإيران وصولاً إلى الصين وروسيا.
بكلام آخر، العبقرية العسكرية الأميركية التي لا تتورع عن أن تترك أحلاماً تراودها من نوع تشكيل وتدريب وتسليح جيش أفغاني من 400 الف رجل لاستئصال طالبان أفغانستان، بتكلفة لا تزيد عن تكلفة بناء طائرة مقاتلة واحدة، لا بد وأن تكون أكثر ناجعية بكثير، فيما لو شكل جيش باكستاني من 4 ملايين مقاتل أو أكثر، وإن بكلفة قد تصل إلى كلفة بناء حاملة طائرات عملاقة، للقيام بالمهمة نفسها. وكل هذه العبقريات المتفجرة إنما تتفجر في ظل سلاسل الهزائم التي تمنى بها القوات المتحالفة في أفغانستان، وتدفع باتجاه أحلام وتهويمات من نوع تغيير مسار الحرب الأفغانية من حرب بين قوى التحالف وقوى المقاومة إلى حرب بين باكستان وقوى المقاومة.
لكن هؤلاء الذين سبق لهم واعتبروا أن أفغانستان وباكستان ساحتان لحرب واحدة لا يبدو أنهم يتوفرون على الفطنة اللازمة لوضع احتمال من نوع قيام وضع طالباني في باكستان يضاعف مشكلات أميركا وحلفائها في المنطقة عشرين مرة أو أكثر. فهل باكستان غير أفغانستان تحت مسمى آخر؟