ارشيف من :آراء وتحليلات

الجمود السياسي في العراق ومأزق واشنطن الكبير

الجمود السياسي في العراق ومأزق واشنطن الكبير
بغداد ـ عادل الجبوري


تداولت بعض الاوساط السياسية في العراق ووسائل الاعلام المحلية والخارجية خبرا عن رسالة بعث بها الرئيس الأميركي باراك أوباما الى المرجع الديني آية الله السيد علي السيستاني يطالبه فيها بالتدخل المباشر لحل الأزمة السياسية في العراق والمتعلقة باختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة.

الناطق باسم مكتب المرجع السيستاني الدكتور حامد الخفاف رد على الأسئلة التي وجهت اليه بشأن الرسالة قائلا "لا تعليق لنا حول هذا الموضوع"، اما المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الاميركي في البيت الابيض مايك هامر فقال "اننا لا نعلق على المراسلات الرئاسية".

ومصدر الخبر كان مجلة "فورين بوليسي" الاميركية الواسعة الانتشار والقريبة من بعض مراكز القرار في واشنطن، ويبدو أن جهات رسمية أرادت تسريب خبر الرسالة في توقيت معين لأهداف ودوافع سياسية. وسواء صحت قضية الرسالة أو لا، فإن الاعلان عنها وتسريبها عبر وسائل الإعلام يعكس في جانب منه عجز الإدارة الاميركية عن فرض خياراتها على الاطراف السياسية وعدم قدرتها على بلورة صيغة مقبولة لتشكيل الحكومة وتجاوز عقدة رئيس الوزراء.

فموضوع الرسالة أثير بعد زيارة وفد من مجلس الأمن القومي الأميركي الى بغداد حاملا حزمة مقترحات وتصورات للقوى السياسية العراقية، تمحورت بالدرجة الأساس حول تشكيل تحالف يضم بالدرجة الأساس "القائمة العراقية" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق اياد علاوي، والتي حصلت على 91 مقعداً في البرلمان، وائتلاف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي الذي حصل على 89 مقعدا في البرلمان، والعمل على استيعاب احد المكونين الرئيسيين للائتلاف "الوطني العراقي"، وهو المجلس الأعلى الإسلامي العراقي بزعامة السيد عمار الحكيم، واستبعاد المكون الرئيسي الثاني، وهو التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر، والتفاهم مع التحالف الكردستاني لكسب دعمه وتأييده للتحالف المفترض.

والفكرة الرئيسية في هذا التحالف تتمثل بتأليف أغلبية برلمانية تمهد الطريق لتشكيل الحكومة، وتكليف المالكي بهذه المهمة، مع اعطاء دور محوري فيها لقائمة علاوي، وإرضاء الأكراد وتفكيك "التحالف الوطني" والحؤول دون تشكل كتلة برلمانية ذات هوية شيعية.

ولكن يبدو ان مهمة الوفد الأميركي لم تأت بالنتائج المرجوة بعد ان اصطدمت بعقبات كبيرة، من بينها رفض " القائمة العراقية" تجديد ترشيح المالكي لولاية ثانية، وتأكيدها على حقها الدستوري بتشكيل الحكومة، وتحفظ الاكراد ـ ان لم يكن رفضهم ـ لترشيح المالكي، ورفض المجلس الأعلى استبعاد التيار الصدري. وقد نقلت مصادر مطلعة ان السيد عمار الحكيم ابلغ الوفد الاميركي ان الصيغة الاميركية المقترحة خاطئة، وفي حال تم فرضها بأي شكل من الأشكال فإنها ستؤدي الى نتائج سلبية، وسيترتب عليها تداعيات خطيرة جداً، وفي الوقت نفسه اكد الحكيم للوفد الاميركي بأن المجلس الأعلى ضد اي خطوة من شأنها استبعاد التيار الصدري أو اي مكون أساسي آخر من المشاركة في العملية السياسية وتشكيل الحكومة.

ومعلوم ان هذا الوفد لم يكن الأول، فقبل أكثر من شهرين جاء جوزيف بايدن نائب الرئيس الاميركي، وبعده بعدة اسابيع جاء جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الاميركية، واعقبه بايدن بزيارة أخرى كان فيها فيلتمان مرافقا له، فضلا عن الاتصالات المستمرة بين كبار مسؤولي البيت الابيض والزعماء العراقيين.
ويبدو واضحا ان الجهود الأميركية لم تفض الى نتيجة لأنها تراهن على عملية تفكيك وتشظية الوضع السياسي العراقي عبر التحرك باتجاهين، الاول جمع الاضداد على أرضية هشة وقلقة، والثاني خلق هوة بين الحلفاء لارغامهم على الجري وراء واشنطن ووراء من تريد أن يكون زمام الأمر بيده.

والمفارقة ان مساعي واشنطن لفرض المالكي جاءت في وقت بدأت حظوظه تلاشى الى حد كبير في الاحتفاظ برئاسة الحكومة المقبلة في ظل موجة الرفض الواسعة له من مختلف القوى السياسية، بل حتى من قبل مكونات وشخصيات داخل ائتلاف "دولة القانون" الذي امتدت اليه أجواء الرفض لتخلق بلبلة وتململا عبر عنه بعض اعضاء "القائمة" في تصريحات اعلامية، واكثر من ذلك فإن المالكي نفسه اعترف بصعوبة المأزق الذي بات يواجهه في حوارين أجرتهما معه كل من قناة العراقية الفضائية المملوكة للدولة، ووكالة رويترز للانباء، إذ أقر أنه كشخص وككتلة جزء من المشكلة السياسية الراهنة في العراق.

ولا تقتصر عقدة تشكيل الحكومة على تفاوت واختلاف الرؤى بين المكونات السياسية العراقية، بل إن هذا الاختلاف يمتد الى الساحة الاقليمية، وكذلك الساحة الدولية في نطاق اضيق، فبينما تؤيد طهران وتدعم تولي المالكي رئاسة الحكومة العراقية المقبلة، رغم بمعارضة حلفائها في المجلس الأعلى والتيار الصدري، تعارض الرياض جملة وتفصيلا بقاء المالكي في منصبه، وبحسب مصادر مطلعة، فإن الرياض أوصلت رسالة الى واشنطن وبغداد مفادها ان بقاء المالكي يعني بقاء القطيعة بين الرياض وبغداد، وينبغي على العراقيين الا يفكروا بإعادة فتح السفارة السعودية لديهم وأن لا يفكروا بأي تطبيع، والتوجه السوري والاردني قد لا يختلف كثيرا عن التوجه السعودي.

وهذا بالطبع يُعقد مساعي واشنطن، التي أخذ عامل الوقت يضغط عليها، ولا سيما أنها تحاول ان تفكك عقد تشكيل الحكومة العراقية قبل حلول موعد سحب الجزء الأكبر من قواتها من العراق في نهاية آب/اغسطس الجاري، والذي من شأنه ان يفتح الباب واسعا لخيارات قد لا تروق صناع القرار السياسي في واشنطن، ولأنهم لا يرغبون بالوصول الى تلك النقطة، لذلك راحوا يطرقون أبواب المرجعية الدينية في النجف الأشرف، أو يفكرون جديا بطرقها، وخصوصا أنهم يدركون تماما ان مفتاح الحل الحقيقي اذا وصلت الأمور الى طريق مسدود هو بيد المرجعية.

ومن المؤكد أن حلول مرجعية النجف لن تكون كما تطمح واشنطن، وفي الوقت ذاته يمكن ان تحد من التأثير والحضور الاميركي في توجيه الامور ورسم وتحديد المسارات في المرحلة المقبلة اقل بكثير مما كان عليه في المراحل السابقة، فضلا عن ذلك، فإن خيارات واشنطن الأولى والثانية، وحتى الثالثة، ربما لن تجد لها الأرضية المناسبة والطريق السالكة لتكون جزءا من الواقع القائم.


2010-08-10