ارشيف من :ترجمات ودراسات
“إسرائيل” والبحث عن بديل لتركيا
محمد نور الدين(*)
لفتت الاهتمام الزيارة التي قام بها رئيس حكومة “إسرائيل” بنيامين نتنياهو إلى اليونان يوم الاثنين في 16 أغسطس/ آب الجاري والمحادثات التي أجراها مع رئيس حكومة اليونان يورغو باباندريو .
المعلومات التي نقلتها وكالات الأنباء أشارت إلى أن الهدف الأساسي من الزيارة هو البحث عن بدائل لتركيا بعد التوتر معها من أجل قواعد تتحرك فيها “إسرائيل” عسكرياً وأمنياً .
الخبر ليس مفاجئاً بل يمكن القول إنه ليس جديداً ولا يرتبط بالتوتر الأخير مع تركيا في نهاية مايو/ أيار الماضي بشأن الاعتداء على أسطول الحرية .
البحث “الإسرائيلي” عن “بدائل” لتركيا لم يرتبط فقط بالتوتر مع تركيا ولا مع احتمال خسارة صداقتها وتحالفها المستمر معها رغم كل التوترات الأخيرة .
حتى في ذروة الاستقطاب الثنائي كانت “إسرائيل” تتغلغل داخل الكتلة الاشتراكية في اتفاقيات متنوعة كان أبرزها التعاون السري مع رومانيا والتواصل مع بولندا، من دون أن نهمل التقاطعات مع روسيا أو الاتحاد السوفييتي نفسه .
واستمر هذا التعاون بعد انتهاء الحرب الباردة وقامت روسيا بتقديم أكبر الخدمات في تاريخ “إسرائيل” إلى الكيان الصهيوني عبر السماح بهجرة أكثر من مليون روسي بعضهم من أصل يهودي وبعضهم ادّعي أنه من أصل يهودي، وكانوا يرفدون الدولة الصهيونية بخزان بشري أشد ما تحتاج إليه وهي هجرة لا تزال مستمرة حتى اليوم، كذلك فإن التعاون العسكري الحالي مع روسيا لا يزال قائماً .
بل إن المواقف السياسية لروسيا في السنوات التي تلت الحرب الباردة وحتى الآن كانت تصب في مصلحة “إسرائيل” . وتكفي الإشارة إلى تأييد روسيا أو عدم عرقلة قرارات لمجلس الأمن الدولي ضد لبنان وسوريا والفلسطينيين وإيران مثالاً على ما نذهب إليه .
وإذا عدنا إلى مرحلة أكثر قرباً، فالجميع يذكر حادثة طائرة الهليكوبتر “الإسرائيلية” منذ مدة في رومانيا ومقتل ستة جنود “إسرائيليين” على متنها . وقد تبين أنها كانت تجري مناورات عسكرية مع الجيش الروماني، وهو ما لم يكن معروفاً من قبل .
إن إجراء مناورات مشتركة بين “إسرائيل” وعدد كبير من الدول ليس مستبعداً وقد يكون مع دول لا يمكن الظن لحظة أنها في علاقة مع “إسرائيل” .
اليوم تذهب “إسرائيل” إلى اليونان . ولليونان تاريخ حافل بالوقوف إلى جانب القضايا العربية . وفي ذروة وقوف اليونان وأسرة باباندريو وقبرص بزعامة المطران مكاريوس إلى جانب القضية الفلسطينية والعرب ضد العدوان “الإسرائيلي” كانت تركيا المسلمة بقيادة حكوماتها العلمانية، ومنها ما كانت لها صبغة إسلامية مثل حكومات عدنان مندريس في الخمسينيات وطورغوت اوزال في الثمانينيات، تقف إلى جانب “إسرائيل” وتتعاون معها ومع أمريكا ضد العرب ونضالهم ضد “إسرائيل” المغتصبة والعدوانية .
لم تتغير اليونان كثيراً عن السابق وبقيت وفية للقضية الفلسطينية . وإذا كان الصراع التركي اليوناني أحد عوامل الفرز بينهما تجاه العالم العربي في السابق، فإن التقارب الحالي بين تركيا واليونان ليس العامل المحدد لتغيير طبيعة السياسات “الإسرائيلية” تجاه اليونان أو تركيا .
إذ على الرغم من كون اليونان عضواً في الأطلسي لكنها لا تزال تحتفظ بعلاقات ممتازة مع الشعب العربي وتتبع سياسات إنسانية مع الحق الفلسطيني .
لذا فإن محاولة “إسرائيل” التوجه إلى اليونان للبحث في علاقات عسكرية معها تعوض فقدان المجال التركي أمام طائراتها العسكرية إنما هي مبادرة خبيثة . أولاً من أجل بث الشكوك في العلاقات العربية الجيدة مع اليونان ونحن نولي المسؤولين اليونانيين الثقة بأنهم لن يستعيضوا العلاقات الجيدة والتاريخية مع العرب بعلاقات مع دولة مغتصبة ومحتلة وعدوانية مثل “إسرائيل” وستكون اليونان هي الخاسرة من مثل أي تغيير في سياساتها .
والثاني هو بث اسفين بين أنقرة وأثينا اللتين تتحسن علاقاتهما بسرعة قوية إلى درجة أن اليونان أصبحت من أكبر الداعين لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي .
ولعل في حركة بنيامين نتنياهو تجاه اليونان، ثالثاً، ما هو أهم وهو محاولة للضغط على تركيا لتعيد علاقاتها العسكرية مع “إسرائيل” كما كانت قبل الاعتداء على أسطول الحرية . وإذا كانت تركيا، هنا، حاسمة في القول إنه إذا كانت “إسرائيل” تريد تطبيع العلاقات مع تركيا فعليها على الأقل الاعتذار عن الهجوم على أسطول الحرية وتقديم تعويضات ورفع الحصار عن غزة، فإن “إسرائيل” لا يمكن أن تستغني عن تركيا نظراً لأن تركيا تحيط بدول معادية لها وهي سوريا والعراق وإيران، و لا يمكن لأي بلد آخر أن يحل محل تركيا لجهة الأهمية ل “إسرائيل” . وهذا ما يجب أن يتنبه له الأتراك ويدركوا أن أية علاقات مستقبلية مع “إسرائيل” لن تكون لتركيا أكثر أهمية من علاقات جيدة مع دول جارة وأصلية مثل العرب والمسلمين، لا دخيلة وغريبة مثل “إسرائيل”، وتركيا لن تجازف وتخسر كل إنجازاتها تحت ضغوط أمريكا و”إسرائيل” .
(*) المصدر: موقع دار الخليج
لفتت الاهتمام الزيارة التي قام بها رئيس حكومة “إسرائيل” بنيامين نتنياهو إلى اليونان يوم الاثنين في 16 أغسطس/ آب الجاري والمحادثات التي أجراها مع رئيس حكومة اليونان يورغو باباندريو .
المعلومات التي نقلتها وكالات الأنباء أشارت إلى أن الهدف الأساسي من الزيارة هو البحث عن بدائل لتركيا بعد التوتر معها من أجل قواعد تتحرك فيها “إسرائيل” عسكرياً وأمنياً .
الخبر ليس مفاجئاً بل يمكن القول إنه ليس جديداً ولا يرتبط بالتوتر الأخير مع تركيا في نهاية مايو/ أيار الماضي بشأن الاعتداء على أسطول الحرية .
البحث “الإسرائيلي” عن “بدائل” لتركيا لم يرتبط فقط بالتوتر مع تركيا ولا مع احتمال خسارة صداقتها وتحالفها المستمر معها رغم كل التوترات الأخيرة .
حتى في ذروة الاستقطاب الثنائي كانت “إسرائيل” تتغلغل داخل الكتلة الاشتراكية في اتفاقيات متنوعة كان أبرزها التعاون السري مع رومانيا والتواصل مع بولندا، من دون أن نهمل التقاطعات مع روسيا أو الاتحاد السوفييتي نفسه .
واستمر هذا التعاون بعد انتهاء الحرب الباردة وقامت روسيا بتقديم أكبر الخدمات في تاريخ “إسرائيل” إلى الكيان الصهيوني عبر السماح بهجرة أكثر من مليون روسي بعضهم من أصل يهودي وبعضهم ادّعي أنه من أصل يهودي، وكانوا يرفدون الدولة الصهيونية بخزان بشري أشد ما تحتاج إليه وهي هجرة لا تزال مستمرة حتى اليوم، كذلك فإن التعاون العسكري الحالي مع روسيا لا يزال قائماً .
بل إن المواقف السياسية لروسيا في السنوات التي تلت الحرب الباردة وحتى الآن كانت تصب في مصلحة “إسرائيل” . وتكفي الإشارة إلى تأييد روسيا أو عدم عرقلة قرارات لمجلس الأمن الدولي ضد لبنان وسوريا والفلسطينيين وإيران مثالاً على ما نذهب إليه .
وإذا عدنا إلى مرحلة أكثر قرباً، فالجميع يذكر حادثة طائرة الهليكوبتر “الإسرائيلية” منذ مدة في رومانيا ومقتل ستة جنود “إسرائيليين” على متنها . وقد تبين أنها كانت تجري مناورات عسكرية مع الجيش الروماني، وهو ما لم يكن معروفاً من قبل .
إن إجراء مناورات مشتركة بين “إسرائيل” وعدد كبير من الدول ليس مستبعداً وقد يكون مع دول لا يمكن الظن لحظة أنها في علاقة مع “إسرائيل” .
اليوم تذهب “إسرائيل” إلى اليونان . ولليونان تاريخ حافل بالوقوف إلى جانب القضايا العربية . وفي ذروة وقوف اليونان وأسرة باباندريو وقبرص بزعامة المطران مكاريوس إلى جانب القضية الفلسطينية والعرب ضد العدوان “الإسرائيلي” كانت تركيا المسلمة بقيادة حكوماتها العلمانية، ومنها ما كانت لها صبغة إسلامية مثل حكومات عدنان مندريس في الخمسينيات وطورغوت اوزال في الثمانينيات، تقف إلى جانب “إسرائيل” وتتعاون معها ومع أمريكا ضد العرب ونضالهم ضد “إسرائيل” المغتصبة والعدوانية .
لم تتغير اليونان كثيراً عن السابق وبقيت وفية للقضية الفلسطينية . وإذا كان الصراع التركي اليوناني أحد عوامل الفرز بينهما تجاه العالم العربي في السابق، فإن التقارب الحالي بين تركيا واليونان ليس العامل المحدد لتغيير طبيعة السياسات “الإسرائيلية” تجاه اليونان أو تركيا .
إذ على الرغم من كون اليونان عضواً في الأطلسي لكنها لا تزال تحتفظ بعلاقات ممتازة مع الشعب العربي وتتبع سياسات إنسانية مع الحق الفلسطيني .
لذا فإن محاولة “إسرائيل” التوجه إلى اليونان للبحث في علاقات عسكرية معها تعوض فقدان المجال التركي أمام طائراتها العسكرية إنما هي مبادرة خبيثة . أولاً من أجل بث الشكوك في العلاقات العربية الجيدة مع اليونان ونحن نولي المسؤولين اليونانيين الثقة بأنهم لن يستعيضوا العلاقات الجيدة والتاريخية مع العرب بعلاقات مع دولة مغتصبة ومحتلة وعدوانية مثل “إسرائيل” وستكون اليونان هي الخاسرة من مثل أي تغيير في سياساتها .
والثاني هو بث اسفين بين أنقرة وأثينا اللتين تتحسن علاقاتهما بسرعة قوية إلى درجة أن اليونان أصبحت من أكبر الداعين لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي .
ولعل في حركة بنيامين نتنياهو تجاه اليونان، ثالثاً، ما هو أهم وهو محاولة للضغط على تركيا لتعيد علاقاتها العسكرية مع “إسرائيل” كما كانت قبل الاعتداء على أسطول الحرية . وإذا كانت تركيا، هنا، حاسمة في القول إنه إذا كانت “إسرائيل” تريد تطبيع العلاقات مع تركيا فعليها على الأقل الاعتذار عن الهجوم على أسطول الحرية وتقديم تعويضات ورفع الحصار عن غزة، فإن “إسرائيل” لا يمكن أن تستغني عن تركيا نظراً لأن تركيا تحيط بدول معادية لها وهي سوريا والعراق وإيران، و لا يمكن لأي بلد آخر أن يحل محل تركيا لجهة الأهمية ل “إسرائيل” . وهذا ما يجب أن يتنبه له الأتراك ويدركوا أن أية علاقات مستقبلية مع “إسرائيل” لن تكون لتركيا أكثر أهمية من علاقات جيدة مع دول جارة وأصلية مثل العرب والمسلمين، لا دخيلة وغريبة مثل “إسرائيل”، وتركيا لن تجازف وتخسر كل إنجازاتها تحت ضغوط أمريكا و”إسرائيل” .
(*) المصدر: موقع دار الخليج