ارشيف من :آراء وتحليلات
في مواجهة إسرائيل..نظرة واقعية لإمكانيات الجيش اللبناني
لؤي توفيق حسن (*)
"إن اليد التي ستمتد بعد الآن إلى الجيش سنقطعها".
كلمات ما أن قالها السيد حسن نصر الله حتى جاء الرد من أصحاب النوايا السيئة: "ولماذا لا يتم تسليح الجيش حتى يكون في غنى عن هذه الحماية؟!
الجواب: لا شيء يمنع من حيث المبدأ، وللتذكير فإن نشوء المقاومة استمد اسبابه من أن الجيش اللبناني لم يكن قادراً على مواجهة العدو الصهيوني فضلاً عن أن عقيدته القتالية – إن صح التعبير – كانت تستبعد هذا الأمر.
لم يكن للبنان استراتيجية دفاعية في يوم من الأيام سوى بالاعتماد على غطاء غربي وبالتحديد أمريكي. وفي ظلال هذا التصور صعدت الفلسفة القائلة بأن "قوة لبنان في ضعفه".
بعد اتفاق الطائف طرأ تغير نوعي على العقيدة القتالية للجيش. وباتت "إسرائيل" هي العدو. ولكن هذه العقيدة بقيت عزلاء من القوة لولا ما قدمته سوريا مجاناً مما تيسر لها من دبابات ومدفعية. أما الباقي فقد تم شراؤها من مستودعات الجيش الأمريكي وهي كناية عن أسلحة منسقة مجمعة في ألمانيا. أو بالأحرى (خردة) تمت صيانتها وإعادة تأهيلها. وقد سمحت أمريكا بذلك لا كرماً ولا حرصاً وإنما لأن شحن هذه المعدات المنسقة إلى أراضيها مسألة مكلفة؛ وهذه واقعة يعرفها القاصي والداني.
منذ ذلك الوقت لم يفكر أحد بتسليح الجيش اللبناني، الفرنسيون كانوا قد أعطوا (الغازيل) – هليكوبتر – ولكن من غير قاذفات صواريخ!. وأخيراً قدم الأمريكيون سيارات الهامر للجيش!. وبالرغم من تواضع هذا فإن سيناتور أميركي استكثرها وهدد بوقف الدعم عن الجيش اللبناني. ذاك بعد اشتباكه مع الاسرائيليين في "العديسة".
بالأرقام
لكي يستطيع لبنان أن يمتلك مجرد الإمكانية لمواجهة واسعة مع الجيش الإسرائيلي ويصمد في وجهه يلزمه بحسب أوثق الخبرات العسكرية عديداً لا يقل عن 175 ألف جندي. مزودين بعتاد متطور لا تقل تكاليفه عن 15 مليار دولار . من أبرزها منظومة دفاع جوي من صواريخ أرض – جو متطورة. ومنظومة صواريخ مضاده للمدرعات وغير ذلك الكثير. وعند هذا الحد فقط يستطيع الجيش أن يخوض مواجهة دفاعية الطابع. ولكن ليس لمدة طويلة؛ متذكرين هنا بأن الجيش الإسرائيلي هو الأقوى- في مقياس (الجيوش) – على مستوى منطقة الشرق الأوسط. ويحظى بتبني خاص من الولايات المتحدة.
حيال ما سبق فإن التعويل على منظومة الجيش في المسألة الدفاعية هي فرضية نظرية غير قابلة للتطبيق لسببين جوهريين:
أولاً: إن المعارك الحديثة على مستوى الجيوش التقليدية باتت مكلفة للغاية بالنظر لما يتم فيها من تدمير للمعدات وبكميات كبيرة. نأخذ مثالاً على ذلك من آخر هذا النوع من الحروب؛ وهي حرب تشرين/أكتوبر 1973 حيث تكبدت الجيوش المتحاربة: السورية، المصرية من جهة، والإسرائيلية من جهة أخرى حوالي 4000 دبابة وناقلة جند، وحوالي 450 طائرة مختلفة، وألف مدفع . وكل ذلك في أقل من ثلاثة أسابيع.
ثانياً: ربطاً بما سبق فإن الدفة التي تتحكم بمصير المواجهة . هو ليس المال وحسب. وإنما الأهم منه وجود الحليف الاستراتيجي المعنى بتقديم الدعم وتعويض الخسائر. كون ذلك يرتبط بحساباته الاستراتيجية.
فمثلاًُ شهدت حرب 1973 أكبر جسرين جويين عرفهما العالم بعد الحرب العالمية الثانية. جسر أمريكي لـ"اسرائيل". وآخر "سوفيتي" لسوريا ومصر.
أما لاسرائيل فلأنها حليف أمريكا الإستراتيجي وحجر الزاوية في سياستها الشرق الأوسطية . وأما للعرب فلأن السوفيت كانوا مهتمين إلى أقصى الحدود في عرقلة التمدد الأمريكي في المنطقة أو تطويقه بالأحرى.
التكامل
بالنظر إلى ما سبق فإن لبنان لا يملك من حيث المبدأ إمكانيات مادية تؤهله لبناء جيش متطور. كما وأن المناخ الدولي لم يفرز حتى الآن (قطباً) ثانياً ولا ثالثاً معنى بمواجهة الولايات المتحدة في المنطقة. لننظر كمثال ما كان بشأن صفقة صواريخ أرض- جو الروسية إلى إيران من طراز (SS300). حيث (لحست!) روسيا توقيعها متنكرةً لاتفاقياتها وكل هذا في ظلال سياسة روسية ملتسبة ليس فيها ما يوحي بالثقة.
إن أي بحث في تطوير إمكانيات لبنان الدفاعية لا يأخذ هذا الواقع بعين الاعتبار هو نوع من المكابرة غير البرئية – وليس الغبية .
لكن ما سبق لا يعني بالمطلق القبول بالمستوى الراهن لتسليح الجيش اللبناني. بل على العكس المطلوب السعي الحثيث لايجاد مساحات التكامل بينه وبين المقاومة على صعيد توزيع المهمات والأدوار عند أي مستوى قتالي محتمل مع العدو.
ليس بوسع الجيش أن يكون مقاومة. وكذلك فإن مقتل المقاومة أن تتحول إلى جيش. لذلك فإن وجود تشكيلين أحدهما شعبي – مقاتل والثاني تقليدي عسكري يشكل شبكة آمان للبنان ويتيح منظومة دفاعية صلبة وقليلة التكلفة.
إن المطلوب الآن كيما يرتقى الجيش إلى المستوى الذي يستطيع معه التكامل مع المقاومة هو توفير شبكة رادارات متطورة له؛ مع منظومة دفاع جوي تغطي كل الأراضي اللبنانية. ذلك كله بالطبع جنباً إلى جنب مع بناء تحصينات دفاعية لا تجعل تشكيلات الجيش مكشوفة بالعراء. وهذه مجتمعة تستوجب تكاليف ليس توفيرها بالأمر الصعب إذا ما توفرت الرغبة والتصميم والإرادة.
"من يهدِ الله فهو المهتدِ ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه..."ـ (الإسراء 97)
(*) كاتب من لبنان
"إن اليد التي ستمتد بعد الآن إلى الجيش سنقطعها".
كلمات ما أن قالها السيد حسن نصر الله حتى جاء الرد من أصحاب النوايا السيئة: "ولماذا لا يتم تسليح الجيش حتى يكون في غنى عن هذه الحماية؟!
الجواب: لا شيء يمنع من حيث المبدأ، وللتذكير فإن نشوء المقاومة استمد اسبابه من أن الجيش اللبناني لم يكن قادراً على مواجهة العدو الصهيوني فضلاً عن أن عقيدته القتالية – إن صح التعبير – كانت تستبعد هذا الأمر.
لم يكن للبنان استراتيجية دفاعية في يوم من الأيام سوى بالاعتماد على غطاء غربي وبالتحديد أمريكي. وفي ظلال هذا التصور صعدت الفلسفة القائلة بأن "قوة لبنان في ضعفه".
بعد اتفاق الطائف طرأ تغير نوعي على العقيدة القتالية للجيش. وباتت "إسرائيل" هي العدو. ولكن هذه العقيدة بقيت عزلاء من القوة لولا ما قدمته سوريا مجاناً مما تيسر لها من دبابات ومدفعية. أما الباقي فقد تم شراؤها من مستودعات الجيش الأمريكي وهي كناية عن أسلحة منسقة مجمعة في ألمانيا. أو بالأحرى (خردة) تمت صيانتها وإعادة تأهيلها. وقد سمحت أمريكا بذلك لا كرماً ولا حرصاً وإنما لأن شحن هذه المعدات المنسقة إلى أراضيها مسألة مكلفة؛ وهذه واقعة يعرفها القاصي والداني.
منذ ذلك الوقت لم يفكر أحد بتسليح الجيش اللبناني، الفرنسيون كانوا قد أعطوا (الغازيل) – هليكوبتر – ولكن من غير قاذفات صواريخ!. وأخيراً قدم الأمريكيون سيارات الهامر للجيش!. وبالرغم من تواضع هذا فإن سيناتور أميركي استكثرها وهدد بوقف الدعم عن الجيش اللبناني. ذاك بعد اشتباكه مع الاسرائيليين في "العديسة".
بالأرقام
لكي يستطيع لبنان أن يمتلك مجرد الإمكانية لمواجهة واسعة مع الجيش الإسرائيلي ويصمد في وجهه يلزمه بحسب أوثق الخبرات العسكرية عديداً لا يقل عن 175 ألف جندي. مزودين بعتاد متطور لا تقل تكاليفه عن 15 مليار دولار . من أبرزها منظومة دفاع جوي من صواريخ أرض – جو متطورة. ومنظومة صواريخ مضاده للمدرعات وغير ذلك الكثير. وعند هذا الحد فقط يستطيع الجيش أن يخوض مواجهة دفاعية الطابع. ولكن ليس لمدة طويلة؛ متذكرين هنا بأن الجيش الإسرائيلي هو الأقوى- في مقياس (الجيوش) – على مستوى منطقة الشرق الأوسط. ويحظى بتبني خاص من الولايات المتحدة.
حيال ما سبق فإن التعويل على منظومة الجيش في المسألة الدفاعية هي فرضية نظرية غير قابلة للتطبيق لسببين جوهريين:
أولاً: إن المعارك الحديثة على مستوى الجيوش التقليدية باتت مكلفة للغاية بالنظر لما يتم فيها من تدمير للمعدات وبكميات كبيرة. نأخذ مثالاً على ذلك من آخر هذا النوع من الحروب؛ وهي حرب تشرين/أكتوبر 1973 حيث تكبدت الجيوش المتحاربة: السورية، المصرية من جهة، والإسرائيلية من جهة أخرى حوالي 4000 دبابة وناقلة جند، وحوالي 450 طائرة مختلفة، وألف مدفع . وكل ذلك في أقل من ثلاثة أسابيع.
ثانياً: ربطاً بما سبق فإن الدفة التي تتحكم بمصير المواجهة . هو ليس المال وحسب. وإنما الأهم منه وجود الحليف الاستراتيجي المعنى بتقديم الدعم وتعويض الخسائر. كون ذلك يرتبط بحساباته الاستراتيجية.
فمثلاًُ شهدت حرب 1973 أكبر جسرين جويين عرفهما العالم بعد الحرب العالمية الثانية. جسر أمريكي لـ"اسرائيل". وآخر "سوفيتي" لسوريا ومصر.
أما لاسرائيل فلأنها حليف أمريكا الإستراتيجي وحجر الزاوية في سياستها الشرق الأوسطية . وأما للعرب فلأن السوفيت كانوا مهتمين إلى أقصى الحدود في عرقلة التمدد الأمريكي في المنطقة أو تطويقه بالأحرى.
التكامل
بالنظر إلى ما سبق فإن لبنان لا يملك من حيث المبدأ إمكانيات مادية تؤهله لبناء جيش متطور. كما وأن المناخ الدولي لم يفرز حتى الآن (قطباً) ثانياً ولا ثالثاً معنى بمواجهة الولايات المتحدة في المنطقة. لننظر كمثال ما كان بشأن صفقة صواريخ أرض- جو الروسية إلى إيران من طراز (SS300). حيث (لحست!) روسيا توقيعها متنكرةً لاتفاقياتها وكل هذا في ظلال سياسة روسية ملتسبة ليس فيها ما يوحي بالثقة.
إن أي بحث في تطوير إمكانيات لبنان الدفاعية لا يأخذ هذا الواقع بعين الاعتبار هو نوع من المكابرة غير البرئية – وليس الغبية .
لكن ما سبق لا يعني بالمطلق القبول بالمستوى الراهن لتسليح الجيش اللبناني. بل على العكس المطلوب السعي الحثيث لايجاد مساحات التكامل بينه وبين المقاومة على صعيد توزيع المهمات والأدوار عند أي مستوى قتالي محتمل مع العدو.
ليس بوسع الجيش أن يكون مقاومة. وكذلك فإن مقتل المقاومة أن تتحول إلى جيش. لذلك فإن وجود تشكيلين أحدهما شعبي – مقاتل والثاني تقليدي عسكري يشكل شبكة آمان للبنان ويتيح منظومة دفاعية صلبة وقليلة التكلفة.
إن المطلوب الآن كيما يرتقى الجيش إلى المستوى الذي يستطيع معه التكامل مع المقاومة هو توفير شبكة رادارات متطورة له؛ مع منظومة دفاع جوي تغطي كل الأراضي اللبنانية. ذلك كله بالطبع جنباً إلى جنب مع بناء تحصينات دفاعية لا تجعل تشكيلات الجيش مكشوفة بالعراء. وهذه مجتمعة تستوجب تكاليف ليس توفيرها بالأمر الصعب إذا ما توفرت الرغبة والتصميم والإرادة.
"من يهدِ الله فهو المهتدِ ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه..."ـ (الإسراء 97)
(*) كاتب من لبنان