ارشيف من :آراء وتحليلات
مرشح التسوية... الحل الصعب
بغداد ـ عادل الجبوري
مجمل المؤشرات في المشهد السياسي العراقي تذهب الى ان الخيار الاخير لحسم "عقدة رئيس الوزراء" سيكون بالبحث عن مرشح تسوية، بدلا من الاسماء المطروحة صراحة أو ضمنا، رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي ورئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي، ونائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي، ورئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري.
وبالطبع فإن الذهاب الى هذا الخيار لا يعني أن الأمور ستسير على ما يرام وتتشكل الحكومة خلال وقت قصير، لأن جزءا من الاشكاليات القائمة حاليا، من المؤكد انها ستلقي بظلالها على أي بحث أو نقاش حول مرشح التسوية.
فعقدة رئيس الوزراء برزت بفعل عوامل عديدة من بينها الاختلاف في تفسير المواد الدستورية المتعلقة بالكتلة البرلمانية الأكبر، وتشبث كل طرف من الأطراف بسقف مطالبه وشروطه، وانعدام الثقة، والسعي المحموم للحصول على الموقع التنفيذي الأول لما يوفره من سلطة ونفوذ واسعين تتيحان للشخص والحزب الذي ينجح في الوصول اليه بأن يعزز موقعه السياسي، كما فعل رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي وحزب الدعوة الاسلامية الذي يتزعمه. وتأتي المشاعر السلبية لتعزز الرفض القاطع للتنازل بين المتنافسين.
هذه العوامل بمجملها تجعل عملية حسم وفك عقدة رئاسة الوزراء في نطاق الأسماء المطروحة والمتداولة شيئا أشبه بالمستحيل ان لم يكن مستحيلا بالمطلق، وهذا ما بدأ يدركه ويتفهمه الأطراف السياسيون لا سيما المصرون على اسم معين، كائتلاف "دولة القانون" بزعامة المالكي، وبالتحديد حزب الدعوة الذي يعد ابرز مكوناته.
في الآونة ظهرت تسريبات عن سجالات حادة بين فريقين داخل حزب الدعوة، فريق يقوده القيادي علي الاديب، ويدعو الى صرف النظر عن ترشيح المالكي والبحث عن مرشح اخر من الحزب، حتى لا يتسبب الاصرار على المالكي بالتفريط بالمنصب وذهابه للاخرين، وفريق اخر يقوده مدير مكتب المالكي طارق نجم ومستشاره السياسي صادق الركابي، يتمسك بترشيح المالكي ويرفض فكره البحث عن مرشح بديل له، ومنطقيا وعلى ضوء ايقاع الاحداث فان حظوظ الفريق الثاني قليلة جدا.
ونقلت مصادر مطلعة قبل عدة ايام ان وفد ائتلاف دولة القانون (الشيخ خالد العطية وحسين الشهرستاني واخرين) الذي زار المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني، سمع كلاما صريحا وحادا ليس في مصلحة القائمة ولا في مصلحة المالكي، حتى ان الوفد بعد أن خرج من لقاء المرجع السيستاني رفض الادلاء بأي تصريح لوسائل الاعلام.
وبعد زيارة الوفد المحبطة في نتائجها، لاحت بوادر انشقاق لتجمع "مستقلون" الذي يرأسه وزير النفط الحالي حسين الشهرستاني من ائتلاف دولة القانون، واتجاهه للتفاوض مع الائتلاف الوطني العراقي للانضمام اليه، وما يرجح ويعزز تلك المعلومات هو ان الشهرستاني يعد من الطامحين لتولي منصب رئيس الوزراء، ويجد انه من الصعب عليه تجاوز عقبة المالكي وحزب الدعوة على وجه العموم ما دام تحت مظلة ائتلاف دولة القانون.
وفي الجانب الاخر، اي في "القائمة العراقية" فإن هناك قناعة مبكرة بأن الطريق امام رئيس القائمة اياد علاوي للوصول الى كرسي رئاسة الحكومة وعر وشائك جدا، ومن هنا فان الاعلان عن دعم القيادي في المجلس الاعلى عادل عبد المهدي في حال فشل القائمة بالحصول على المنصب اريد منه اطلاق رسالة واضحة الى المالكي، واكثر من ذلك اريد منه خلط الاوراق والحؤول دون تشكيل تحالف برلماني قوي ورصين بين الائتلاف الوطني وائتلاف دولة القانون يمكنه الاتفاق على مرشح لرئاسة الحكومة وسط التعارض الكبير في الرؤى والمواقف بين حزب الدعوة من جانب، والمجلس الاعلى والتيار الصدري من جانب اخر.
لكن الاعلان عن دعم عبد المهدي لا يعني ان العراقية لم تفكر في مرشح قريب منها، لكنه ليس من داخلها مثلما تفكر القوائم الاخرى المنافسة. ونفس الشيء بالنسبة للائتلاف الوطني العراقي الذي لم يطرح حتى الان مرشحاً للمنصب لأسباب تتعلق في مجملها بطبيعة تشكيلته، ويفكر اكثر من غيره بمرشح تسويه مقبول وان كان ضعفيا بحسب التوصيفات السياسية.
وبعد اكثر من خمسة شهور من المفاوضات العقيمة، يبدو ان الاطراف السياسية المعنية انتقلت الى مرحلة جديدة للبحث عن حلول عملية، تحول دون الاصطدام بالخيارات السيئة، ومرشح التسوية هو أحد ابرز تلك الحلول، وبحسب التصور العام فإن من يقع عليه الاختيار ينبغي ان يحمل جملة من الميزات منها:
ـ عدم انتمائه لتيار سياسي معين من التيارات المتنافسة حاليا.
ـ لا توجد عقد او اشكاليات كبيرة عليه من قبل الفرقاء الرئيسيين.
ـ لم يشغل اي منصب سيادي كبير في الاعوام الماضية، من الممكن ان ينعكس سلبا على علاقاته بعد توليه منصب رئاسة الحكومة.
ـ يحظى بقبول جيد على الصعيد الاقليمي والدولي، يتيح له معالجة اكبر قدر من الملفات الشائكة والعالقة مع الاطراف الخارجية.
ـ ليس بالضرورة أن يكون قويا وصاحب تجربة سياسية طويلة، او يكون زعيما لمكون سياسي معين.
وخلال الأسابيع الاولى التي اعقبت الانتخابات النيابية طرح بقوة اسم السيد جعفر نجل الشهيد محمد باقر الصدر كمرشح لرئاسة الحكومة،
وخصوصا بعد ان حصل على عدد جيد من الاصوات ـ جاء ثانيا بعد المالكي في بغداد ـ بيد ان حضوره في وسائل الاعلام كمرشح للمنصب تراجع وانحسر، ليعود من جديد مؤخرا بعد ان بدا ان المالكي وصل ـ او كاد ان يصل ـ الى طريق مسدود كمرشح تسوية، ولعل حزب الدعوة الذي يتخوف من رفض "الائتلاف الوطني" وكيانات اخرى لأي مرشح بديل للمالكي من داخل الحزب يجد نفسه مرغما على التفكير ببديل اكثر مقبولية، واسم الصدر هو الأكثر حظوظا، وقبولا، ولا سيما انه ليس له خلفيات وتراكمات سياسية تجعل الاخرين يتبنون مواقف سلبية حياله، فضلا عن توافر مختلف الميزات المطلوب توافرها في مرشح التسوية، علما انه حصل على المرتبة الثانية بعد ابراهيم الجعفري في الاستفتاء الشعبي الذي اجراه التيار الصدري لاختيار رئيس الحكومة قبل نحو ثلاثة شهور.
الى جانب ذلك فان لدى الائتلاف الوطني اكثر من اسم مطروح خلف الكواليس كمرشح تسوية، ابرزها اسم وزير النفط السابق ابراهيم بحر العلوم، وترى بعض الاوساط ان فرصه لا بأس بها، الا ان ائتلاف "دولة القانون" يرى انه محسوب على المجلس الأعلى، وهذا يشكل حجر عثرة في طريقه في حال تم طرح اسمه رسميا على طاولة البحث والنقاش.
اما القائمة العراقية فإنها على ما يبدو ليس لديها مرشح تسوية مناسب يمكن تسويقه، وقد تداولت بعض الاوساط لفترة قصيرة اسم علي عبد الامير علاوي وزير التجارة الاسبق في حكومة اياد علاوي، بيد ان ذلك لم يكن اكثر من بالون اختبار وجس نبض لم يأت بالنتيجة المرجوة.
وتتوقع اوساط سياسية من مختلف الكتل ان قائمة مرشحي التسوية ستزداد خلال الفترة القليلة القادمة، وما كان يتداول منها بعيدا عن الاضواء وخلف الكواليس سيطرح علنا وعلى مرأى الجميع، ولكن على الارجح لن يذهب الحسم عبر هذا الخيار بعيدا عن جعفر الصدر او ابراهيم بحر العلوم.