ارشيف من :ترجمات ودراسات

الحرب الأخيرة

الحرب الأخيرة
عبد الزهرة الركابي(*)
على فرضية وحتمية أن الحرب آتية في المنطقة، أكملت الدولة الصهيونية تدريباتها ومناوراتها العسكرية التي كان بعضها بمشاركة أمريكية، وهذه التدريبات جرت في أجواء مشابهة لحروبها السابقة على لبنان، مع تطويرات تتعلق بمعالجة الصواريخ باتجاهات ثلاثة واحتواء التكتيكات والأسلحة المتطورة التي من المتوقع استخدامها من قبل المقاومة اللبنانية على نحو خاص . هذا على الجانب الدفاعي، وفي الجانب الهجومي تم وضع خطة للتوغل البري السريع بغرض الوصول إلى خاصرة سوريا المتمثلة في سهل البقاع اللبناني، وكذلك التدرب على تكتيكات الغارات الجوية على الأنفاق والدهاليز التي تتحصن عناصر المقاومة فيها .
في المقابل تؤكد المقاومة اللبنانية، أنها الطرف المباشر والمقابل للدولة الصهيونية في الحرب المتوقعة، على الرغم من أن “إسرائيل” وضعت في حسبانها أن سوريا ستكون هي الأخرى طرفاً مباشراً، ولن تكتفي بالدعم اللوجستي في هذه الحرب، وكذلك فإن إيران ستكون طرفاً مباشراً وغير مباشر في آن واحد .
لهذا، تواصلت تدريبات المقاومة اللبنانية بالأوضاع الثابتة والمتحركة مع تخصيص جانب من هذه التدريبات على الدفاع الجوي، بعدما تردد عن حصول المقاومة على أنظمة متطورة في هذا الجانب، تُستخدم بحملها على الكتف أو على آليات وشاحنات خفيفة مثل نظام الدفاع الجوي (بانستير) الروسي الحديث والمتطور . واللافت في هذه التدريبات، هو تركيزها على القتال الليلي الذي يُعتبر لصالح المقاومة التي كسبت أكثر من جولة فيه، على الرغم من أنها في ذلك الحين لم تكن بحوزتها أجهزة الرؤية الليلية، وتزامنت وتماهت في آن هذه التدريبات مع الاستعدادات والتحضيرات الميدانية، حيث أقامت المقاومة خطاً دفاعياً في سهل البقاع لحماية دمشق من أي خرق أو التفاف “إسرائيلي” يستهدفها، وبمشاركة من فصائل فلسطينية متواجدة في المنطقة أصلاً، حتى يتسنى للقوات السورية عدم إشغالها من جهة الغرب . ويعتقد مراقبون، أن السوريين سيفتحون جبهة الجولان لتحقيق هدفين: الأول أنهم يمتلكون قدرة صاروخية متفوقة في مقابل تفوق الطيران “الإسرائيلي”، الأمر الذي يردع الدولة الصهيونية استهداف البنية التحتية والأهداف الحيوية في العمق السوري، وهو واقع يعيه “الإسرائيليون” جيداً، بدلالة تدريباتهم الأخيرة التي كانت محاولة منهم للحد من الخسائر التي ستحدثها هذه الصواريخ إذا ما اندلعت هذه الحرب .
والآخر إذا كانت المقاومة اللبنانية قد أشغلت ربع الجيش “الإسرائيلي” في حرب تموز وهي في وضع دفاعي، فعلى الأرجح أن هذه المقاومة ستشغل ثلث هذا الجيش كحد أدنى، وربما نصفه كحد أقصى، مع احتمال راجح وفحواه الانتقال إلى تكتيك هجومي من خلال الدخول إلى مناطق منتقاة ومهمة في شمال فلسطين، لمؤازرة هجوم سوري استباقي على ثلاثة محاور في هضبة الجولان، وذلك لمنع خطة “الإسرائيليين” الرامية إلى نقل المعركة إلى العمق السوري .
وهذا يعني أن المتبقي من الجيش “الإسرائيلي” ستحتويه جبهة الجولان التي ستشهد حرباً أخيرة أو هي الفرصة الأخيرة لتحرير هذه الهضبة من الاحتلال “الإسرائيلي”، لأن نتائج هذه المعطيات لن تكون في صالح الدولة الصهيونية، إذ إن هذه المعطيات ستكون موجودة على الأرض، وستمتد تأثيراتها السياسية إلى مرحلة ما بعد هذه الحرب بالنسبة لعملية السلام .
وعلى كل حال، فإن جبهة غزة ستشغل جزءاً من جيش الاحتياط “الإسرائيلي”، بيد أن المقاومة اللبنانية ووفقاً لتصوراتها الإستراتيجية الخاصة بها، وعلى صعيد التطوير الميداني للعمليات العسكرية وحسبما يعتقد المحللون والخبراء، بمقدورها القيام بعمليات التفاف واختراق واسعين لشمال فلسطين (الحدود الشمالية لفلسطين)، من خلال استخدام عدة آلاف من وحدات المقاتلين الخاصة والمدربة على حرب المدن وحرب العصابات لفرض السيطرة على أجزاء واسعة من المناطق الشمالية وفي الجليل ومنطقة إصبع الجليل، وسيكون لذلك أثره البالغ في التوازنات الخاصة بقواعد الاشتباك، وحيث تتمكن قوة عربية ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي “الإسرائيلي” من فرض سيطرتها على مستعمرات وبلدات “إسرائيلية”، ومن الطبيعي أن مثل هذا المكسب المعنوي والميداني إذا ما تحقق جزئياً على أقل تقدير، فإنه كفيل بتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة مثل مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، في وقت متزامن مع التكتيك الهجومي السوري في هضبة الجولان، الذي سيفرض معطياته ميدانياً وسياسياً .
(*) المصدر: موقع دار الخليج
2010-08-23