ارشيف من :ترجمات ودراسات

"اسرائيل" مجتمع ينتحر

"اسرائيل" مجتمع ينتحر
أسعد العزوني (*)
هل تسير اسرائيل الى حتفها وتسرع خطواتها نحو الموت ؟ هل ستصدق النبوءات وآخرها تقرير وكالة المخابرات الأمريكية " السي أى ايه " الذي صدر مؤخرا ومفاده أن اسرائيل في طريقها الى الزوال خلال العشرين عاما المقبلة .
الجواب بعد تمحيص الخارطة البشرية والعسكرية الاسرائيلية يفيد بنعم ، لأن المهاجرين اليهود اكتشفوا الحقيقة ولو بعد فوات الأوان .
آخر الاشارات الصادرة من اسرائيل حول هذا الموضوع هو تقرير أصدرته قيادة الجيش الاسرائيلي قبل أيام وفيه أن أوساط قيادة هذا الجيش الذي ( كان ) لا يقهر قلقة من تزايد حالات انتحار الجنود خلال أداء الخدمة وأن كافة برامج التوعية والتأهيل النفسي التى تعدها الجهات المعنية فشلت في وضع حد لهذه الظاهرة الآخذة في الازدياد .
وبحسب التقرير اياه فقد وصل عدد الجنود المنتحرين منذ مطلع العام الحالي وحتى اليوم الى 19 جنديا ، فيما بلغ عدد المنتحرين 21 جنديا في العام 2009 .
ما يقلق قادة الجيش الاسرائيلي هو ان قسم الصحة النفسية في الجيش يعد الكثير من البرامج الارشادية للقادة من أجل الوقوف على أسباب هذه الظاهرة ووضع الحلول المناسبة لها ومكافحتها ومنها عدم اصطحاب السلاح الى البيت ونصح القادة بالتقرب من جنودهم ومراقبتهم لمعرفة الحالات التى تعاني من الاضطراب النفسي الذي يقود الى الانتحار وبالتالي مساعدة المضطربين في التغلب على مشاكلهم قدر الامكان .
الحالة هنا ليست محصورة بمكان أو زمان محددين بمعنى أنها لا تقتصر على وحدة بعينها بل تعم أوساط الجيش كله وتتفشى في كل الوحدات ، كما أنها لا تتعلق بالجنود ، بل هناك رتبة عليا وفي الاستخبارات العسكرية أقدمت على الانتحار.
هذه الحالة تعمقت في أوساط الجيش الاسرائيلي بعد اندلاع الانتفاضة الأولى أواخر كانون أول 1987 عندما طالت المواجهة مع الفلسطينيين واتسمت باللحظية عكس المواجهات العسكرية التى كانت تحدث في مكان ما ومع مجموعة ما ولوقت محدد وتنتهي بالقضاء على المجموعة الفدائية الفلسطينية .
عند التقليب في ملفات الجيش الاسرائيلي بعد الانتفاضة الأولى نجد أن مساحة الاضطراب النفسي أخذ ت بالاتساع يوما بعد يوم لأن هؤلاء الجنود المدججين بالسلاح اكتشفوا أن حسم المعارك لن يكون بالسلاح وحده ، ولكن الارادة هي الأقوى وهذا ما يفتقدونه والا لتم القضاء على الانتفاضة في غضون أسبوع .
لم يقتصر الأمر فقط على الأضطراب النفسي ، بل صاحبه عنف وحالات تحرش واغتصاب ، ولم تعد هيبة القادة كما كانت في السابق لأن الحجر الفلسطيني كشف الطابق والطفل الفلسطيني حشر الجميع جنودا وضباطا في الزاوية .
ما رشح من تقارير عن تلك الفترة ينبىء بما هو أسوأ بالنسبة لاسرائيل التى تبين أن " السوس " ينخرها جيشا ومدنيين وأن الانتحار أصبح ديدن الجميع شبابا ورجالا ونساء لا فرق ما دامت المعاناة واحدة .
أصدرت دائرة القوى البشرية في الجيش الاسرائيلي عام 1992 تقريرا قالت فيه أنها سجلت في ذلك العام 469 حالة انتحار منهم 94% من المجندين الذكور و6% من المجندات النساء وأن الأسباب وراء ذلك كانت ضائقة مالية واجتماعية وضغوطا أسرية ومخدرات وشذوذا جنسيا .
البروفيسور الاسرائيلي ايلان أفتير قال في دراسة أعدتها جامعة بار ايلان بتل أبيب عام 1995 أنه تبين أن هناك 5 حالات انتحار لكل 100 ألف مراهق وانها في ذلك العام تضاعفت الى 14 حالة لكل 100 ألف مراهق ، فيما فشل ما بين 40-200 في تنفيذ الانتحار ن كما بينت الدراسة أن 13% من الشباب يفكرون بالانتحار وأن 5% منهم حاولوا الانتحار بالفعل .
صحيفة يديعوت أحرونوت قالت في تقرير لها يوم الثاني من أيار 2002 أن الشباب الاسرائيلي فوضى وموسيقى صاخبة وكحولا وسكينا في الجيب ... هذا هو المزعج القاتل الذي يفتك بالشباب نهاية الأسبوع اضافة الى عصابات الاجرام والمافيا والاغتصاب .
لم يبتعد الخبير القضائي الاسرائيلي موشيه نجبي كثيرا عن هذا التوصيف !! اذ قال بعنوان : أصبحنا مثل سدوم في المنزلق من دولة قانون الى جمهورية موز !!
وتمحور كلامه أن العنف أصبح يشغل بال الدولة ويؤدي الى الانتحار وأن الصحف غادرت رسالتها النقدية وانكشفت وأصبحت مهادنة .
أما عوزي بنزيمان فنشر مقالا في صحيفة هآرتس في 12 حزيران 2005 يفسر الظاهرتين بقوله أن مكمن المشكلة يتجسد بالأزمة الاجتماعية النفسية للمهاجرين الجدد وفشل المؤسسات في معالجة المشاكل التربوية وكذلك شيوع اليأس لدى الشباب وانعدام الأمل بالمستقبل .
هيئة أركان العامة في الجيش الاسرائيلي حاولت حل المشكلة بالسماح للجنود بتناول جرعات محددة من الحشيش ( الماريجوانا ) أثناء العمليات الحربية لمساعدتهم على تجاوز الأزمات النفسية الناجمة عن حالات الهلع والفزع التى يتعرضون لها وخاصة بعد اندلاع الانتفاضة الأولى وصمود مخيم جنين عام 2002 وفشل العدوان على لبنان صيف 2006 ، وليسهل عليهم قتل الفلسطينيين علما ان الماريجوانا تؤدي الى الانتحار في نهاية المطاف .
وحسب دراسة أفتير فان العام 2003 شهد 216 حالة انتحار فيما بلغت المحاولات 3487 محاولة وشهد العام 2004 ما مجموعه 231 حالة انتحار و3654 محاولة ، في حين بلغت حالات الانتحار عام 2005 ما مجموعه 34 حالة وبلغت 30 حالة عام 2000 ، ما دعا رئيس هيئة الأركان السابق دان حالوتس الى عقد اجتماعات مع كبار الضباط لبحث الظاهرة ورغم كل البرامج والحلول الا أن رصاصة الانتحار لم تتوقف اذ وصل عدد المنتحرين في الجيش الاسرائيلي الى خمس حالات في نيسان الماضي .
ما يجري في اسرائيل بشكل عام ليس من فراغ بل هو تراكمات تزداد عاما بعد عام ويزيدها المهاجرون الجدد الذين قدموا من دول الاتحاد السوفييتي السباق وفي ظل التوتر الأمني المتواصل منذ اندلاع الانتفاضة الأولى ، اذ أن هؤلاء المهاجرين الذين جاؤوا ليس حبا في هيرتزل ولا تنفيذا لما ورد في التلمود ، بل رغبة في الاستثمار بحياة أفضل اكتشفوا أن للعروس زوجا كما كتب أحد مبعوثي هيرتزل الى فلسطين ، وأن فلسطين ليست أرض العسل واللبن ، بل هي أرض الموت والدماء .
وهناك التمييز الطبقي الظاهر للعيان في اسرائيل بين اليهود الغربيين ( الاشكينازيم ) وبيدهم ولهم كل شىء ، واليهود الشرقيين ( السفارديم ) المحرومين من كل شىء سوى الموت .
صحيفة معاريف الاسرائيلية كتبت تقريرا عن الانتحار في اسرائيل في نيسان 2009 قالت فيه ان الظاهرة تعني انهيار الجيش الاسرائيلي فالجنود قتلى والشعب في المخابىء وأولميرت في مهب الريح !!
لماذا وصل الجيش الاسرائيلي الى هذه الحالة ؟؟ الجواب بسيط وهو ان الجنود الذين قيل لهم أن جيشهم لن يقهر اكتشفوا أن المخزون النووي الذي انتجه مفاعل ديمونا وما يمتلكه الجيش من أسلحة لم يتمكن من وضع حد للانتفاضة الفلسطينية ولم يهزم حزب الله في لبنان عام 2006 ولم يتمكن من اعادة احتلال غزة أواخر عام 2008 وأوائل العام 2009.
كافة الجهات الاسرائيلية من مدنية وعسكرية منشغلة بموضوع ازدياد حالات الانتحار في اسرائيل ، وتقول وزارة الصحة في احدث تقرير لها في حزيران الماضي عن حالات الانتحار في اسرائيل بشكل عام ان الشباب هم الأعلى من حيث الاقدام على الانتحار فيما تشكل نسبة المنتحرين في المستعمرات أقل من ذلك .
وبلغ المعدل السنوي للسنوات الأربع 2994 - 2008 ما مجموعه 4300 محاولة انتحار بارتفاع نسبة 19% مقارنة مع السنوات 1999 - 2002 والمعطيات تشير الى ان 3% من محاولات الانتحار نفذها شبان حتى 24 عاما فيما تصل النسبة عند الشابات الى 50% وان النسبة العلى عند الشباب حتى 19 عاما ولدى الجنسين وقد انتحر عام 2007 من الرجال 250 رجلا مقابل 56 امرأة.
العقد الأخير شهد ما نسبته 33% من حالات الانتحار في أوساط المهاجرين الجدد وخاصة الذين قدموا من دول الاتحاد السوفييتي السابق وأثيوبيا ، وأعتقد أن قصة الفلاشا معروفة فهم مرفوضون من قبل الحاخامات وجرى تعقيمهم بمطهر ال د.د.ت في مطار بن غوريون ، ويعانون كثيرا بحيث أن حصة الأسد من الانتحار من نصيبهم .
وبحسب التقارير أيضا فان العام 2006 شهد ارتفاعا بنسبة 44% وسط العازبين ما بين 54-64 عاما بالمقارنة مع العام 2005 ، وأن الفترة ما بين 2005- 2007 شهدت 45% من حالات الانتحار وسط الذكور و34% في وسط الاناث .
تعددت حالات الانتحار والموت واحد ، اذ راوحت عمليات الانتحار مابين التعليق ( الشنق ) أو الخنق بحيث كانت النسبة بهذه الطريقة 24 % من الشباب الذكور مقابل 8% من الاناث في حين شكل الانتحار بالرصاص بين الشباب الذكور 11% مقابل 21% من الاناث ، كما أقدم البعض على الانتحار قفزا من مكان مرتفع أو عن طريق تناول السم .وشهد العام 2008 اقدام 638 شابا على الانتحار و1143 شابة .
والسؤال هنا: "أليست النبوءات التى تتحدث عن زوال اسرائيل صادقة ؟ الجواب نعم ولكن انهيارها سيكون من الداخل عن طريق الانتحار والهجرة" .
(*) صحيفة دنيا الوطن الفلسطينية
2010-08-07