ارشيف من :ترجمات ودراسات

الرسول وعاشوراء تحت مجهر واشنطن! (1)

الرسول وعاشوراء تحت مجهر واشنطن! (1)

إعداد: علي شهاب
تنطلق أسماء لامعة في أوساط أكاديمية وبحثية أميركية من خلفيات عقائدية لدى دراستها تاريخ الإسلام تمهيدا لوضع أسس مواجهته في الزمن الحاضر. هذا ما تشير اليه إصدارات فكرية مختلفة تتقاطع في هدفها من تسليط الضوء على حروب الرسول (ص) أو مراسم عاشوراء أو في متابعتها لـ"علامات ظهور" المهدي، المخلص المنتظر في عقيدة المسلمين.
بداية مع "فصلية التاريخ العسكري" Military History Quarterly " الأميركية، التي تبيع أكثر من 22 الف نسخة وتوزع على كبار الضباط والجنرالات الأميركيين"، حيث نشرت دراسة رئيسية حملت عنوان "محمد: العقلية العسكرية الفذة للمتمرد الأول"، في إشارة إلى الإستراتيجية العسكرية للرسول محمد (ص).
كاتب الدراسة هو المؤرخ العسكري "ريتشارد غابرييل Richard Gabriel " الذي عمل سابقا في جهات حكومية مختلفة في الولايات المتحدة وخدم في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA، وله 41 كتابا، ويقوم الكاتب بتدريس التاريخ والسياسة في الكلية الملكية العسكرية في كندا The Royal Military College of Canada. 

أول جنرال في الإسلام

استنتجت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أنه من غير المفيد الدخول في مواجهة مباشرة مع الشيعة لذلك يجب اتخاذ إجراءات ضدهم خلف الكواليس
تذكر الدراسة في مقدمتها أنه "من دون عبقرية ورؤية الرسول (ص) العسكرية الفذة ما كان ليبقى الإسلام ويصمد وينتشر بعد وفاته، مشيرة إلى أنه "أول جنرال عسكري في الإسلام".
وترى الدراسة أنه لولا نجاح الرسول (ص) كقائد عسكري، ما كان للمسلمين أن يغزوا الإمبراطوريتين، البيزنطية والفارسية، بعد وفاته، بعد أن قام في عقد واحد من الزمن بقيادة 8 معارك عسكرية، وشن 18 غارة، والتخطيط لـ38 عملية عسكرية محدودة.
وتشير الدراسة إلى أن الرسول (ص) أصيب مرتين أثناء مشاركته في المعارك، وتصفه بأنه كان "منظّرا عسكريا" و"مفكرا إستراتيجيا" و"مقاتلا ثوريا"، مضيفة أنه كان أول من أوجد "عمليات التمرد Insurgency Warfare  وحروب العصابات Guerrilla Warfare، وكذلك أول من مارس وطبق هذه الإستراتيجيات".

إستراتيجيات الرسول (ص) العسكرية
طبقا للدراسة، استخدم الرسول (ص) كل ما كان متاحا من وسائل من أجل تحقيق أهدافه السياسية، واستخدم في هذا الإطار وسائل عسكرية وغير عسكرية (مثل بناء تحالفات، والاغتيالات السياسية، والعفو، والإغراء الديني، إضافة إلى ما وصفته بالمجازر butchery)، وضحى الرسول (ص) أحيانا بأهداف قصيرة المدى من أجل تحقيق أهداف طويلة المدى.
وتشيد الدراسة بـ"أجهزة المخابرات" التي أنشأها وأدارها الرسول (ص)، والتي تفوقت على نظيراتها عند الفرس والروم أقوى إمبراطوريتين آنذاك.
وترى الدراسة أن استراتيجيات الرسول (ص) يمكن وصفها بأنها جمع بين نظريات "كارل فون كلاوزفيتش Carl von Clausewitz ونيقولا ميكيافيللي Niccol? Machiavelli "حيث استخدم الرسول (ص) دائما القوة من أجل تحقيق مكاسب سياسية.
وتُرجع الدراسة نجاح الرسول (ص) في إحداث تغيير ثوري في العقيدة العسكرية لما كان معروفا وسائدا في جزيرة العرب، لإيمانه بأنه مرسل من عند الله عز وجل، وتشير إلى أنه وبفضل ذلك "نجح في إيجاد أول جيش نظامي عربي قائم على الإيمان".
وتوضح الدراسة أن الرسول (ص) شكلَّ القوات العربية المسلحة المتحدة التي بدأت غزواتها بعد عامين من وفاته، وكانت تلك القوات العربية المسلحة تجربة جديدة للجزيرة العربية ليس للعرب سابق عهد بها.
وقد قدّم الرسول (ص) مناهج إصلاحية عسكرية كان لها أثر كبير في تغيير نوعي وشكلي في منظومة القوات المسلحة العربية، ما جعل منه "أول ثوري في التاريخ، وقائد عظيم لحروب العصابات، قاد بنجاح أول تمرد عسكري حقيقي. وهي حقيقة حاضرة وبقوة اليوم في فكر الحركات الإسلامية الراديكالية" التي ترى الدراسة أن اقتباساتها من تراث الرسول (ص) هو أحد مصادر قوتها.

يجب تقديم مراسم العزاء بشكل يشعر من خلاله أفراد المجتمع بأن الشيعة هم مجموعة من الأناس الجهلة وعبدة الأوهام ليتحول بذلك مذهب التشيع من مذهب ذي منطق الى مذهب صوفي محض  

وعلى العكس من القادة العسكريين التقليديين، لم يسع الرسول (ص) لهزيمة جيوش أعدائه، بل سعى بنجاح لتشكيل جيش عربي موحد تحت إمرته هو شخصيا من هذه الجيوش جميعها.
وبرغم أنه "بدأ حركة تمرده العسكرية بعدد قليل من المقاتلين يستخدمون أسلوب اضرب واجرِ hit and run “ إلا أن هذه الأعداد القليلة وصلت لما يقرب من 10 آلاف مقاتل بعد عقد من الزمان عندما تم فتح مكة.

تكتيكات القيادة العسكرية للرسول (ص)
يرى المؤرخ ريتشارد غابرييل أن الرسول (ص) كان نموذجا ناجحا لما تقوم عليه إستراتيجيات قادة حركات التمرد في العصر الحديث، مشيرا إلى  ظروف مكّنت من نجاح تلك الاستراتيجيات، أهمها:
• وجود زعيم يراه أتباعه كشخص "مميز" person special  ويستحق أن يستمع إليه، ويُستجاب لطلباته. وفي الإسلام طاعة الرسول (ص) مرادفة لطاعة الله تعالى.
• وجود أيديولوجية متكاملة حلت بدلا مما كان سائدا من نظم اقتصادية وسياسية واجتماعية؛ منظومة إلهية أكثر عدلا.
• مفهوم الأمة، "أمة المؤمنين God’s Community of Believers“ الذي أوجده الرسول (ص) وحل بدلا من الولاءات القبلية والعائلية الصغيرة. 
• وجود "النظام  discipline" بين الأتباع، إذ يتكون أتباع الرسول (ص) من مجموعات صغيرة من المؤمنين، وكان أفراد هذه المجموعات من ذوي المهارات العسكرية الخاصة.
• العقيدة السياسية التي تبناها الرسول (ص) تحت شعار "حرب الشعب. جيش الشعب People’s War, People’s Army " وذلك قبل مئات السنين من الجنرال الفيتنامي "فونجوان جياب" الذي تبنى العقيدة ذاتها خلال حرب فيتنام. وهكذا سخّر المسلمون كل مواردهم من أجل ما يطلبه الرسول (ص) نفسه.
• الحب والشعبية التي تمتع بها الرسول (ص)، حيث "لم يسمح للمقاتلين المسلمين بأخذ ما يحصلون عليه من غنائم، بل تم تجميع هذه الغنائم وتوزيعها على أفراد الأمة، مع مراعاة خاصة لليتامى والأرامل ممن قتل معيلهم في المعارك".
الانتقاد/ العدد1322 ـ 12 كانون الاول/ ديسمبر 2008

2008-12-12