ارشيف من :ترجمات ودراسات

استهداف حزب الله وفقر خطاب الانقسام

استهداف حزب الله وفقر خطاب الانقسام
سيف دعنا(*)

- الدفاع عن إسرائيل
- أجراء لا شركاء
- فقر خطاب الانقسام
- المسؤولية الشعبية

ربما لم يفاجأ البعض بأن مؤتمر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الصحفي يوم التاسع من أغسطس/ آب 2010 لم يخل من مفاجآته المعهودة, لكن تجب الإشارة إلى أن تبعات هذا المؤتمر الصحفي كانت أعمق حقا مما بدا للبعض, وأنها تتجاوز موضوع المؤتمر نفسه لتظهر حقيقة وطبيعة الصراع وأطرافه ليس في لبنان فقط, بل والمنطقة.
فالانقسام بشأن المؤتمر وما تضمنه من قرائن, كما ونوعا, على المستوى العربي واللبناني, وتحديدا ما يخص فرضية تورط إسرائيل لا يدع مجالا للشك, الذي قد يكون قد ساور البعض حتى الآن, حول حقيقة وطبيعة الفرز القائم فعلا ومنذ زمن بين المشاريع المحلية, وبالتالي وبالضرورة المشاريع الإقليمية وحول حقيقة وطبيعة كل طرف من الأطراف, وأين يقف حقا كل فريق ومع من, ومن شركاء ومن خصوم كل فريق الفعليين؟
الدفاع عن إسرائيل
كان ويجب أن يكون لافتا وأكثر من مستهجن حقا, الدفاع العلني عن إسرائيل الذي أعقب المؤتمر في أكثر من مكان ومن قبل أكثر من جهة.
يمكن أن تكون هذه الحالة مؤشر أزمة حقيقية لدى أتباع أو أجراء (لكونهم ليسوا شركاء متساويين) المشروع الأميركي الإسرائيلي في المنطقة العربية, أو مؤشر أزمة جدية لمشروعهم، لا يرونها هم بذات الوضوح الذي يراه أسيادهم بسبب موقعهم الدوني في هذا المشروع.
لكن هذا الموقف بالتأكيد أكثر من مجرد ارتباك أنتجته مفاجآت المؤتمر المتعددة, وأكثر من مجرد تكتيك آني لاحتواء تبعات المؤتمر المتعددة أيضا. إنه تعبير حقيقي عن موقع ووظيفة ودور.
هل هناك تفسير للرفض القاطع حتى لإمكانية التعاطي مع فرضية تورط إسرائيل -رغم كل القرائن التي قدمها السيد نصر الله والتي لم يستطع حتى المحقق الدولي تجاوزها, ورغم كون إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تتبنى علنا الاغتيال كسياسة رسمية وتمارسه دون خجل يوميا تقريبا- غير وجود مستوى معين من الشراكة معها, أو للدقة أكثر، غير الانخراط في مستوى دوني في مشروعها الإقليمي.
هل هناك تفسير للسعي المتواصل والإصرار العنيد للنيل من حزب الله -عدو إسرائيل وعدو مشروعها الأول والطرف الوحيد الذي هزمها وأسس, بسبب هذه الهزيمة, للانقلاب الجدي على كل مفاهيم المرحلة الإسرائيلية الأميركية التي أعقبت هزيمة 1967- بالرفض القاطع لفرضية تورط إسرائيل رغم كل شيء، سوى تأكيد الطابع السياسي والمنحاز للمحكمة الذي حذر منه حزب الله منذ البداية.
هل هناك تفسير آخر حقا لكل ذلك غير كون المحكمة الدولية فعلا أداة للنيل من معارضي المشروع الإسرائيلي الأميركي في المنطقة وفي مقدمتهم حزب الله.
الانقسام على ما تضمنه المؤتمر دفع البعض, ودون أي مواراة هذه المرة, إلى أخذ مواقعهم الحقيقية ولعب دورهم المطلوب, فأضاؤوا بذلك للجميع على شبكة تحالفاتهم والمشاريع الإقليمية التي يعملون من أجلها أو في خدمتها.
الأهم, أن الحالة المتمثلة في الدفاع العلني عن إسرائيل ربما يجب أن تفرض ضرورة التدقيق في المفاهيم المستخدمة حتى اللحظة لتوصيف هذه الحالة وتوصيف أدوار بعض القوى, وتستوجب بالتالي موقفا شعبيا عربيا غير الحياد السلبي أو الاكتفاء بالتأييد الخجول للمقاومة.
فكما يبدو جليا الآن أن الخلاف ليس بين طرفي مشروع وطني واحد مختلفين في التفاصيل, أو حتى بين مشروعين وطنيين مختلفين كليا أو طرفين لهما هموم وطنية عامة.
لذلك لا يبدو الآن أن مصطلح الانقسام السياسي مفهوم دقيق لتوصيف الحالة من لبنان إلى فلسطين, ولا يبدو أنه يفي بغرض الوصف أو التحليل.
أجراء لا شركاء
هل هناك حاجة الآن, بعد بعض ردات الفعل على المؤتمر, للتمييز حقا أو ادعاء أي فرق بين الدفاع عن إسرائيل علانية والإصرار على استمرار الهجمة الدولية (الأميركية الإسرائيلية) على المقاومة من جهة, وإعلان التحالف مع إسرائيل والانخراط في مشروعها من جهة أخرى.
قد تكون مبالغة من البعض في توصيف البعض من الأجراء المحليين بشركاء في المشروع الأميركي الإسرائيلي، إذ هم ليسوا كذلك، هم ربما ليسوا أكثر من أجراء ذوي موقع دوني في المشروع, لأن تحالفهم مع إسرائيل ليس بين أطراف متساوية, وهذا ربما يفسر أحيانا الاختلاف في التصرف وردات الفعل بين صاحب المشروع والأجير.
وموقع كل طرف في المشروع (صاحب مشروع أو أجير دوني) يؤثر في قدرته على رؤية حالة المشروع وآفاقه وأزماته, فالأجير عادة ما يدرك الهزيمة والفشل متأخرا أكثر من صاحب المشروع ذاته الذي يبدو أحيانا, وليس دائما, أن إدراكه للانقلابات الجدية على مشروعه واحتمالات فشله أوضح بحكم موقعه.
وصف مالكولم إكس -أحد زعماء حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة, وتمييزه العبقري فيما يخص العلاقات العرقية في أميركا بين من سماهم "عبيد الحقل" وهم الأغلبية التي ترفض واقع الذل وتتمرد عليه, و"عبيد المنزل" وهم الأقلية التي تضحي وتبذل في سبيل من يستعبدها وتستميت من أجل صون أملاكه أكثر مما يمكن أن يفعل هو نفسه- ينطبق كثيرا على الحالة التي نعيشها اليوم في الوطن العربي.
هناك من يستميت ويخاطر في الدفاع عن إسرائيل أكثر مما تفعل هي نفسها أحيانا, وهناك من يبدي استعدادا في مواجهة ومحاربة المقاومة أكثر مما تستطيع أو حتى تتخيل إسرائيل إمكانية فعله أو تحمل نتائجه.
نعرف القليل فقط مما تسرب في الإعلام من تفاصيل عن حرب يوليو/ تموز وحرب غزة وما قام به أو ما صرح به, أو ما تمناه بعض أجراء إسرائيل المحليين, الذين ذهبوا في طلباتهم وتوقعاتهم أبعد بكثير مما كان الإسرائيلي على استعداد أو قدرة للقيام به أو تحمل نتائجه.
بعض ما نقلته وسائل الإعلام عن حرب غزة مثلا يصل وصفه بالانقسام حد العبثية حقا عند أي تفسير عقلاني.
فحين يتحفظ أو يستغرب الإسرائيلي الذي نعرف إجرامه ونراه كل يوم, على بعض ما تمناه عليه أو طلب منه القيام به بعض الأجراء المحليين, فهذا يعني أننا نحتاج إلى مفاهيم جديدة لتوصيف كل طرف، لأن ما هو سائد من مصطلحات لا يفي بالغرض ولا يصف حقا وبدقة حقيقة كل طرف.
فقر خطاب الانقسام
قد يكون مفيدا وضروريا أن نعيد النظر في مصطلح الانقسام السياسي الذي يستخدم لتوصيف الحالة التي تمر بها المنطقة، لأنه يساوي ظلما بين كل الأطراف.
فليس هذا انقساما بين أطراف مشروع وطني واحد, أو حتى بين مشروعين وطنيين متباينين جدا ويعبران حتى عن الحد الأدنى من الهموم العامة، نحن أمام -واقتبس من مالكولم إكس مرة أخرى- "عرب حقل" يحملون مشروعا وطنيا ويعبرون عن هموم عامة حقيقية يرفضون الذل والعبودية ويتمردون عليهما, و"عرب منزل" مثلهم مثل "عبيد منزل" السيد الأبيض, يذهبون إلى حد التضحية بأنفسهم لإطفاء الحريق المشتعل في بيوت أسيادهم أكثر مما يفعل صاحب البيت المشتعل نفسه, كما يقول مالكولم إكس.
من أجل أن نرى وندرك حقيقة ما يحصل, علينا التحرر جديا وكليا من خطاب الانقسام السائد وتبعاته. خطاب الانقسام لا يساوي فقط بين الأطراف المحلية غير المتساوية أصلا بالتزامها بالهم العام والمشاريع الوطنية, ولا يعكس على الإطلاق موقع كل طرف الحقيقي في الصراع الدائر حول المنطقة وفيها.
بل إن هذا الخطاب يعطي, استتباعا لما سبق, تشريعا فعليا ويؤسس لشرعية موقع بعض الأطراف وبالتالي يبرر العمل الذي يقوم به أجراء المشروع الأميركي الإسرائيلي المحليين في خدمة مشروع يستهدف تأبيد إخضاع المنطقة العربية.
القبول الساذج بمنطق خطاب الانقسام يجعل من رؤية ما يجري والتعبير عنه أو توصيف حقيقته، ومن حقيقة موقف كل طرف من المحرمات أمرا يضيق أفق الناس ويقيد إمكانية حركتهم وحركة المقاومة في مواجهة استهدافهم المتواصل, في حين يعطي أجراء إسرائيل مجالا رحبا للمناورة.
ربما يجدر بنا وكخطوة أولى البدء بتكسير هذه المحرمات, وأصنام خطاب الانقسام والمرحلة الإسرائيلية, وتسمية الأشياء بأسمائها.
التحرر من خطاب الانقسام واستبداله بخطاب يصف بدقة أكثر طبيعة وحقيقة ما يجري, وطبيعة وحقيقة كل طرف سيحرر المقاومة من بعض القيود التي تكبلها ويسهل لها الدفاع عن نفسها وعن الناس دون الاكتراث بدعايات التساوي بين الأطراف المزور, والتهويل المستمر من شبح الفتنة الذي لا يجد شرعية إلا في سياق خطاب الانقسام هذا.
فالتحدي الذي يواجه المقاومة لا يقتصر على العدو وقوته التي لا تزال المقاومة تبدع في التعامل معها ومواجهتها (من سقوط الميركافاه لسقوط أم كا, أو من سقوط أم كا لسقوط الميركافاه), ولا يقتصر أيضا على التحدي الذي يشكله هؤلاء الأجراء المحليون للمشروع الأميركي الإسرائيلي للمقاومة، بل أيضا, وربما ليس أقل أهمية, هو تحد لطريقة التفكير السائدة التي تكبل المقاومة وتقيد إمكانية فعلها.
ربما تكون هذه وظيفة المثقفين وصناع الرأي العام والثقافة، لا أن يقوموا فقط بوصف حقيقة ما يجري بتحرر تام من خطاب الانقسام السائد, بل عليهم العمل على نقلنا من منطقة إلى أخرى في رؤية الأمور, وتعميم طريق بديلة في التفكير تبدأ بكشف زور ما يعمم على أنه محرمات (شخصيات بعينها, رموز صنعتها حنكتها الإعلامية لا عملها الوطني, أساطير تعمم دون أدنى سؤال عن معناها الحقيقي, الحكم على وتفكيك المشروع والنهج لا التركيز على ما يصدر من فرد حسن النية ويسوق زورا كممثل لنهج أو فكرة أو تيار سياسي).
كما أن عليهم تعميم خطاب وثقافة سياسية بديلة تؤسس لتحرير المقاومة حقا من القيود المحلية في وقت تواجه فيه الكيان الصهيوني.
المطلوب خطاب بديل يقيد أجراء إسرائيل المحليين ويحرر المقاومة, لا العكس كما هي الحال اليوم في ظل سيادة خطاب الانقسام.
المسؤولية الشعبية
يبقى أن القضية كذلك أبعد من سؤال التوصيف ذاته, فكل حالة جديدة, أو توصيف جديد يستدعي ويستتبع بالضرورة موقفا سياسيا وفعلا شعبيا من الناس بالدرجة الأولى، لأن مصالحهم وكرامتهم ومستقبلهم هي التي على المحك.
لذلك, فإحدى تبعات ما بعد المؤتمر هي الامتحان الذي يتعرض له العرب للدفاع عن أنفسهم بالدفاع عن المقاومة.
قد يكون حزب الله قد أحسن فعلا ومنذ انطلاقته بالاعتماد على نفسه وعلى قواه الذاتية للدفاع عن نفسه وعن الناس, بدل الرهان غير المضمون على أية قوى أخرى, رسمية كانت أو حتى شعبية, وربما يكون هذا أحد أسباب نجاحه.
لكن هذا لا يعفي الجماهير العربية على الإطلاق من مسؤولياتها في الدفاع عن نفسها والالتفاف حول المقاومة التي تستهدف أساسا لالتزامها بحقوق العرب وكرامتهم. فالالتفاف حول المقاومة وإسنادها هو الذي سيجعل إمكانية الاستهداف أصعب بكثير, ويسهل بالتالي إنقاذ المنطقة مما يُعد لها.
استهداف حزب الله هو بالأساس استهداف للفكرة التي ترى العرب شعبا ذا كرامة وحقوق ويرفضون أن تكون أوطانهم تابعة وأبناؤهم عبيدا في شرق أوسط تحكمه إسرائيل.
استهداف المقاومة وحزب الله هما عنوان استهداف فكرة حزب الله التي تعززت بعد انتصار مايو/ أيار ويوليو/ تموز القائلة بأن بإمكان العرب ليس فقط مواجهة إسرائيل بل وهزيمتها أيضا وتحرير أراضيهم وتحرير أنفسهم.
والمحكمة الدولية في سياق الصراع القائم ليست أكثر من أداة للانقلاب على نتائج انتصار المقاومة وهزيمة إسرائيل في مايو/ أيار 2000, ويوليو/ تموز 2006.
وهي كذلك محاولة للانقلاب على فكرة حزب الله التي يدرك أثرها العدو للأسف أكثر من صاحب الشأن, ويسعى باستمرار لتشويهها والنيل منها ومن أصحابها بمساعدة الأجير المحلي.
المؤتمر الصحفي الأخير للسيد نصر الله كان حلقة في هذه المواجهة الشاملة, وتأكيدا إضافيا على صحة الفكرة.
المصدر: موقع الجزيرة/ تحليلات
2010-08-19