ارشيف من :آراء وتحليلات

كوارث مناخية وحلول أميركية... أسوأ من الكوارث!

كوارث مناخية وحلول أميركية... أسوأ من الكوارث!
عقيل الشيخ حسين

إضافة إلى الصين، وخصوصاً إلى باكستان التي تتعرض، منذ نحو عشرة أيام، إلى ما بات يعرف باسم الفيضانات الاستثنائية التي اعتبرت أشد عتواً من التسونامي الذي ضرب شواطئ المحيط الهندي في أواخر العام 2004، اتسعت دائرة الفيضانات لتغطي مناطق قريبة في الهند وكشمير، ومناطق أقل قرباً كعمان واليمن وشمال العراق، ومناطق بعيدة كالسودان والجزائر والمغرب وصولاً إلى إفريقيا الغربية.

ومع استمرار موجة الحر في أوروبا وأميركا والحرائق الروسية التي لم تشهد لها البلاد مثيلاً منذ ألف عام، والتي تضاعفت بسببها نسبة الوفيات في موسكو، تكون ظاهرة الكوارث المناخية قد أصبحت ظاهرة عالمية، إذ لا يخلو بلد في العالم من تعبير من تعابير هذه الكارثة. ولا جديد في القول بأن هذه الظاهرة تفعل فعلها بوتائر متسارعة في ضرب الأسس التي تقوم عليها الحياة فوق سطح هذا الكوكب الذي بات يتقاسمه الجفاف والتصحر، من جهة، والأعاصير والفيضانات، من جهة ثانية.

فكل دقيقة تمر تسجل موت عشرات الأجناس النباتية والحيوانية. ولا شك بأن نسبة كبيرة من الوفيات بين البشر إنما تعود لظاهرة التغيرات المناخية. ولا يقتصر الخطر على التهديد المباشر بالموت. فالظاهرة تفعل فعلها أيضاً في ضرب مصادر الغذاء. يكفي أن نلاحظ ارتفاع أسعار القمح، بنسبة 60 بالمئة خلال الأيام القليلة الماضية، وهو الارتفاع الذي تم الربط بينه وبين الحرائق التي تجتاح مناطق زراعية واسعة في روسيا.
وهذا الارتفاع مرشح، بحسب الخبراء، إلى الاستمرار والتصاعد، ليس فقط في أسعار القمح بل في أسعار سائر المنتجات الزراعية التي تصيبها التغيرات المناخية في الصميم في جميع بلدان العالم.

وغير الزراعية أيضاً. فعلى سبيل المثال، أدت الفيضانات التي تضرب حالياً مدينة طنجة إلى غرق 170 مصنعاً، وإلى إغلاق سائر المصانع في المناطق المحيطة، الأمر الذي ألحق بصفوف العاطلين من العمل نحو 30 ألف عامل. ولو أجرينا مقارنة بسيطة بين الحشد الإعلامي الواسع النطاق إزاء أخطار كخطر انفلونزا الخنازير الذي أقام الدنيا ولم يقعدها خلال الشهور المنصرمة، والذي عادت منظمة الصحة العالمية قبل يومين لتشطبه عن لائحة التهديدات التي يتعرض لها الجنس البشري، وبين الصمت المطبق بخصوص الأخطار الناجمة عن الكارثة المناخية، لتوصلنا إلى استنتاج حاسم مفاده أن الكارثة المناخية قد أصبحت مجالاً رحباً للاستثمار الذي يسيل له لعاب رجال الأعمال الباحثين عن مجالات لجني الأرباح، بعدما انسدت أمامهم سبل الربح في ظروف تصاعد الأزمة المالية العالمية.

من هنا نفهم السبب في تعثر تطبيق بروتوكولات كيوتو التي ترنحت أمام أبواب البلدان الصناعية، وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية، بداعي حماية الصناعة ونمط العيش والازدهار في تلك البلدان. كما نفهم السبب في تحول آلاف المنتديات والمؤتمرات والهيئات العاملة على حماية البيئة ومكافحة التغيرات المناخية إلى وسائل لتنفيع هذه الدولة أو تلك، من الناحية السياحية، أو للتخفيف من بطش البطالة في البلدان " المتقدمة" التي تعقد فيها تلك المؤتمرات، أو تحظى بتوظيف أعداد من مواطنيها في الهيئات واللجان التي تتعيش على مزاعم حماية البيئة.

كما نفهم السبب في وضع العصي في دواليب كل محاولة تهدف إلى تحديد أسباب الكارثة المناخية عبر ربطها بظاهرة الانحباس الحراري والارتفاع السريع في درجات الحرارة على سطح الكوكب. فعلى الرغم من الاتفاق في مباحثات كيوتو على تخفيض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بصفتها المسؤول الأول عن الانحباس الحراري، تنبري يومياً أعداد من العلماء والخبراء الذين يطلقون تصريحات تشكك في العلاقة بين الانحباس والكوارث المناخية.

لا لشيء إلا لأن تجريم الانحباس يعني تجريم النشاط البشري، الصناعي، والاستهلاكي، أي النشاط الذي يقوم عليه مجمل بنيان هذه الحضارة التي، لشدة إفلاسها، بات شعارها "من بعدي الطوفان".

ولا لشيء إلا لأن هذا التجريم يضع الجنس البشري أمام مسؤولياته في البحث عن حضارة بديلة، لأن عصب الحضارة القائمة هو انتاج إنسان غير مسؤول ومجرد من القيم وغير قابل لتحقيق وجوده بوسائل غير الفساد والإفساد.

ولا لشيء إلا لأن تلمّس المسؤوليات، يضع الإنسان على سكة الحلول بقدر ما يقتضي إعادة النظر في أنماط العيش السائدة، أي في البقرة الحلوب التي تتغذى عليها الرأسمالية المتوحشة. الحل الوحيد الذي تروّج له وتفرضه الرأسمالية المتوحشة على العالم هو إبقاء الأوضاع على ما هي عليه، ومن ثم العمل على "التكيف" مع هذه الأوضاع. وأهمية التكيف بالنسبة للرأسمالية المتوحشة يكمن في كونه بقرة حلوباً إضافية. فهو غير ممكن دون الاستعانة بتقنيات البلدان الصناعية المتقدمة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية. وهي بالطبع تقنيات باهظة الثمن.

من الأمثلة على التكيف المطلوب سعي الولايات المتحدة، بعيد التسونامي الشهير، إلى بيع أجهزة إنذا مبكر بخمسة عشر ملييار دولار لكل جهاز إلى البلدان المعرضة لمخاطر التسونامي. وسعيها الحالي إلى بيع أجهزة إنذار مبكر ضد الفيضانات إلى باكستان التي تطلق صيحات الاستغاثة طلباً للمعونة الدولية وسط محاولات فاشلة تبذلها الأمم المتحدة لتجميع 160 مليون دولار تقول بأنها ضرورية لتأمين الاسعافات الأولية!
2010-08-12