ارشيف من :آراء وتحليلات

مفاعل بوشهر: القافلة تسير ...!

مفاعل بوشهر: القافلة تسير ...!
عقيل الشيخ حسين

وأخيراً، تمكنت إيران من اختراق العراقيل وأشكال الحصار والعقوبات، وصار بإمكانها أن تبدأ، في غضون شهرين، بإنتاج الطاقة الكهربائية النووية، وذلك بعد قيام روسيا بتنفيذ الاتفاقيات الخاصة بافتتاح محطة بوشهر، عبر تزويدها بقضبان اليورانيوم المخصب اللازمة للتشغيل.


وقد تم افتتاح المحطة بحضور مسؤولين دوليين بينهم رئيس الوكالة النووية الروسية، سيرغي كيريينكو، وممثلون عن وكالة الطاقة الذرية، إضافة إلى كبار المسؤولين الإيرانيين في مجال الطاقة النووية. ومع هذا التطور الذي أصبحت فيه محطة بوشهر أول منشأة نووية لإنتاج الكهرباء في منطقة الشرق الأوسط، تكون إيران قد اصبحت عضواً في النادي النووي الدولي، وحققت خطوة كبيرة على طريق التحرر العلمي والاقتصادي والسياسي، فاتحة بذلك أبواباً واسعة للأمل أمام شعوب العالمين الإسلامي والثالث، في وقت تحرص فيه الدوائر الاستكبارية على حرمان هذه الشعوب من كل فرصة للتقدم في جميع المجالات.

وقد تدخلت هذه الدوائر، وفي طليعتها الدوائر الأميركية، ومارست ضغوطاً قوية على روسيا بهدف منعها من تنفيذ الاتفاقيات الخاصة بمفاعل بوشهر، ونجحت في تأخير افتتاحه لسنوات عديدة. لذا، فإن افتتاح المحطة يحمل رمزية متعددة الوجوه لجهة عقم المحاولات الهادفة إلى عزل إيران على أمل إضعافها وتحييدها بوسيلة أو بأخرى عن دائرة الحضور الفاعل في الساحتين الإقليمية والدولية.

فقد جاء التزام روسيا بافتتاح المحطة في أجواء قرار مجلس الأمن الذي أقر، بموافقة روسيا، حزمة سادسة من العقوبات المشددة بحق إيران. ما يعني أن روسيا التي اشتدت الرهانات على اجتذابها إلى الصف المعادي لإيران قد ساهمت بإبطال مفعول هذه العقوبات. ومن المرجح، على ضوء تصادم الاستراتيجيات الأميركية والروسية في العالم، أن تعمد روسيا إلى الوفاء قريباً بالتزاماتها فيما يتعلق بتسليم إيران نظام الدفاع الجوي إس. 300. وجاء هذا التطور ليدلل أيضاً على عقم المحاولات الهادفة، عبر التهويل باستخدام القوة، إلى ثني إيران عن مواصلة العمل على برنامجها النووي، وعلى افتتاح محطة بوشهر تحديداً.

وفي هذا المجال، استمع العالم مؤخراً إلى هذيانات جون بولتون التي نصح فيها "إسرائيل" بضرب مفاعل بوشهر قبل تزويده بالوقود النووي. والمعروف أن بولتون وزملاءه من المسيحيين المتصهينين يتساوون مع الإسرائيليين في الخوف من المسار التحرري الإيراني. لكنهم لم يجرؤا، خلال فترتي حكمهم المتعاقبتين والمشحونتين بالحروب على الحدود الإيرانية، على توجيه أدنى ضربة إلى إيران.

وفي الوقت الذي تداري فيه إدارة أوباما وغيرها من الإدارات الغربية عجزها عن تنفيذ ما قال رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الأدميرال مايك مولن، بأنه خطة أميركية جاهزة لضرب إيران، تتصرف هذه الإدارة كالحمل الوديع عبر التأكيد بأن مفاعل بوشهر لا يشكل أية مخاطر عسكرية أو لجهة الانتشار النووي. علماً بأن الأميركيين لم يتورعوا، منذ هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، عن تبرير حروبهم وحشد تأييد الشارع لها، عبر ترداد المزاعم عن أخطار "وشيكة" تهدد الأمن القومي الأميركي والسلام العالمي.

لكن الإدارة الأميركية وحلفاءها الغربيين يلجأون الآن إلى التذاكي عندما يقولون بأن حصول إيران على وقود روسي لتشغيل مفاعل بوشهر يؤكد عدم حاجتها لامتلاك قدرات خاصة بها في مجال تخصيب اليورانيوم، ما يعني أن على إيران أن تشتري اليورانيوم المخصب بالثمن الباهظ من أسواق الغرب، وأن تلغي سعيها الاستقلالي في هذه المجال، أسوة بجميع بلدان العالم الإسلامي والثالث التي ارتضت لنفسها أن تظل أسواقاً استهلاكية وظيفتها أن تستورد ما تحتاج إليه وأن تملأ خزائن الغرب بالأموال! والدوائر نفسها كانت قد أخذت على إيران سعيها لامتلاك الطاقة النووية السلمية بحجة أنها تمتلك مخزوناً كبيراً من النفط والغاز.

منطق "معيب" على ما وصفه أحد المسؤولين الإيرانيين... والعيب فيه هو أنه يجيز لنفسه فعل ما ينهى الآخرين عن فعله: أميركا توفر مخزونها من النفط وتشتري النفط العربي بأسعار بخسة... أميركا تواصل إغناء ترسانتها النووية برغم امتلاكها رؤوساً نووية تكفي لتدمير الأرض عشرة آلاف مرة... وأميركا تواصل العمل على تحقيق المزيد من التقدم التقني برغم تفوقها الكاسح في هذا المجال.

لقد أسقط في يد أميركا وحلفائها، ولم تنجح رزم العقوبات والتهديدات في وقف المسار الإيراني الصاعد. وبعد سنوات من التهديد والاستعداد للضربات العسكرية بحجة وبدون حجة، اقتصر رد الفعل الإسرائيلي على افتتاح مفاعل بوشهر، في تناقض واضح مع الموقف الأميركي، على القول بأنه "أمر غير مقبول إطلاقاً"، وعلى المطالبة ببذل المزيد من الضغوط الدولية لإجبار إيران على وقف أعمال التخصيب.

ضغوط لا تألو الإدارة الأميركية جهداً في بذلها وهي التي ترسل الآن وفوداً ذات اليمين وذات الشمال تستجدي إسهام كبار البلدان وصغارها في الانضمام إلى جوقة العقوبات. وعقوبات عديمة الفعالية هي كل ما تبقى في حوزة الاستكبار المرتعد خوفاً من إثارة الغضب الإيراني... من مضيق هرمز إلى القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة إلى "إسرائيل" وخطر محوها من الوجود، وصولاً إلى مصالح أميركا وحلفائها في كل مكان.

2010-08-24