ارشيف من :آراء وتحليلات
أربعة أسباب داخلية وخارجية وراء حملة نيكولا ساركوزي على المهاجرين في فرنسا
في خطاباته أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية الفرنسية، لم يتوقف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن مدح فرنسا المتنوعة التي تستقبل المهاجرين من كل أنحاء العالم. في حينه كان ساركوزي "المرشح" يغازل المهاجرين للتصويت له في الانتخابات الرئاسية، غير أن الوضع تغير الآن، فالرئيس الفرنسي يعاني من تدني شعبيته إلى مستوى لم يبلغه أي رئيس فرنسي منذ نحو خمسين عاما، إضافة إلى أنه ما زال يعاني من الخسارة المدوية التي لحقت باليمين الحاكم في الانتخابات المحلية منذ عدة شهور. ساركوزي يحاول العودة إلى الواجهة الشعبية والإعلامية والحزبية عبر فتح ملف قديم جديد، لطالما أحدث جدلا واسعاً وكبيراً في بلاده طيلة العقود الماضية، وكان هذا الملف الساخن يستخدم من الأطراف السياسيين موسمياً ثم يلقى جانبا بانتظار استحقاق انتخابي جديد أو أزمة سياسية يكون استخدام ملف الهجرة نافعا فيها.
وفي السياق، فإن الأزمة الحالية التي يمر بها ساركوزي تجعل من ملف الهاجرين وسيلة جيدة للاستغلال والسعي لرفع مستوى التأييد الشعبي المتدني، وهنا يمكن إيراد اربعة أسباب تقف وراء تحرك ساركوزي:
1ـ سعي الرئيس الفرنسي لوضع مواطنيه في أجواء أمنية ضاغطة للتغطية على فشله في تنفيذ أي من وعوده الانتخابية.
2ـ السعي لكسب تأييد ناخبي اليمين المتطرف الذين أخذ الكثير من أصواتهم خلال الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية الماضية.
3ـ الضغط على بعض الدول الأفريقية التي بدأت بالخروج من الفلك الفرنسي باتجاه أميركا عبر مواطنيها المهاجرين في فرنسا الذين يرسلون عملة صعبة ويخففون عبء البطالة عن حكوماتهم عبر عملهم في فرنسا.
4ـ الضغط على الجزائر لإقناعها بشراء أسلحة فرنسية، وهي الدولة التي رصدت مليارات الدولارات لتسليح جيشها.
وفي الموضوع الأخير لا يخفي ساركوزي رغبته في بيع الجزائر أسلحة فرنسية من بينها رادارات وأسلحة بحرية، وهو ممتعض من القيادة الجزائرية التي تفاوض الروس وبعض الدول الأوروبية لشراء أسلحة منها متجاهلة بذلك فرنسا وشركات تصنيع السلاح الفرنسية.
وكان الرئيس الفرنسي قد حاول بيع المغرب أسلحة فرنسية غير أن تمويل السعودية لصفقات الأسلحة المغربية حال دون تنفيذ رغبة الرئيس الفرنسي، حيث تفضل السعودية الشركات الأميركية والبريطانية التي لها علاقات تجارية مع أكثر من مسؤول سعودي منذ أكثر من سبعين عاما.
في الأسباب الداخلية لحملة ساركوزي الأمنية على المهاجرين، يظهر جليا سعي الرئيس الفرنسي للمزايدة يمينيا على بعض الأصوات في الحزب الحاكم التي ارتفعت بعد الانتخابات المحلية منادية بفك سيطرة الإليزيه على المجموعة النيابية الحاكمة، وبإعادة رسم خريطة اللعبة السياسية وطريقة التحرك بين الطرفين، وهذا ما استدعى يومها ردا عنيفا من الرئاسة الفرنسية.
يبقى القول، ان ساركوزي الذي يعود لنفس اللعبة الموسمية التي انتهجها غيره من الرؤساء والسياسيين الفرنسيين، وبرع هو في استغلالها وإدارتها عندما كان وزيرا للداخلية، لن يطول به الأمر حتى يكتشف خطورة فتح هذا القمقم الذي يختبئ بداخله مارد المهاجرين الذين تبلغ نسبتهم ما يقارب العشرة بالمائة من مجموع سكان فرنسا، فضلا عن أن معظم هؤلاء المهاجرين من الجيل الثاني الذين ولدوا في فرنسا ولا يعرفون بلدا غيره. إلى ذلك يضاف خطورة تعرض علاقات فرنسا مع الدول الأفريقية إلى نكسات جديدة، وهي التي تمر بالأصل بمرحلة توتر ناجمة عن انحسار النفوذ الفرنسي ودخول أميركا والصين على الخط في الكثير من الدول الأفريقية، ولكن هل يتبّع الرئيس الفرنسي أسلوب أسلافه الفرنسيين ويلتزم الخطوط الحمر في استغلال هذا الملف؟