ارشيف من :أخبار لبنانية

هل تعاني "إسرائيل" قلقاً على وجودها؟

هل تعاني "إسرائيل" قلقاً على وجودها؟
هيثم محمد أبو الغزلان(*)
هل فعلاً تواجه إسرائيل مخاطر تتعلق بوجودها؟! وما هي هذه المخاطر؟! وهل هذه المخاطر حقيقية، أم أنها مفتعلة؟! لماذا يرى البعض تحدُّث القادة الإسرائيليين عن المخاطر التي تحيق بدولتهم دليل قوة وليس ضعف؟! ولماذا يبقى الخطر الوجودي هاجسا ً دائماً لإسرائيل؟! وهل ما كشفته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية حول شيمون بيريز وشعوره في الفترة الأخيرة بالقلق والخطر على مستقبل دولته بسبب تدهور الوضع السياسي وتدني منزلتها في المجتمع الدولي حقيقة أم ماذا؟!! ولماذا اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن "أياماً مظلمة" قادمة على المنطقة؟!
أسئلة كثيرة نحاول تلمّس اجاباتها. يبدو أن الاتجاه العام يشير إلى أن المخاطر التي تواجه إسرائيل، بحسب قادتها: فقدان القدس كعاصمة لإسرائيل، التهديد الديمغرافي العربي، ونزع الشرعية عن "دولة إسرائيل"، "الإرهاب" والأصولية، وتسلح إيران بالأسلحة النووية، التسلح التقليدي لدول الطوق، واستنزاف السيادة والفساد.
ويعتبر الإسرائيليون الفلسطينيين بأنهم يشكلون «خطراً وجودياً»، و«تهديداً ديمغرافياً»، و«قنبلة موقوتة» على مستقبل الدولة العبرية. وهذا يعبّر وبشكل جلي وواضح عن حقيقة وجوهر المشروع الإسرائيلي الاستيطاني الإحلالي القائم على العنف والإرهاب والترويع. وعبّر المؤرخ الإسرائيلي بني موريس عن أقوالٍ خطّأ فيها ديفيد بن غوريون على عدم قيامه بطرد الفلسطينيين كلهم من أرضهم في العام 1948.
وهذا موافق لما قاله موشيه ديان (1956): «نحن جيل مستوطن، وبدون الخوذة المعدنية والمدفع، لن نستطيع زرع شجرة أو بناء منزل. لا تدعوا الكراهية التي يشعر بها نحونا مئات الآلاف من العرب حولنا تثنينا عن عزمنا».
فالحركة الصهيونية، بحسب نهاد بقاعي، أقامت دولة إسرائيل، ولكنها لم تنجزها، كما بنت الصهيونية "الأمة اليهودية" ولكنها لم تنجز بناءها. ورغم أن "إسرائيل" تقوم بموجب المفهوم الصهيوني كـ "دولة قومية" لليهود، بيد أنها لم تشترط وجود الأمة قبل الدولة، بل رأت أن الدولة تثبّت الأمة. وربما كان ذلك خيارها الوحيد، بالأخذ بعين الاعتبار عدم وجود أمة تنبت على أرضها دولة. وهنا، تظهر العقدة التي أفرزتها الصهيونية بعد إقامة الدولة، وهي أن على إسرائيل و"الأمة اليهودية" أن تظلا قيد التشكل، باعتبارهما مشروعين غير مكتملين، إلى الأبد.
وظل مشروع بناء الدولة غير مكتمل، ودائماً حسب الصهيونية، خصوصاً في ظل الأخطار الوجودية المحدقة بإسرائيل، وعلى ضوء بقاء معظم اليهود خارج دولتهم الافتراضية، إسرائيل، التي بقيت بدون دستور وبلا حدود مُعرّفة، إنما حدودها أينما تصل أقدام جنودها، أو كما صرحت غولدا مائير عندما سُئلت عن حدود إسرائيل: "عندما سنصل إلى الحدود سنخبركم".
ويتعاطى القادة الإسرائيليون مع وجود الشعب الفلسطيني على أساس أنهم يشكّلون خطراً وجودياً على إسرائيل، والتعاطي مع هذه الرؤية «أساسه العنف» على اعتبار أن المعركة قائمة بين مجتمعين يتصارعان على الأرض وإلى درجة معينة على الوجود، بحسب أقوال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي موشي يعالون (28/8/2002). والذي يعتبر، أيضاً أن إسرائيل تواجه خطراً وجودياً يتمثل بعدم اعتراف الفلسطينيين في حق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية، وأن هدف الفلسطينيين من قتالهم هو تقويض إسرائيل.
ويعتبر أن الحل الوحيد لإنهاء ذلك يتمثل بإخضاع الشعب الفلسطيني وإدخال الهزيمة إلى وعيه الجمعي لأن عدم حصول ذلك سيجعل الفلسطينيين ينظرون إلى إسرائيل رغم امتلاكها للقوة العسكرية المتقدمة على أنها ضعيفة ويمكن هزيمتها.
ويتحدث البروفيسور باروخ كيميرلنغ، أستاذ علم الاجتماع في جامعة تورنتو بكندا، في كتاب له صدر بعنوان: «القتل السياسي وحرب أرييل شارون ضد الفلسطينيين»، عن أن القتل السياسي المُمارس ضد الفلسطينيين إنما يعود لطبيعة الحركة الصهيونية ذاتها.
ونظر الجميع إلى ارييل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، بصفته الأكثر دموية وقسوة من بين جنرالات إسرائيل وسياسييها. وهو امتلك رؤيا وحشية. وهدف إلى استئصال أي شيء اسمه فلسطيني، وسعى إلى تهجير الفلسطينيين إلى الأردن لأن دولته هناك حسب تعبيره.
ويورد كيميرلنغ أن شارون قد نال موافقة القوى اليمينية المتسلطة في إسرائيل، وكذلك إدارة الرئيس بوش بشأن تدمير الهوية السياسية للشعب الفلسطيني والمتمثلة بتفكيك الشعب الفلسطيني، والقضاء على وجوده ككيان اجتماعي وسياسي واقتصادي، ولا يٌستبعد القيام بعملية تطهير عرقي تؤدي إلى طردهم كلياً من فلسطين المحتلة.
ويتزامن هذا مع المطالبة الدائمة لإسرائيل‏ بإلتزام أمريكا و"العرب" بالكف عن مطالبتها بوقف سياسة التوسع الاستيطاني في القدس والضفة الغربية والموافقة على الشروط الإسرائيلية للقبول بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وبالتحديد اعتراف الفلسطينيين والعرب بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي‏، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين خارج حدود إسرائيل والتصفية الكاملة لحق العودة والمطالبة بأن تكون التسوية نهاية لأي مطالب‏، وضرورة أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح‏،‏ وأن تأخذ في الاعتبار كل متطلبات الأمن الإسرائيلي بما فيها منح ضمانات دولية لنزع السلاح والتدابير الأمنية مع الفلسطينيين‏.‏
واعتبر ألوف بن في ("هآرتس" 9/10/2009)، "أنه منذ عودته إلى السلطة، غيّر بنيامين نتنياهو التعامل الإسرائيلي مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. فرؤساء الحكومات السابقين، أرييل شارون وايهود أولمرت، عرضوا عباس كـ"فلسطيني جيد" وكزعيم المعتدلين المعارضين (للإرهاب)، في مقابل "الفلسطينيين الأشرار"، مثل ياسر عرفات وقادة حماس والجهاد...
ويحظى موقف نتنياهو بتأييد الجمهور الإسرائيلي، الذي لا يكن الود، بصورة خاصة، إلى عباس، ويرى فيه زعيماً ضعيفا. كما أن رفض عباس لاقتراح "السلام" الذي تقدم به أولمرت يساعد نتنياهو في تقديم رئيس السلطة بصورة الرافض "للسلام" أمام الرأي العام الإسرائيلي، على الرغم من أن نتنياهو أيضاً يعارض اقتراح أولمرت ويعتبره عرضاً مفرطاً وخطيرا.
ثمة لنتنياهو وعباس تصوران متناقضان حول طريقة تسوية النزاع. عباس يريد العمل من أعلى إلى أسفل: تعترف إسرائيل أولاً بحقوق ومطالب الفلسطينيين، وبعدها تُبحث التفاصيل وتطبيقها. نتنياهو لا يعتقد بأنه يمكن حل مشاكل القدس واللاجئين، والدولة المنزوعة السلاح التي يقترحها على الفلسطينيين بعيدة عن إرضاء الحد الأدنى من مواقفهم. وبدل الحديث عن اتفاق دائم وفق صيغة يوسي بيلين وبيل كلينتون السابقة، يريد نتنياهو العمل من أسفل إلى أعلى: البدء في "السلام" الاقتصادي وبناء مؤسسات الحكم الفلسطينية في الضفة الغربية، وتأجيل المواضيع الأُخرى إلى مستقبل غير محدد- وفي هذه الأثناء تحتفظ إسرائيل بالسيطرة على الأرض وعلى المستوطنات".
وهذا يعني تدمير الوجود السياسي والقومي لشعب بأسره ومنعه من ممارسة حق تقرير المصير وإلغاء إرادته ضمن عملية قتل مستمرة من خلال تدمير المؤسسات الفلسطينية، واغتيال القيادات العسكرية والسياسية للشعب الفلسطيني، ومصادرة أراضيه وتقطيع أوصال ما تبقى كي يتم منع قيام دولة فلسطينية مترابطة.
العمل للإلغاء
وما زالت فكرة إلغاء الشعب الفلسطيني تسيطر على تفكير القادة الإسرائيليين، وعبّرت غولدا مائير عن ذلك بقولها: «لا أعلم بوجود شعب اسمه الشعب الفلسطيني».
وبتحديد الإسرائيليين الأخطار التي تواجه كيانهم بالوجود الفلسطيني، وامتلاك دولة شرق أوسطية "تحديداً إيران" قوة نووية، وما يسمونه «الإرهاب»، فإن ذلك سيشكل وفق رؤيتهم خطراً ثلاثي الأبعاد على الإسرائيليين يتمثل بـ:
* استخدام هذه القوة النووية ضد إسرائيل.
* إذا استطاعت الدولة الشرق أوسطية استخدام السلاح البيولوجي والكيماوي في مجالات تقليدية أخرى، حققت فيها إسرائيل قوة الردع.
* قيام الدولة الشرق أوسطية وتحت المظلة النووية بالعمل في مجالات تقليدية أخرى.
وتحاول إسرائيل دائماً إظهار نفسها على أنها تواجه خطراً وجودياً يهددها، وقال قادتها عن صواريخ المقاومة الفلسطينية عند بداية إطلاقها بأنها سلاح فتاك، وسلاح تدمير شامل، يُغير من ميزان القوى العسكرية لصالح ما أسموه "الإرهاب"، مع أن صناعة هذه الصواريخ صناعة بدائية. وهنا يُحسب للمقاومة وبشكل إيجابي سعيها لإلحاق الخسائر بالاحتلال.
ويعتقد الإسرائيليون أنهم حتى وإن استطاعوا القضاء على الصواريخ الفلسطينية، إلا أن ذلك لن ينهي المقاومة لأنه بحسب الصحافة الإسرائيلية سيخرج هؤلاء المقاومين في تل أبيب والقدس وحيفا ليفجروا أنفسهم، أو يطعنوا بالسكاكين المستوطنين والجنود الإسرائيليين.
ووضعت إسرائيل قضية أمنها على طاولة المفاوضات بقوة في مسارات التفاوض التي بدأت في مدريد. وفي عهد حكومة الليكود في الفترة 1996 ـ 1999، حددت إسرائيل شرطها الرئيسي للسلام بتحقيق أمنها المطلق. وفي عهد حكومة إيهود باراك، الذي فاز على سلفه بنيامين نتنياهو في انتخابات أيار/مايو 1999 المبكرة تحت شعار (إسرائيل واحدة)، تمت صياغة المفهوم الأمني بـ (الأمن والسلام) بدلاً من (الأمن أساس السلام)، ويجري تفسير الشعار (الأمن والسلام) بـ (السلام الآمن).
تعويم الترانسفير
وواجه الصهيونيون ما أسموه «المشكلة العربية» - حقيقة كون «أرض إسرائيل» آهلة بالسكان. وتناول نور الدين مصالحه في بحث هام له أحد الحلول التي طرحت لحل تلك المشكلة - نقل السكان الفلسطينيين الأصليين إلى بلاد عربية مجاورة. ويعتبر بحث مصالحه أشمل دراسة تُثبت، بالوقائع والوثائق، إلى أي مدى اعتنق كبار القادة الصهيونيين، بمن فيهم، عملياً، جميع مؤسسي إسرائيل، فكرة «الترانسفير».
وفي الآونة الأخيرة بدأ يظهر مصطلح جديد تحت مسمَّى (تعويم الترانسفير)؛ تمهيدًا لبدء تنفيذه لإعادة تعويم مخططات طرد الفلسطينيين وهذا مرتبط بتطورات كثيرة في المنطقة وعلى الساحة الفلسطينية خصوصاً.
(الترانسفير) ليس مشروعًا خياليًا، إنه المشروع الصهيوني الوحيد المعتمد تجاه الفلسطينيين منذ استيطان أرضهم التاريخية، وبناء دولة الكيان الصهيوني على حوالى (80%) منها عام 1948، وهاهو ذا يعود ليصبح أكثر المشاريع السياسية واقعية، غير أن لتعويم (الترانسفير) اليوم حكاية على صلة بخوف صهيوني واسع من (الديموغرافيا) الفلسطينية التي يكاد يُجمع الإسرائيليون على أنها ستبتلع في نهاية المطاف الدولة اليهودية؛ بل إن معظم الإسرائيليين باتوا في قناعة بأن إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، أو على أجزاء منها، لن يحلَّ المشكلة.
فالمشكلة بالإجماع تكمن في الوجود الفلسطيني على أرض فلسطين بحدِّ ذاته، وبخاصة بعد أن صار هذا الوجود مقاومًا، وباتت (الديموغرافيا) مقاتلة...
كل الضجيج المتواصل لدى إسرائيل حول (الديموغرافيا الفلسطينية) والدولة ثنائية القومية على صلةٍ ما بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة بمشروع: الجدار.. الترانسفير.. الأردن دولة فلسطينية.. باعتبارهم القوائم الثلاثة للمشروع الصهيوني الحقيقي، وإذا كان ثمَّة إجماع صهيوني اليوم فهو على أن اليهود لم يعودوا قادرين على التعايش مع الفلسطينيين؛ سواء في غزة، أو في الضفة،  أو في فلسطين 1948.
وكشفت استطلاعات إسرائيلية أن (60%)من الإسرائيليين يؤيدون تشجيع فلسطينيي 1948م على الرحيل، و(31%) يؤيدون ترحيلهم بالقوة، وثلاثة من كل خمسة من الإسرائيليين يرون أن على الدولة تأييد هجرة العرب، والسعي لتنفيذها ضمن خطط مدروسة؛ أي إن معظم الإسرائيليين باتوا مع (الترانسفير) بأشكاله المختلفة، وبالتالي فإن «الفصل من طرف واحد» و«جدار الفصل» ليس إلا الحل الوسط الذي بات يُفهم كخطوة على طريق الترانسفير..
ويرى البروفيسور «أرنون سوفير» - صاحب كتاب (ديمغرافيا 2000-2020)- أن فلسطينيي 48، وأولئك الذين في الضفة وغزة- ومع مرور الوقت- سيعملون مع إخوتهم من شرقي الأردن على تأسيس دولة فلسطينية كبيرة من البحر إلى الصحراء؛ ليخلُص إلى ضرورة تسريع الفصل، ووضع خطة لتفكيك القنبلة الديموغرافية، بحيث تكون النتيجة «استمرار وجود دولة يهودية وصهيونية»، وبالمقابل تشجيع الهجرة من مناطق السلطة إلى الشرق.. إلى العالم العربي، كما حدث في الخمسينيات والستينيات عندما هاجر 450 ألف فلسطيني شرقًاً، على حدِّ تعبيره.
والتطهير الذي مارسته العصابات الصهيونية ضد الفلسطينيين عام 1948، أسفر عن تدمير (531) قرية ومدينة فلسطينية بالكامل.. كما أُحصي أكثر من 50 مذبحة موثّقة ضد الفلسطينيين، الذين أصبح أكثر من (75%)،  من مجمل عددهم اليوم من اللاجئين.. وبيّن الدكتور سلمان أبو ستة أن نحو (5000) شهيد سقطوا في محاولاتهم الرجوع إلى أرضهم بعد طردهم منها!! ومع أن الفلسطينيين عاشوا "نكبات" عديدة، إلا أن إصرارهم على المقاومة والبقاء جعل الشعب الفلسطيني رقماً صعباً في المعادلات.
ويوضح ميرون بينبينشتي في جريدة الخليج (7/4/2010)، أن تفتيت الفلسطينيين يحظى بشرعية دولية ويمنح "إسرائيل" شهادة تأمين ضد "الخطر الديمغرافي" حينما يتحول الفلسطينيون قريباً لأغلبية سكانية في البلاد، ويتابع "يواصل اليهود المسيطرون، حتى بعد تحولهم لأقلية، فرض التشرذم الفلسطيني بواسطة "العصا والجزرة" لتكريس حالة عدم التنسيق والضعف الفلسطينية".
الأسئلة القلقة
لم يسبق للكيان الصهيوني العنصري على امتداد نشأته أن تعرّض لهذا المستوى من الأسئلة القلقة والمصيرية التي ترتبط بمستقبل وجوده ككيان عنصري، مما دفع السواد الأعظم للمجتمع الصهيوني باتجاهات أكثر يمينية وأكثر عنصرية، وليس غريباً.. أن تكتسح الكنيست العصابات الفالتة من عقالها، بما في ذلك ممثلي الجماعات التي سبق لها أن هددت «وزراء» في حكومة كاديما السابقة، لا نبالغ فيما نقول إن الكيان الصهيوني يعيش مأزقاً حاداً في ضوء المعطيات الدولية والإقليمية الجديدة، وفي ضوء صمود قوى المقاومة والممانعة في أمتنا.
وحذر البروفسور في جامعة حيفا أرنون سوفير، بدراسة قام بها بعنوان: «دولة تل أبيب تهديد لإسرائيل» من أن إسرائيل ستواجه بعد نحو 15 عاماً مخاطر انهيار داخلية تهددها أكثر من القنبلة الإيرانية والجيوش العربية، تتجلى في فقدانها السيادة على أطرافها في ظل اختزال ذاتها في «دولة تل أبيب».
وأشار سوفير في دراسته إلى الظاهرة الكونية الراهنة المتمثلة بازدياد حجم المدن الكبرى وتعاظمها ديموغرافياً واقتصادياً على حساب الأطراف، جراء الهجرة لها وتركيز الموارد العامة فيها.
ويشير سوفير إلى خصوصية الحالة في إسرائيل وخطورتها نظراً لكون سكان مركزها (تل أبيب ومحيطها) من اليهود بينما يتركز فلسطينيو الداخل في أطرافها، موضحاً أن الكيان الإسرائيلي يتقلص يوماً بعد يوم وينحصر في منطقة تل أبيب، حيث تتركز الموارد الجوهرية المختلفة ويتزايد عدد اليهود فيها، بينما يستمر ضعف «الأطراف اليهودية» نتيجة التمييز في الخدمات والفرص، والاحتكاك المتواصل مع فلسطينيي 48.
وتشير دراسة أيضاً أوردها سركيس أبو زيد في مقالة له، إلى أن اليهود في فلسطين التاريخية اليوم باتوا يشكلون (49.2%) من السكان فقط، ويُتوقع تراجعهم لـ (41.8%) عام 2025، مذكرة هذه الدراسة بوجودهم وسط بحر عربي وإسلامي عارضة المخاطر:
- الأول: يتم الحديث في الأوساط الإسرائيلية عن الانقراض اليهودي الناتج عن اندماجهم في دول العالم وزواجهم وزواج أبنائهم وبناتهم من غير اليهود وهذا بدوره يساهم في انقراض السلاله اليهودية في العالم في ظل تنامي الإثنيات والأيديولوجيات والثقافات الأخرى في المنطقة.
- الثاني: هو فقدان القيادة الحكيمة والقوية في إسرائيل، وغرق رموز الحكم في مستنقعات الفساد والفضائح المالية والجنسية: اختلاس واغتصاب وتزوير. ويتطرق كتاب «رسالة إلى القائد» للكاتب الإسرائيلي الصهيوني المتطرف «يحسكل درور» إلى إخفاقات كثيرة تسبب بها قادة إسرائيل، وهذه الإخفاقات ليس بالضرورة أن تكون عسكرية بقدر ما هي اجتماعية ودينية وسياسية وثقافية انعكست على واقع الشعب اليهودي وتطلعاته في إسرائيل.
ويعزو الكاتب السبب في هذا الإخفاق إلى التحلل الديني والتراثي والأخلاقي لدى القيادات اليهودية في إسرائيل والتي شكل الصراع الذاتي الشخصي الجزء الأكبر منها في ظل صراع أيديولوجي مستفحل في المنطقة الأمر الذي يهدد إسرائيل ككيان في وجودها ومستقبلها.
- الثالث: والأكثر وضوحاً فهو التراجع العسكري الإسرائيلي رغم الدعم الأميركي غير المسبوق بالمال والعتاد والسلاح المتطور. فإسرائيل دولة عسكرية، تشبه غالباً بـ «الثكنة العسكرية»، ومجتمعها هو مجتمع عسكري يعيش على التأهب و«حال الطوارئ» إن صح التعبير. لذلك، كان مؤسس الدولة العبرية ديفيد بن غوريون يقول دائما «إن إسرائيل تسقط بعد أول هزيمة تتلقاها».
إسرائيل تحت مرمى الصواريخ
واليوم وبعد المستجدات في لبنان وفلسطين وإيران وسوريا باتت هزيمة إسرائيل أكثر إمكانية، فـ "البطن الإسرائيلية الرخوة" إن ضربت بقوة تدميرية كبيرة من شأنها أن تهز أركان المجتمع الإسرائيلي، وهذا الاحتمال حاضر في مخططات الإسرائيليين، ففي المشهد الإستراتيجي الحربي الإسرائيلي يعترفون بأن إسرائيل بكاملها باتت في هذه الأيام تقع تحت مرمى الصواريخ وكذلك تحت وطأة مناخات ما يطلقون عليها عسكرياً "تدريبات ومناورات الجبهة الداخلية لإعدادها لحرب الصواريخ القادمة".
يشعرون بأن المخاطر تتعاظم على هذه الجبهة أكثر من أي وقت مضى، وليس صدفة أن القادة والمعلقين الإسرائيليين يتحدثون حول رقم 40 و60 ألف صاروخ من مختلف الأنواع ومداها والتي يقولون إن "حزب الله" يمتلكها، والتي غدت ردعاً يردع "الردع الإسرائيلي المعهود".
وبحسب نواف الزرو، يثير هذا الواقع المستجد سجالاً لا يتوقف بين ساسة وعسكريين ومعلقين في إسرائيل حول ما جرى وما يجري، وتتحدث مصادر عسكرية إسرائيلية عن أن "حزب الله يصوب أكثر من 200 صاروخ ذي قدرة تدميرية هائلة لكل مدينة وبلدة إسرائيلية". موضحة تلك المصادر أن "الحرب القادمة ستكون فتاكة وطاحنة وغير مسبوقة"، وكتب مدير الجمعية الإسرائيلية للدفاع ضد الصواريخ  شنيئور في يديعوت يقول: "في السنوات الأخيرة يركز أعداؤنا جل جهودهم على الاستعداد لحرب الصواريخ، عملياً، منذ اليوم موجه نحونا أكبر أسطول صاروخي في التاريخ".
وهواجس الرعب تتفاقم من يوم لآخر كلما يطل عليهم السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، بتهديد جديد: "تل أبيب مقابل بيروت" و"بن غوريون مقابل مطار بيروت"، و"السواحل مقابل السواحل" وهكذا.
ويمكن القول، ونحن نعيش الذكرى الرابعة لهزيمتهم، إن هواجس الرعب والقلق من ضرب وتدمير العمق في أي حرب قريبة تفاقمت وتكرّست ووصلت إلى مرحلة قال عنها بعضهم "إن العد التنازلي لخراب إسرائيل بدأ يقترب".
(*) المصدر: مركز باحث للدراسات
2010-08-19