ارشيف من :آراء وتحليلات

لبنان ما بعد القمة الثلاثية: فرصة غير مفتوحة.. وحزب الله يطرح للطرف الآخر خشبة الخلاص

لبنان ما بعد القمة الثلاثية: فرصة غير مفتوحة.. وحزب الله يطرح للطرف الآخر خشبة الخلاص
مصطفى الحاج علي

استقطب الوضع الداخلي اهتماماً عربياً ملحوظاً في سياق انكشاف هشاشة ودقة المعادلة التي تحكم أسس التهدئة التي ظللته منذ اتفاق الدوحة حتى الآن، الهشاشة عينها كانت واضحة في الجنوب أيضاً في ظل المواجهات اللافتة والأولى من نوعها منذ ما يقرب من الثلاثين عاماً بين الجيش اللبناني والعدو الاسرائيلي.

هذه الهشاشة لا يمكن تفسيرها بالأسباب الداخلية فحسب، بل هي كاشفة عن خضوع لبنان لضغوط شديدة في سياق التجاذب الكبير الذي يحكم علاقة الأطراف الاقليمية والدولية المتصارعة في المنطقة.

ونحن نشهد منذ مدة ما يشبه الهجوم المعاكس الاميركي على أكثر من محور بهدف استعادة التوازن العام، واحتواء الخسائر، وترتيب المعادلات الضرورية، وإرساء واقع جديد للمراحل اللاحقة.

هذا الهجوم المعاكس اتخذ أشكالاً مختلفة أبرزها:

أولاً: رفع درجة الضغوط على ايران من خلال زيادة رزمة العقوبات، والتلويح بالحرب باللسان الاميركي المباشر هذه المرة، بعدما كان يتولى هذه المهمة الكيان الصهيوني.

ثانياً: استخدام ورقة القرار الاتهامي الذي يفترض أن يصدر عن مدعي عام المحكمة الدولية الناظرة في عملية اغتيال الرئيس الحريري كسيف مصلت على رقبة حزب الله ومن خلاله على رقبة سوريا وايران، وذلك في سياق خطة لتكتيف الحزب، أو في سياق استراتيجية مندرجة لتوجيه ضربة أساسية ونوعية له تخلط الأوراق لبنانياً واقليمياً.

ثالثاً: العمل على تحريك مسارات التسوية فلسطينياً وباتجاه لبنان وسوريا في عملية إلهاء واضحة، ولايجاد الذرائع المناسبة لتكتل الدعم العربي في وجه ايران وحركات المقاومة في المنطقة.

كل هذا يتم في الوقت الذي يتهيأ جيش الاحتلال الاميركي للانسحاب من العراق على أن يترك خمسين ألفاً بصفة مستشارين موزعين على قواعد ثابتة. مسألة الانسحاب ليست قراراً سهلاً، لأنها تقتضي مسبقاً ترتيب المعادلة السياسية والتوازنات التي يجب أن تحكم السلطة الحاكمة في العراق في مرحلة ما بعد الانسحاب، ما يجعل المشهد الاميركي مفتوحاً على تجاذبات اقليمية ودولية قوية أيضاً.

الأمر عينه ينطبق على واقع الاحتلال في افغانستان حيث يعاني الاميركي من أزمة كبيرة مفتوحة على مزيد من الغرق في الوحل الأفغاني.
كل ذلك يتم وسط حسابات تغطية اميركية وأوروبية تؤكد ضرورة ضمان الامساك بهذه المادة واستمرار تدفقها خشية تعرض الاقتصاد العالمي لأزمة كبيرة، وانهيارات غير مسبوقة.

في هذا السياق، فإن المنطقة معرضة لتطورات بالغة الدقة، ولتجاذبات صعبة، مع ما يقتضيه ذلك، من ممارسة ضغوط متبادلة، واذا كانت لعبة المفاوضات تقتضي في مرحلة أولى ضبط الضغط تحت سقف الحرب، فإن الفشل في التوصل الى النتائج المطلوبة قد يدفع بالأمور الى أحد احتمالين: إما تسويات مؤقتة لا تحل الصراعات، وإنما تضبطها وتديرها على قاعدة تفاهمات ضمنية أو معلنة، وإما الذهاب الى لعبة القوة الصلبة من خلال استخدام القوة العسكرية.
يشكل كل ما تقدم، الإطار التفسيري العام لما يجري في لبنان، وإذا كان الافتراء على حزب الله هو المدخل لهز الاستقرار في لبنان، فإن حسابات الحقل لم توافق كما يبدو حسابات البيدر، لإدراك المعنيين ان الخسارة قد تكون أشمل وأكثر مما هو متوقع، ما دفع الى تدخل سعودي سريع ومن أعلى المستويات لإعادة التوازن الى المفتاح الاقليمي الذي يخضع له التوازن الداخلي، ومن ثم إعادة انتاج التهدئة، وتزخيم العمل باتفاق الدوحة الذي بات مكملاً ضرورياً لاتفاق الطائف، بل أحد تفسيراته الأساسية، التدخل السعودي الذي يمكن عدة انجازا محسوبا لحزب الله ولمصلحة الاستقرار في لبنان، والفضل في ذلك يعود الى الادارة الحكيمة والصادقة والموضوعية لقيادة الحزب لملف من أدق وأخطر الملفات، والتدخل السعودي كاشف من جهة أخرى عن جملة أمور، أبرزها:

ـ أن للرياض مصالح كبيرة في لبنان لا يمكنها التضحية بها بسهولة، فلبنان هو البلد الوحيد تقريباً الذي للرياض نفوذ مباشر فيه.

ـ يبدو أن الرياض لا ترى على الأقل في المدى المنظور أن الظروف أصبحت ناضجة للعب ورقة القرار الاتهامي في وجه حزب الله، لأن لعب هذه الورقة يتطلب توفير كل المستلزمات الأخرى لمواجهة تداعياتها الداخلية والخارجية، وهذا ما لا يبدو متوافراً حتى الآن.

واذا كانت القمة الثلاثية قد أفضت الى تسوية مؤقتة قوامها: تمديد العمل بالتهدئة والمعادلة السياسية الحالية في مقابل تعهد الملك العبد الله بالسعي لمعالجة مصدر التهديد للاستقرار اللبناني المتمثل بالقرار الاتهامي، ومن ضمن فرصة زمنية غير مفتوحة، الا ان حسابات الأطراف الدولية والاقليمية وبعض من في الداخل، تشكل مصدر خوف من أن لا تؤدي هذه المساعي الى النتائج المرجوة، هذه الحسابات يمكن صياغتها وفق التالي:

أولاً: ان الثمن الذي يضعه أطراف المؤامرة الاميريكيون والاسرائيليون لورقة الاتهام كبيرة، وهي لا تقف عند حدود دفع حزب الله الى تسليم سلاحه، بل تتجاوزها الى أثمان اقليمية سيطلب من سوريا وايران دفعها في مرحلة من المراحل. ولذا، ليس من المتوقع ان يتنازل هؤلاء عن هذه الورقة بسهولة، إلا اذا شعروا ان كلفتها ستكون أكبر بكثير، وأنهم لن يصلوا الى مبتغاهم من خلال اللعب بها.

ثانياً: بناءً على ما تقدم، فإن الرياض ليست هي اللاعب الوحيد، وانما هي واحد منهم، وربما اللاعب الأضعف بينهم.

ثالثاً: ثمة خشية فعلية لدى تيار المستقبل وحلفائه من أن يؤدي اسقاط القرار الاتهامي الى اسقاط المحكمة نفسها التي تشكل نقطة ارتكاز عملهما، ورافعة دورهما، بل وأساس وجودهما السياسي والمعنوي.

ولذا، يبدو هؤلاء أمام خيارات صعبة، فهم إما أن يدفعوا باتجاه صدور القرار الفتنة بكل ما سوف يستدعيه من تداعيات، وإما ان يعملوا على تجاوزه بكل ما يحمل ذلك من تداعيات أيضاً.

وهؤلاء لا يريدون ان يلتفتوا الى وجود حل وسط فعلي، لا بمعنى التسوية، بل حل للمشكلة التي وضعوا أنفسهم فيها مذ قرروا الانخراط في لعبة التزوير والتلفيق والافتراء، وان يضعوا أنفسهم في خدمة مؤامرة دولية لا يستفيد منها الا الاميركيون والاسرائيليون، هذا الحل قوامه التمسك بعمل المحكمة لكن بعد تصويب عملها، وهذا ما يقوم به حزب الله في الحقيقة، حين يعرض ما توصل اليه مؤخراً من معطيات وأدلة، توجه الاتهام الى المتهم الحقيقي، وبعد ذلك، فإن الكرة في ملعب هؤلاء، فإما ان ينقذوا أنفسهم وينقذوا معهم الوطن، وإما أن يصروا على غيهم، وعندها لن ينتظرهم إلا الندم، لكن بعد فوات الأوان.
2010-08-06