ارشيف من :ترجمات ودراسات
المنطقة على فوهة بركان
على جرادات (*)
في المشهد العربي، والمشهد الشرق أوسطي عموماً، ثمة حراك سياسي لافت ونشاط دبلوماسي محموم، ما يشي بأن ترتيباً سياسياً يجري طبخه لحسم ملفات الصراع الساخنة والمتشابكة في المنطقة . ولما كانت التسوية السياسية المتوازنة لهذه الملفات مستبعدة من منظور صهيوني أمريكي، تكون الحرب خياراً مفتوحاً للحسم وفرض الرؤى . فالحرب تغدو ضرورة لحسم الصراعات عندما تعجز الآليات السياسية عن حلها حلاً متوازناً يراعي ميزان القوى، ويأخذ مصالح الأطراف كافة بعين الاعتبار، فما بالكم عندما تُستبعَد التسوية السياسية مبدئياً كآلية لحل صراعات المنطقة، اللهم إلا إذا جاءت على مقاس الرؤية الصهيونية الأمريكية وشروطها؟
عندما انضم الداخل الأمريكي وحلفاء دوليين نافذين للبيت الأبيض إلى رفع الصوت ضد مقاربات إدارة المحافظين الجدد في التعامل مع ملفات الصراع في الشرق الأوسط، وخاصة بعد تشكيل وتوصيات (انتقادات) لجنة بيكر هاملتون، توهم كثيرون أن البيت الأبيض يتجه نحو معالجة أكثر توازناً، (ولا نقول أكثر عدالة)، لصراعات الشرق الأوسط تحديداً، لا سيما الملف الإيراني، وملف الصراع العربي الصهيوني، وجوهره القضية الفلسطينية، على ما بين الملفين من تشابكات واقعية باتت واضحة في سوريا ولبنان وفلسطين . وقد عزز هذه القراءة الواهمة فوز أوباما، وما أبداه من اعتدال ظاهري وشكلي . وقد نسي أصحاب هذه القراءة التي لم تقتصر على ما يسمى ب”معسكر الاعتدال” في المنطقة، أن توصيات (انتقادات) لجنة بيكر هاملتون، وكذا الاعتدال الظاهري الشكلي في خطاب أوباما غداة فوزه، لم تكن سوى استدارة تكتيكية لاحتواء والتغلب على المصاعب والانتكاسات الأمريكية في العراق وأفغانستان، وأن هذه الاستدارة لم ترتقِ إلى حدود القطع مع العناوين الأساسية في مقاربة المحافظين الجدد، والمتمثلة جوهراً في:
1ـ ضمان الهيمنة الأمريكية السياسية والاقتصادية والأمنية المطلقة على المنطقة، حتى لو تطلب الأمر شن المزيد من الحروب وابتداع المزيد من أشكال “الفوضى الخلاقة” للفتن والصراعات السياسية والطائفية والمذهبية، من على قاعدة أن ما لا يحل بالقوة والفتن يحل بالمزيد من القوة والفتن .
2ـ عدم المساس بالتحالف الاستراتيجي الاستثنائي بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وضمان، بل وتعزيز، تفوق هذا الكيان على ما عداه من دول وقوى الشرق الأوسط حتى لو كانت من حلفاء أمريكا الاستراتيجيين والدائرين في فلكها بثبات .
بلى، لقد برهنت إدارة أوباما مؤخراً، وعبر الوقائع الأخيرة لسياستها الشرق أوسطية، أن اختلافها مع إدارة المحافظين الجدد الراحلة، لا يعدو كونه اختلافاً تكتيكياً وشكلياً، اقتضته معطيات سياسية محددة تتعلق بمصاعب وانتكاسات واجهها المخطط الأمريكي الصهيوني للهيمنة المطلقة على منطقة الشرق الأوسط، وأن هذا الاختلاف لم يرتقِ إلى مستوى معالجة صراعات المنطقة، والأساسي منها تحديداً، بالآليات السياسية المنضبطة لمستجدات ميزان القوى، وأخذ مصالح الأطراف كافة بعين الاعتبار، ما يعني أن خيار شن المزيد من الحروب وحبك المزيد من الفتن الداخلية ما زال مفتوحاً على مصراعيه . وفي هذا تبديد لأوهام كل مَن “طاش على شبر ماء” الاعتدال الظاهري في خطاب الرئيس الأمريكي غداة توليه للسلطة، إذ لم يمضِ زمن طويل حتى “لحس” السيد الجديد للبيت الأبيض كل ما أشاعه حول نفسه من ليبراية زائفة واعتدال شكلي، وشواهد ذلك في القول والممارسة أكثر من أن تحصى، ويتمثل الجوهري والبارز منها في:
1ـ الاستدارة السياسية الكاملة تجاه القضية الفلسطينية كجوهر للصراع العربي الصهيوني عقب لقاء أوباما نتنياهو الأخير، حيث انقلب الرئيس الأمريكي رأساً على عقب على ما أظهره لفترة وجيزة من اعتدال تكتيكي، وعاد لسياسة التبني الكامل للرؤية الصهيونية، بل التغطية الكاملة على ممارسات أشد تعبيرات هذه الرؤية تطرفاً وفاشية، أي صلف سياسة حكومة نتنياهو ليبرمان المعزولة، الحكومة التي تطغى عليها لغة التهويد والاستيطان والحصار والحروب، ويخلو برنامجها من أية توجهات سياسية في معالجة الصراعات، ما حدا بزعيمة المعارضة الصهيونية للقول: لا يوجد لدى حكومة نتنياهو أي أفق سياسي . هذه الحكومة أصبحت في نظر أوباما في ليلة وضحاها، وبقدرة قادر، مجازِفة من أجل السلام ومستعِدّة لاستحقاقاته، ما أفضى إلى ما يمارس على الفلسطينيين والعرب من ضغوط أمريكية، بل إنذارات، تدعوهم إلى الانصياع للإملاءات الصهيونية، والعودة إلى جحيم عبثية عقدين من التفاوض المنفرد المباشر، التفاوض الذي لم يفضِ إلا إلى تآكل الموقف الفلسطيني والعربي وعجزه، ناهيك عن التغطية على تكريس وقائع الرؤية الصهيونية على الأرض .
2ـ العودة لسياسة قرع طبول الحرب والتلويح بها في معالجة الملف النووي الإيراني، واللعب على وتر مخاطر تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة على المصالح العربية، والتعبئة بأن التناقض الرئيسي للعرب لم يعد مع الكيان الصهيوني وتحالفه الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، بل مع إيران وطموحاتها الإقليمية .
3ـ العودة إلى انتهاج سياسة شديدة السفور في انحيازها للكيان الصهيوني، والتغطية على ما يرتكبه من جرائم حرب موصوفة، حتى لو ارتكبت بحق دول لها تحالف استراتيجي مع البيت الأبيض، بل وتقيم علاقات تعاون استراتيجي مع الكيان الصهيوني نفسه، كما حدث مع تركيا، وإلا ما معنى اشتراط التسليح الأمريكي للجيش التركي بالموقف من الكيان الصهيوني، رغم سفور مجزرة سفينة مرمرة، وسعة ما تعرضت له من إدانة رسمية وشعبية غير مسبوقة، على المستويين الدولي والإقليمي .
بهذا يكون أوباما قد تجاوز قواعد المحافظين الجدد في الانحياز الأمريكي للكيان الصهيوني، فلم يعد السكوت على جرائم الكيان الصهيوني وفظاعاته بحق الفلسطينيين، شرطاً كافياً لدعم أمريكا لحلفائها، بل إن على هؤلاء الحلفاء، حتى لو كانوا بوزن تركيا، السكوت على الجرائم الصهيونية بحق أنفسهم، بصرف النظر عن ما يعنيه ذلك من انتهاك لسيادتهم وزعزعة لاستقرار مجتمعاتهم .
عليه، يتضح أن مقاربة إدارة أوباما لصراعات المنطقة هي ذاتها مقاربة المحافظين الجدد، إن لم تكن أسوأ في بعض عناوينها، ما يضع المنطقة على فوهة بركان، يعمل الثالوث الصهيوني، نتنياهو ليبرمان باراك، على التسريع في انفجاره، والأرجح أن مخططهم يقوم على حصر الانفجار ما أمكن في لبنان، فهل هذا ممكن؟
(*) المصدر: موقع دار الخليج
في المشهد العربي، والمشهد الشرق أوسطي عموماً، ثمة حراك سياسي لافت ونشاط دبلوماسي محموم، ما يشي بأن ترتيباً سياسياً يجري طبخه لحسم ملفات الصراع الساخنة والمتشابكة في المنطقة . ولما كانت التسوية السياسية المتوازنة لهذه الملفات مستبعدة من منظور صهيوني أمريكي، تكون الحرب خياراً مفتوحاً للحسم وفرض الرؤى . فالحرب تغدو ضرورة لحسم الصراعات عندما تعجز الآليات السياسية عن حلها حلاً متوازناً يراعي ميزان القوى، ويأخذ مصالح الأطراف كافة بعين الاعتبار، فما بالكم عندما تُستبعَد التسوية السياسية مبدئياً كآلية لحل صراعات المنطقة، اللهم إلا إذا جاءت على مقاس الرؤية الصهيونية الأمريكية وشروطها؟
عندما انضم الداخل الأمريكي وحلفاء دوليين نافذين للبيت الأبيض إلى رفع الصوت ضد مقاربات إدارة المحافظين الجدد في التعامل مع ملفات الصراع في الشرق الأوسط، وخاصة بعد تشكيل وتوصيات (انتقادات) لجنة بيكر هاملتون، توهم كثيرون أن البيت الأبيض يتجه نحو معالجة أكثر توازناً، (ولا نقول أكثر عدالة)، لصراعات الشرق الأوسط تحديداً، لا سيما الملف الإيراني، وملف الصراع العربي الصهيوني، وجوهره القضية الفلسطينية، على ما بين الملفين من تشابكات واقعية باتت واضحة في سوريا ولبنان وفلسطين . وقد عزز هذه القراءة الواهمة فوز أوباما، وما أبداه من اعتدال ظاهري وشكلي . وقد نسي أصحاب هذه القراءة التي لم تقتصر على ما يسمى ب”معسكر الاعتدال” في المنطقة، أن توصيات (انتقادات) لجنة بيكر هاملتون، وكذا الاعتدال الظاهري الشكلي في خطاب أوباما غداة فوزه، لم تكن سوى استدارة تكتيكية لاحتواء والتغلب على المصاعب والانتكاسات الأمريكية في العراق وأفغانستان، وأن هذه الاستدارة لم ترتقِ إلى حدود القطع مع العناوين الأساسية في مقاربة المحافظين الجدد، والمتمثلة جوهراً في:
1ـ ضمان الهيمنة الأمريكية السياسية والاقتصادية والأمنية المطلقة على المنطقة، حتى لو تطلب الأمر شن المزيد من الحروب وابتداع المزيد من أشكال “الفوضى الخلاقة” للفتن والصراعات السياسية والطائفية والمذهبية، من على قاعدة أن ما لا يحل بالقوة والفتن يحل بالمزيد من القوة والفتن .
2ـ عدم المساس بالتحالف الاستراتيجي الاستثنائي بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وضمان، بل وتعزيز، تفوق هذا الكيان على ما عداه من دول وقوى الشرق الأوسط حتى لو كانت من حلفاء أمريكا الاستراتيجيين والدائرين في فلكها بثبات .
بلى، لقد برهنت إدارة أوباما مؤخراً، وعبر الوقائع الأخيرة لسياستها الشرق أوسطية، أن اختلافها مع إدارة المحافظين الجدد الراحلة، لا يعدو كونه اختلافاً تكتيكياً وشكلياً، اقتضته معطيات سياسية محددة تتعلق بمصاعب وانتكاسات واجهها المخطط الأمريكي الصهيوني للهيمنة المطلقة على منطقة الشرق الأوسط، وأن هذا الاختلاف لم يرتقِ إلى مستوى معالجة صراعات المنطقة، والأساسي منها تحديداً، بالآليات السياسية المنضبطة لمستجدات ميزان القوى، وأخذ مصالح الأطراف كافة بعين الاعتبار، ما يعني أن خيار شن المزيد من الحروب وحبك المزيد من الفتن الداخلية ما زال مفتوحاً على مصراعيه . وفي هذا تبديد لأوهام كل مَن “طاش على شبر ماء” الاعتدال الظاهري في خطاب الرئيس الأمريكي غداة توليه للسلطة، إذ لم يمضِ زمن طويل حتى “لحس” السيد الجديد للبيت الأبيض كل ما أشاعه حول نفسه من ليبراية زائفة واعتدال شكلي، وشواهد ذلك في القول والممارسة أكثر من أن تحصى، ويتمثل الجوهري والبارز منها في:
1ـ الاستدارة السياسية الكاملة تجاه القضية الفلسطينية كجوهر للصراع العربي الصهيوني عقب لقاء أوباما نتنياهو الأخير، حيث انقلب الرئيس الأمريكي رأساً على عقب على ما أظهره لفترة وجيزة من اعتدال تكتيكي، وعاد لسياسة التبني الكامل للرؤية الصهيونية، بل التغطية الكاملة على ممارسات أشد تعبيرات هذه الرؤية تطرفاً وفاشية، أي صلف سياسة حكومة نتنياهو ليبرمان المعزولة، الحكومة التي تطغى عليها لغة التهويد والاستيطان والحصار والحروب، ويخلو برنامجها من أية توجهات سياسية في معالجة الصراعات، ما حدا بزعيمة المعارضة الصهيونية للقول: لا يوجد لدى حكومة نتنياهو أي أفق سياسي . هذه الحكومة أصبحت في نظر أوباما في ليلة وضحاها، وبقدرة قادر، مجازِفة من أجل السلام ومستعِدّة لاستحقاقاته، ما أفضى إلى ما يمارس على الفلسطينيين والعرب من ضغوط أمريكية، بل إنذارات، تدعوهم إلى الانصياع للإملاءات الصهيونية، والعودة إلى جحيم عبثية عقدين من التفاوض المنفرد المباشر، التفاوض الذي لم يفضِ إلا إلى تآكل الموقف الفلسطيني والعربي وعجزه، ناهيك عن التغطية على تكريس وقائع الرؤية الصهيونية على الأرض .
2ـ العودة لسياسة قرع طبول الحرب والتلويح بها في معالجة الملف النووي الإيراني، واللعب على وتر مخاطر تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة على المصالح العربية، والتعبئة بأن التناقض الرئيسي للعرب لم يعد مع الكيان الصهيوني وتحالفه الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، بل مع إيران وطموحاتها الإقليمية .
3ـ العودة إلى انتهاج سياسة شديدة السفور في انحيازها للكيان الصهيوني، والتغطية على ما يرتكبه من جرائم حرب موصوفة، حتى لو ارتكبت بحق دول لها تحالف استراتيجي مع البيت الأبيض، بل وتقيم علاقات تعاون استراتيجي مع الكيان الصهيوني نفسه، كما حدث مع تركيا، وإلا ما معنى اشتراط التسليح الأمريكي للجيش التركي بالموقف من الكيان الصهيوني، رغم سفور مجزرة سفينة مرمرة، وسعة ما تعرضت له من إدانة رسمية وشعبية غير مسبوقة، على المستويين الدولي والإقليمي .
بهذا يكون أوباما قد تجاوز قواعد المحافظين الجدد في الانحياز الأمريكي للكيان الصهيوني، فلم يعد السكوت على جرائم الكيان الصهيوني وفظاعاته بحق الفلسطينيين، شرطاً كافياً لدعم أمريكا لحلفائها، بل إن على هؤلاء الحلفاء، حتى لو كانوا بوزن تركيا، السكوت على الجرائم الصهيونية بحق أنفسهم، بصرف النظر عن ما يعنيه ذلك من انتهاك لسيادتهم وزعزعة لاستقرار مجتمعاتهم .
عليه، يتضح أن مقاربة إدارة أوباما لصراعات المنطقة هي ذاتها مقاربة المحافظين الجدد، إن لم تكن أسوأ في بعض عناوينها، ما يضع المنطقة على فوهة بركان، يعمل الثالوث الصهيوني، نتنياهو ليبرمان باراك، على التسريع في انفجاره، والأرجح أن مخططهم يقوم على حصر الانفجار ما أمكن في لبنان، فهل هذا ممكن؟
(*) المصدر: موقع دار الخليج