ارشيف من :آراء وتحليلات

هجمات الأربعاء الدامي ترسم مشهداً سوادياً للواقع العراقي في المرحلة المقبلة

هجمات الأربعاء الدامي ترسم مشهداً سوادياً للواقع العراقي في المرحلة المقبلة
بغداد ـ عادل الجبوري

تستحق هجمات الاربعاء الماضي التي استهدفت بغداد وعددا من المدن الكثير التأمل والتدقيق والمراجعة في محاولة لاستشراف صورة المرحلة المقبلة، إذا أن هناك اكثر من سبب يدعو لذلك منها:

ـ سلسلة الهجمات بالسيارات المفخخة والأحزمة والعبوات الناسفة التي استهدفت مراكز الشرطة جرت بطريقة منظمة ومخطط لها بشكل جيد، ما ينفي ما كان يشاع باستمرار عن ضعف الجماعات الإرهابية المسلحة واقتراب نهايتها، فلو كانت تلك الهجمات قد استهدفت مدنيين في الأسواق لكان مثل هذا القول قابلا للبحث والنقاش وحتى القبول.

ـ جاءت هجمات الأربعاء الدامي قبيل حلول الموعد النهائي لاستكمال انسحاب الجزء الأكبر من القوات الأميركية في العراق وفق الاتفاقية المبرمة بين بغداد وواشنطن نهاية عام 2008.

ـ وقعت الهجمات في ظل أوضاع سياسية مرتبكة الى حد كبير، وتخلو من دلائل حقيقية على قرب حدوث انفراجات أو التوصل الى حلول ومعالجات لكسر حالة الجمود السياسي الذي تجاوز حدود المعقول والمقبول كثيرا.

ـ جاءت الهجمات في سياق تداعياتٍ وتراجعاتٍ أمنية خطيرة ومقلقة خلال السنة الماضية، وقد أخذت منحى تصاعديا ارتبط بصورة او بأخرى بإيقاعات الحراك السياسي المتأزم.

ـ تصاعد الهجمات الارهابية خلال الأشهر الماضية وتزامنها مع تحذيرات أطلقها بعض قادة مجالس الصحوات مفادها أن إهمال الحكومة لعناصر تلك المجالس، وعدم دمجها واستيعابها في الأجهزة الأمنية والعسكرية يمكن أن يعيد دائرة العنف والإرهاب الى ما كانت عليه في عامي 2005 و2006.

ـ وقوع الهجمات الأخيرة في ظل أوضاع حياتية وخدمية سيئة للغاية انعكست سلباً على العراقيين ودفعتهم للتعبير عن استيائهم بصوت عال.

هذه الأسباب يقر بها ويؤكدها السياسيون العراقيون سواء الذين يشغلون مواقع حكومية أو الذين يعتبرون خارج نطاق التركيبة الحكومية، فقبل شهرين قال المتحدث الرسمي باسم قيادة عمليات بغداد اللواء قاسم عطا ان "تأزم الوضع السياسي وتأخر تشكيل الحكومة ينعكس سلبا على الوضع الامني".

في حينه لم يعترض أحد على ما قاله عطا، بل إن مسؤولين عسكريين ومدنيين ذهبوا مرات عدة في الاتجاه نفسه، آخرهم الأمين العام لمنظمة بدر ورئيس لجنة الامن والدفاع في البرلمان السابق هادي العامري الذي علق على الهجمات بالقول "إن تصاعد وتيرة العنف والتدهور الأمني الذي شهدته محافظات العراق، نتيجة طبيعية لحالة اليأس التي يعيشها العراقيون وأفراد الأجهزة الأمنية في ظل تدهور الخدمات والفراغ السياسي والدستوري الناجم عن تأخر تشكيل الحكومة", وإن هذا الواقع وفر "فرصة سانحة أمام عناصر القاعدة لمزاولة نشاطاتهم مجدداً بعد أن أعادوا ترتيب صفوفهم واستجمعوا قواهم".

وفي السياق نفسه انتقد نائب رئيس الجمهورية والقيادي في القائمة العراقية طارق الهاشمي الإجراءات الأمنية معتبراً "ان القوات المسلحة والاجهزة الأمنية برغم التطور الذي حققته في بعض المجالات والتضحيات السخية التي قدمتها، ما زالت بحاجة إلى المزيد من الإعداد والتطوير والتجهيز لتكون مؤهلة بصورة كافية لمواجهة التحديات الأمنية، وأبرزها استشراء الخروق والثغرات التي جعلت منتسبي الجيش والشرطة أهدافاً سهلة للمجرمين والقتلة"، مشيراً إلى أن "المناشدات والنصائح المتواصلة كانت تذهب أدراج الرياح أمام الثقة المفرطة بما يتم اتخاذه من إجراءات، والمبالغة في تصوير ما تحقق من انجازات أمنية والاصرار على عدم مراجعة الخطط الأمنية وتقويمها"!.

اما الشيخ علي حاتم السلمان، أحد الزعماء العشائريين في محافظة الأنبار التي كانت مسرحاً للهجمات الارهابية الأخيرة، فقد حمّل تنظيم القاعدة مسؤولية استهداف المدنيين الأبرياء ومؤسسات الدولة ومنتسبيها، بيد انه في الوقت ذاته عزا التراجع في الوضع الأمني الى تهميش مجالس الصحوات، وعدم ايفاء الحكومة بوعودها بعد انتقال ملفات الصحوات من القوات الأميركية اليها.

واذا كانت الاجراءات التي جرى اتخاذها خلال الأعوام الاربعة الماضية لمعالجة الخلل والضعف في الملف الأمني قد أتت بنتائج ايجابية، إلا أنها افتقرت ـ وفق ما يقول المراقبون العراقيون ـ الى المهنية والبعد الاستراتيجي، وخضعت الى حد ما للاجندات والاهداف السياسية والحزبية الضيقة، لذلك اختفت في كثير من الأحيان مظاهر الإرهاب والعنف لتعود وتبرز مجدداً في أحيان اخرى، حتى أنه يبدو للمراقب والمتابع أن قبضة الجماعات الإرهابية ما زالت قوية ومحكمة.

ومن هنا لا تتمحور مخاوف وهواجس الشارع العراقي حول الموعد النهائي لانسحاب القوات الاميركية من العراق، ولا بتأخر تشكيل الحكومة فحسب، بل ان تلك المخاوف والهواجس تتسع وتمتد الى ما هو أبعد من ذلك، خصوصاً ان المشهد الذي سبق موعد الحادي والثلاثين من آب/اغسطس بكل ابعاده يمكن أن يحدد ويشخص مسارات المرحلة اللاحقة، والمشكلة ان هذا المشهد يبدو سوداوياً في جوانبه السياسية والأمنية والحياتية، وهذا ما يؤكده الواقع.


2010-09-01