ارشيف من :آراء وتحليلات

عندما ينطق الغرب بلسانه العنصري: السعودية وإيران... وجهان لعملة واحدة!

عندما ينطق الغرب بلسانه العنصري: السعودية وإيران... وجهان لعملة واحدة!
عقيل الشيخ حسين

لو حدث، على سبيل الافتراض، أن تخلت إيران عن برنامجها النووي، لما توقف الغرب عن مناصبتها العداء. ولو تخلت عن سياساتها التحررية كلها وعادت إلى ما كانت عليه أيام الشاه، لما تغير الموقف الغربي منها، في العمق، قيد أنملة.

فالمطلوب من إيران هو، في نهاية المطاف، أن تتخلى عن ذاتها، وأن تتحول إلى حديقة خلفية للغرب، يفعل فيها ما يشاء.هذا عن إيران التي تحولت، منذ الثورة الإسلامية في العام 1979، إلى صخرة تكسرت عليها مشاريع الغرب الاستعمارية، وأنعشت آمال الشعوب الإسلامية والمستضعفة في العالم بالتحرر والانعتاق.


أما بالنسبة للملكة العربية السعودية التي تنسجم بسياساتها مع السياسات الغربية، وتجند الكثير من إمكانياتها في خدمة تلك السياسات، فإن الموقف الغربي منها لا يختلف، في العمق، قيد أنملة، عن الموقف من إيران. فالغرب، بحكوماته وأجهزة إعلامه ومنظماته وجمعياته الإنسانية المختلفة، أقام الدنيا ولم يقعدها بعد، لأن حكماً بالرجم صدر في إيران بحق امرأة ارتكبت الزنى واشتركت مع عشيقها في قتل زوجها.

والغرب نفسه، بحكوماته وأجهزة إعلامه ومنظماته وجمعياته الإنسانية المختلفة، أقام الدنيا ولم يقعدها بعد، لأن حكماً صدر في السعودية وقضى بتعطيل الحبل الشوكي لرجل ضرب رجلاً، أثناء مشاجرة بينهما، بساطور في ظهره، ما سبب له شللاً دائماً.

وفي الحالتين، لجأت أجهزة الإعلام الغربية إلى التلاعب عمداً بحيثيات القضيتين، وذلك لأسباب تحريضية واضحة، عبر التركيز على ما صورته على أنه ابتعاد للحكمين عن الاعتبارات الإنسانية والحقوقية، وهي الاعتبارات التي يمارس الغرب كل صفاقته في تعيين نفسه حامياً لهما ومنافحاً عنهما، علماً بأن تاريخه وحاضره يشكلان مدرسة حقيقية في الإجرام وانتهاك الاعتبارات الإنسانية والحقوق.

فهي ركزت على الرجم وعلى كون المرأة الإيرانية أماً لطفلتين، وأغفلت مشاركتها في قتل زوجها الذي يفترض أنه والد الطفلتين، لتصورها كإنسانة مظلومة وضحية لممارسات تنتمي إلى "زمن آخر"، على ما قالته كاترين آشتون، وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي. كما أغفلت تعرض الضحية السعودي إلى ضربة الساطور في ظهره، وركزت على العقوبة بحق الجاني معتبرة أنها تشكل مساساً بالقانون الدولي من قبل السعودية، وانتهاكاً لحظر التعذيب، وتعبيراً عن المعاملة الوحشية واللاإنسانية، وتجاوزاً لميثاق الأمم المتحدة ولمبادئ الأخلاق الطبية التي تبنتها الجمعية العمومية للمنظمة الدولية.

والواضح أن التلاعب بالمعطيات وإغفال الحقائق في القضيتين يكشف عن نيات سيئة، وعن كون ما يعتبرونه اعتبارات إنسانية وحقوقاً للجناة ما هو إلا غطاء واه لتلك النيات التي لا نجد خلفية لها غير العداء ليس فقط للإسلام، متطرفاً أو معتدلاً، وليس فقط للعروبة أو الفارسية، بل للآخر أياً كان جنسه أو لونه أو اعتقاده.

إنها، بامتياز، تلك العنصرية البدائية التي تصنف البشر إلى متحضرين هم الغربيون، وهمج متوحشين هم الآخرون، وذلك الاستعلاء الذي كان وراء كل حروب الغرب من أسبارطة وأثينا وروما إلى حروب الحقبة الاستعمارية وإبادة الهنود الحمر واستعباد الأفارقة، وصولاً إلى هيروشيما وفييتنام والجزائر وفلسطين والعراق وأفغانستان...

تاريخ طويل وحاضر ثقيل يشكلان مدرسة حقيقية في الإجرام وانتهاك الاعتبارات الإنسانية والحقوق. ولو عدنا إلى النقاش الهادئ وسألنا الغربيين عن العقوبة التي يرتضونها لمن يرتكب جريمة كالزنى أو التسبب بعطل دائم، لما حصلنا إلا على إجابات من النوع الذي يندى له جبين المشرعين الغربيين أنفسهم.

إجابات هي ترجمة صادقة لفكر ذاك الذي، في إلياذة هوميروس، يرى الحقيقة حيث القوة، أو لذاك الذي في جمهورية أفلاطون، ينصحك بتطهير المجتمع من الضعفاء لكي يحافظ المجتمع على قوته، أو لذاك الذي في مؤلفات دستويفسكي، يطلب إليك، إذا رأيت ضعيفاً مرمياً على قارعة الطريق، أن ترفسه في بطنه وأن تتابع سيرك. ولو سألناهم عما يقصدونه بالممارسات التي تنتمي إلى "عصر مضى"، لما وجدنا غير عصر نزول الكتب السماوية. فالرجم، والعين بالعين والسن بالسن، هي عقوبات نص عليها القرآن، كما نص عليها الكتاب المقدس الذي يزعمون أنه كتابهم وأنهم يرجعون إليه بصفتهم يهوداً أو نصارى. لكن الأكيد أن هذه المرجعية بالذات هي أكذوبتهم الكبرى. فما الذي يعنيه وجود المسيحية المتصهينة، والكنائس الإنجيلية والأحزاب الديموقراطية المسيحية وما لا يحصى من جيوش التبشير والحروب الصليبية الجديدة، إذا كانت عقوبات الرجم والعين بالعين ممارسات تنتمي إلى زمن مضى وينبغي إلغاؤها؟

ألا يعني ذلك، إضافة إلى شرائع الإسلام، أن شريعة موسى، ويسوع الذي لم يأت لينقض الناموس، هي شرائع ينبغي استبعادها، لتحل محلها شرائع تنتمي إلى الأنوار والحداثة والمعاصرة وما بعد المعاصرة؟ تلك العصور الحديثة المسؤولة عن صنوف الخراب والفساد التي يرزح تحت ثقلها عالم اليوم؟

ألا يعني ذلك أنهم غير صادقين عندما يزعمون انتماءهم إلى المسيحية؟ أو إلى اليهودية على اعتبار أن حملات التشهير بإيران وبالسعودية وبرموز الإسلام والعروبة والفارسية هي من إعداد وإخراج الأصابع الصهيونية؟

2010-09-01