ارشيف من :ترجمات ودراسات

نقاش إسرائيلي لمخاطر الحرب القادمة

نقاش إسرائيلي لمخاطر الحرب القادمة
ماجد كيالي(*)

- بيئة أمنية إقليمية خطرة
- خطر الحرب الصاروخية
- خطط حربية لحزب الله
- حديث الحرب واللاحرب
منذ حربها على لبنان في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2006 بما تضمنته من إخفاقات عسكرية، أدركت إسرائيل أنها باتت أمام واقع تآكل صورتها كدولة رادعة، وأمام واقع تقهقر أسطورة جيشها "الذي لا يقهر".
وقد ثبت لها أن زمن حروب الضربة القاضية السريعة والحاسمة انتهى، مثلما أدركت أن جبهتها الداخلية لم تعد محصنة، ولم تعد بمثابة خط أحمر لا يمكن تجاوزه كما في الحروب السابقة.
وكانت تلك الحرب قد شكلت صدمة كبيرة لإسرائيل، وبينت لها محدودية قوتها إزاء حرب غير تقليدية، برغم تفوقها في ميزان القوة العسكرية، مما جعلها تنكب على مراجعة الدروس واستنتاج العبر، وضمن ذلك إعادة تأهيل جيشها، واستشراف مختلف السيناريوهات لمواجهة هذا النوع من الحروب.
وبغض النظر عن جوع إسرائيل لاستعادة مكانتها كدولة رادعة، وضمن ذلك تحفزها الدائم لتوجيه ضربة عسكرية لحزب الله أو حركة حماس، ولكل من سوريا وإيران، فإن إسرائيل هذه باتت تتحسب أيضا من إمكان اندلاع حرب جديدة، في ظل الأوضاع الدولية والإقليمية المضطربة في هذه المرحلة، إدراكا منها أن حربا كهذه لن تكون كسابقاتها، وأنها قد تنشأ عنها تداعيات خطيرة عليها وعلى المنطقة.
بيئة أمنية إقليمية خطرة
ولعل معضلة إسرائيل في هذه المرحلة، أنها وجدت نفسها في مواجهة تغير نوعي على المستوى الأمني الإقليمي، أي في محيطها الإستراتيجي، فها هي تكاد تخسر تركيا، بعد أن خسرت قبل ثلاثة عقود إيران.
والأنكى أن هاتين الدولتين انتقلتا من خندق التحالف مع إسرائيل إلى الخندق المعادي، كل بطريقته.
والوضع في العراق لا يثير التفاؤل، لاسيما على ضوء إخفاق الولايات المتحدة في فرض ترتيباتها فيه. والأنكى أن إسرائيل لم تعد تستطيع أن تفعل شيئا في المنطقة، وحتى في مواجهة المشروع النووي الإيراني الذي ربما يفضي في حال نجاحه، إلى تقويض احتكار إسرائيل للقوة النووية في الشرق الأوسط، وذلك بسبب القيود الموضوعة عليها من قبل الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية.
بالنتيجة وجدت إسرائيل نفسها فجأة وسط محيط معاد لها، على الصعيدين الحدودي والإقليمي في آن معا، ولم يعد ثمة لإسرائيل حلفاء يحاصرون "دول الطوق"، كما في السابق.
ومعنى ذلك أن البيئة الأمنية الإقليمية لإسرائيل باتت تشكل خطرا جديا، وربما وجوديا عليها.
وبحسب المحلل الإسرائيلي بن كسبيت، ففي ظل هذه الأوضاع، وفي حالة اندلاع الحرب (ضمنها توجيه ضربة لإيران) فإن التداعيات ستكون على النحو التالي "الرد الإيراني سيكون شديدا. سيطلق حزب الله علينا جميع ما في مستودعاته. الحديث عن عشرات آلاف القذائف الصاروخية التي تغطي مساحة دولة إسرائيل.
لن ينتهي الأمر هذه المرة إلى عشرات القتلى بل مئات وربما آلاف ويشتمل ذلك على تل أبيب.
وسيضر إضرارا شديدا بالاقتصاد والسياحة والمزاج العام والهجرة والصورة والردع. وإلى ذلك لا يمكن أن نعلم هل ستظل سوريا خارج نطاق الإطلاق. فإذا دخلت هي أيضا فسيصبح ذلك جحيما داميا ساخنا.
وما زلنا لم نتحدث عن حماس، وعن عدم هدوء متوقع في مصر، وعن زعزعة في الأردن، وعما قد تحدثه إيران بحقول النفط في الخليج والاقتصاد العالمي. (معاريف 30/4)
أما عن السيناريوهات الحربية المتوقعة، فيرى عاموس هارئيل (المحلل العسكري في هآرتس) أن إسرائيل ستجد نفسها في مواجهة أهداف مختلفة عن تلك التي خيضت من أجلها الحروب السابقة، حيث أن الأمر الآن يتعلق بحروب غير تقليدية، وفي مواجهة قوى من دول ومن غير دول، وعن حروب استنزاف وإرهاق.
وبرأيه فقد "كان هدف العدو منذ عام 1948 وحتى عام 1973 تدمير إسرائيل، احتلال أراضيها وطرد مواطنيها. هذا الهدف استبدل بالسعي للسيطرة على مكتسبات أرضية محدودة بشكل يخل بالتوازن الإقليمي. إنهم يبنون على الاستنزاف المتواصل، الذي سيضعف قدرتها على المجابهة. عبر نيران مكثفة على نقطة الضعف فيها.
الجبهة الداخلية الإسرائيلية. غدت كل مناطق إسرائيل مهددة حالياً في كل الجبهات. الهدف من صواريخ سكود تغيير معادلات الصراع مع إسرائيل، من حرب سريعة إلى حرب استنزاف". (هآرتس 16/4).
خطر الحرب الصاروخية
ويتضح من ذلك أن إسرائيل تتحسب كثيرا لسيناريو حرب استنزاف صاروخية، حيث أن حربا كهذه يمكن أن تهدد جبهتها الداخلية، وأن تخلق لها متاعب جمة، وهو سيناريو يقوض ركيزة أساسية من ركائز العقيدة العسكرية الإسرائيلية التي تتمثل في نقل المعركة إلى أرض "العدو".
ويؤكد أري شافيط على هذا التغير الإستراتيجي، وبرأيه فإن أية "حرب بين إسرائيل وإيران، سوريا وحزب الله لن تشبه أي حرب شهدناها في الماضي.
مئات الصواريخ ستسقط في تل أبيب، آلاف المواطنين سيقتلون. مئات الصواريخ ستضرب قواعد سلاح الجو وقيادات الجيش الإسرائيلي. مئات الجنود سيقتلون". (هآرتس 22/4)
ولعل هذا المتغير هو الذي يكبح جموح إسرائيل نحو شن حروب جديدة على غرار الحرب التي شنتها على لبنان 2006 وعلى غزة أواخر عام 2008.
وبحسب عاموس هارئيل فإن "إيران البعيدة بوسعها أن تطلق على إسرائيل بضع مئات من صواريخ شهاب ذات الرؤوس الحربية التقليدية.. مع شركائها خلقت كتلة من المواد المتفجرة بحجم مختلف. قدر خبير الصواريخ عوزي روبين أنه يصوب نحو إسرائيل حالياً أكثر من 13 ألف صاروخ، وعليها رؤوس حربية متفجرة تزن 1435 طناً. وهذا لا يشمل صواريخ الكاتيوشا القصيرة المدى التي يملكها حزب الله". (هآرتس 16/4)
وبنتيجة كل ذلك بات الإسرائيليون بحسب حامي شيلو يشعرون "بمقدمة العاصفة ويعلمون أن هذه الصواريخ ستطلق بيقين من قواعدها حينما يحين الوقت، وهم يدركون أن إسرائيل بعد هجوم كهذا ستكون دولة مختلفة تماما". (إسرائيل اليوم 16/4)
وكما قدمنا فإن الإستراتيجية العسكرية التي اعتمدتها إسرائيل في حروبها السابقة كانت ترتكز على التفوق العسكري وشن حرب سريعة خارج أراضيها، وحسمها بالضربة القاضية.
أما مع التهديد بالصواريخ فقد غدت المسألة مختلفة، وباتت هذه الإستراتيجية غير فاعلة، إذ أضحت الجبهة الداخلية الإسرائيلية معرضة للخطر كما حدث إبان حرب 2006 مع حزب الله، ولم يعد بالإمكان حسم المعركة بسرعة وبالضربة القاضية، والأهم أن مفهوم إسرائيل للردع لم يعد مجديا.
خطط حربية لحزب الله
إلى جانب كل من إيران وسوريا فإن إسرائيل تتوجس أيضا من الجبهة الشمالية، حيث تتنامى أمام ناظريها قوة حزب الله الصاروخية، لا سيما أن هذا الحزب أثبت جدارة كبيرة في مقاومة إسرائيل وصد اعتداءاتها، وحتى توجيه الضربات المؤلمة لها.
ومشكلة إسرائيل مع حزب الله أيضا أنه قوة شعبية، غير نظامية، بمعنى أن إسرائل لا توجد لديها قائمة أهداف محددة لضربه، إذا استثنينا محاولة اغتيال قادة من الحزب، أو ضرب بعض المنشآت التي يستخدمها.
ومعنى ذلك أن أي ضربة إسرائيلية قد تستهدف لبنان كله بحسب تصريحات القادة الإسرائيليين، لكن هذه الضربة يمكن أن تضعف لبنان والقوى الأخرى، في حين أنها ستقوي حزب الله.
وعن تعقيدات أية محاولة إسرائيلية لاستهداف حزب الله يقول عوفر شيلح "يخطئ من يفكر في مواجهة ممكنة مع حزب الله مثل المواجهات السابقة. فهناك أيضا يستخلصون الدروس. يتحصنون داخل الأرض، ويدخلون المنطقة المأهولة ويزيدون الأعداد وينتشرون على مسافة أبعد من العمق وإلى العمق". (معاريف 16/4)
وفي هذا الإطار، كانت أسبوعية "ديبكا نيت" (العدد 430، 22/1) المقربة من الاستخبارات الإسرائيلية، قد نشرت ما اعتبرته بمثابة "خطة حرب"، تفيد باحتمال قيام كل من حزب الله في لبنان، وحركة حماس في قطاع غزة بمهاجمة إسرائيل، من الشمال والجنوب، بدعوى تخفيف الضغط عن إيران، بشأن برنامجها النووي.
لذا فإن الباحث العسكري الإستراتيجي رون تيرا الذي يؤكد في دراسة له (سبتمبر 2008) عقم أو صعوبة مواجهة قوى (من دون دولة)، أو لا نظامية ليست لها قواعد وبني تحتية، ويشبهها بـ"كيس ملاكمة مليء بالريش أو بالمسامير، حيث في الحالتين فإن هذا الكيس لن ينكسر"، يدعو إسرائيل إلى "رفض قبول الأسلوب الذي وقفت فيه مقابل خصم ليس بدولة، خصم لا يملك مراكز ثقل طبيعية، والعمل بدلا منه على توسيع حدود الحرب، بحيث يتم إدخال لاعبين دول فيها مثل سوريا أو إيران أو لبنان".
ويركز تيرا بهذا الخصوص على أن مفتاح الحسم والانتصار لا يكمن في تدمير قوة العدو المقاتلة فقط، وإنما يكمن في هزيمة أسلوبه وخططه".
ومعلوم أن إسرائيل تخصص موازنات كبيرة لإنشاء منظومة دفاعية متعددة الطبقات ضد الصورايخ بأنواعها، لكن تيرا يعتقد بأن الجهود يجب أن تتركز على تأهيل الجيش وإعداده لحسم سريع لأية معركة، مما يقلل أيضا من الضربات والأضرار التي يمكن أن تتعرض لها الجبهة الداخلية.
حديث الحرب واللاحرب
على أية حال ليس ثمة يقين في إسرائيل بشأن الحرب أو اللاحرب في المنطقة، وهي سمة صاحبت التحليلات السياسية في السنتين الماضيتين في إسرائيل، وغيرها من الدول المعنية بأوضاع الشرق الأوسط، وكلها تحليلات معنية بنقاش تفاعلات السياسات المتعلقة بإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وإيران وسوريا وحزب الله.
هكذا فإن غي بخور لا يتوقع نشوء حرب في المنطقة، لماذا؟ يجيب "ليس لأحد مصلحة في حرب جديدة. لكل الأطراف الوضع الراهن مريح، والنتائج التي قد تجلبها معها الحرب رهيبة. فهل إسرائيل بالذات هي التي ستبدأ بحرب في الصيف؟ لا يوجد احتمال.
الردع الناشئ والاستقرار الذي جلبه معه يرضيان القيادة العسكرية الأمنية والسياسية. الوضع الراهن في كل الجبهات مريح لإسرائيل. أعادت إسرائيل لنفسها الردع، ناهيك عن أن ليس لها مصلحة في الحرب.
الجيش الإسرائيلي مدرب ومجهز بجيل جديد من السلاح المتقدم، وهو متحفز مثلما لم يكن منذ عشرات السنين. كل هذه ضمانة طيبة لصيف شرق أوسطي هادئ. (يديعوت أحرونوت 2/5)
أما آري شافيت فيطرح الأمر على النحو التالي "هل ستنشب حرب؟ في إسرائيل لا يزالون يؤمنون بأن القوى التي تثبت النظام في الشرق الأوسط أقوى من القوى التي تضعضعه. يؤمنون بالردع الذي يزعم أنه تحقق في الشمال وفي الجنوب في حرب لبنان الثانية وفي حملة الرصاص المصبوب. محافل دولية أخرى، تعرف المنطقة جيدا، تخشى من تصعيد عسكري مفاجئ. لا يمكن لنا أن نعرف متى تندلع الحرب القادمة. ولا يمكن أن نعرف أين؟ الشرق الأوسط أصبح برميل بارود. البركان الذي انفجر الأسبوع الماضي في أيسلندا لا يعد شيئا بالقياس إلى البركان الذي من شأنه أن يندلع في المستقبل القريب في الشرق الأوسط. ولكن البركان المحلي هو بركان بشري. أبناء البشر يغذون لهيبه وأبناء البشر يمكنهم أن يبردوه. حياة مئات الملايين متعلقة الآن بحكمة وتروي شخص واحد باراك أوباما. (آري شافيت هآرتس 22/4). الآن ومع عدم اليقين بشأن الحرب واللاحرب في المنطقة فإن الباقي يتعلق بيقين إسرائيل بتغير البيئة الأمنية الإستراتيجية المحيطة بها، وبأنها باتت في وضع دولة تواجه تهديدات إستراتيجية ووجودية، وهو وضع لم تعتد عليه.
المصدر: موقع الجزيرة/ تحليلات
2010-08-19