ارشيف من :آراء وتحليلات

الأمنيات... سلاح "إسرائيل" الأخير !

الأمنيات... سلاح "إسرائيل" الأخير !
عقيل الشيخ حسين

من المفترض في الديانات التي تتألق فيها دعوات من نوع "رب اغفر لهم فإنهم لا يعلمون ما يفعلون" أن تحض على تمني الخير للآخرين. وعلى هدايتهم، حتى في حال كونهم من عتاة الفجرة الكفرة، بدلاً من قتلهم.

لكن هذا ليس شأن الحاخام عوفيديا يوسيف، المرجعية الدينية البارزة في "إسرائيل"، وزعيم حزب شاس ذي الحضور البارز في الكنيست، والبالغ التأثير على القرار الحكومي الإسرائيلي.

فقد اعتاد هذا الحاخام على "عصرنة" أشقى ما في التحريفات التوراتية والنصوص التلمودية من مواقف وتطلعات لا إنسانية، كتلك التي تصنف البشر إلى يهود جديرين بالحياة، وغوييم (أقوام) تنبغي إبادتهم أو الاكتفاء، في أحسن الحالات، باستعبادهم واستعمالهم كما تستعمل الحيوانات.

عصرنة سبق وسمحت له بأن يصف العرب والمسلمين بأنهم حشرات وأفاع ينبغي استئصالهم من الوجود، وأن يفتعل على طريقة الأنبياء الكذبة رؤى، كتلك التي يقول بأنها أتته لإقناع القيادة الإسرائيلية بالإسراع في ضرب إيران بالقنابل النووية، وصولاً إلى تصريحاته الأخيرة التي تمنى فيها أن يختفي الفلسطينيون عن وجه الأرض، أو تلك التي دعا فيها الله إلى إهلاكهم بالطاعون.

وأياً تكن الإدانات التي يمكن توجيهها لهذا الحاخام، فإنها لا تحول دون إيفائه حقه. إذ لا بد من الاعتراف بأنه قاريء جيد للحاضر الذي بات محتقناً بالمؤشرات الدالة على قرب انهيار الأسطورة الإسرائيلية.

لكنه، وبدلاً من أن تقوده القراءة الصائبة إلى سلوك سبيل من شأنه أن يخفف عن بني قومه تبعات ما ارتكبته أيديهم من جرائم، تأخذه العزة بالإثم، فيطلق العنان لما يرغي ويزبد في نفسه من تراكمات الحقد الأعمى.

ولو كان لهذه التراكمات أن تنفس عن نفسها من خلال عمل ميداني، لرأينا الحاخام وأمثاله يواصلون مسيرتهم الإجرامية الطويلة، فيقتلون ويدمرون ويبيدون ويمحون عن وجه الأرض كل الذين يكرهون "إسرائيل"، وفي مقدمتهم كل فلسطيني وعربي.

هوس الحاخام الجنوني بالقتل يعمي بصره وبصيرته فيقتل الجميع ولا يرفع السيف حتى عن بعض الفلسطينيين والعرب الذين خدموا "إسرائيل"، منذ كامب دافيد وأوسلو، وما قبلهما وبعدهما، وصولاً إلى المفاوضات المباشرة الحالية، ومساندي هذه المفاوضات، أكثر بكثير مما خدمت "إسرائيل" نفسها.

لكن المشكلة في تراكمات الحقد أنها لم تعد قادرة على التنفيس عن نفسها من خلال عمل ميداني. فالحاخام يلاحظ، كما يلاحظ غيره من الإسرائيليين، أن زمن الحروب/النزهات التي كانت "إسرائيل" تخوضها وتربحها مسبقاً، دون عناء يذكر، والتي سمحت بتكون صف عربي رسمي طويل من الأنظمة و"السلطات" المستلمة... قد ولى إلى غير رجعة.

وهو يلاحظ أن نوعاً جديداً من الحروب الضروس قد أخذ موقعه في الميدان متمثلاً بتجربة المقاومة في لبنان وغزة، وهي التجربة التي اسقطت حتى الآن أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، وبثت الرعب في مفاصل الداخل الإسرائيلي المعتاد تاريخياً على مشاهدة الحروب من بعيد، وراء الحدود، بدلاً من أن يعيشها بلحمه ودمه، وفيما يتجاوز مجرد المعاناة من الهلع.

كما يلاحظ أن هذه التجربة ليست غير إرهاص بتجارب أعتى وأشد غلظة بكثير، لا سيما في ظل ما يشهده معسكر الممانعة من توسع في الجغرافيا وفي تنامي القدرات العسكرية الضاربة، وخصوصاً في تنامي التصميم على استرداد كامل الحقوق.

كما يلاحظ أن الجيش الإسرائيلي الذي وجم طويلاً بعد اندحاره في لبنان، عام 2000، قبل أن يقدم على مغامرته البائسة، عام 2006، لم يفعل، منذ ذلك التاريخ، رغم استحكام شهوة الثأر فيه، غير التكرار الممل للتهديدات، وغير الاستغراق في إجراء المناورات والتمرينات، دون أن يجرؤ على الانتقال إلى ما من أجله يتم أجراء المناورات والتمرينات.

كما يلاحظ أن الجيش الإسرائيلي لا يمكنه، لألف اعتبار واعتبار، أن يواصل إجراء المناورات والتمرينات إلى الأبد. وأن ما تيقى من هيبته وسمعته يستحثه على الخروج من حال المراوحة بكل مضاعفاتها الكارثية على تماسك الداخل الإسرائيلي.


وإلى أين يمكنه الخروج إن لم يكن إلى النوع الجديد من الحرب الضروس وإلى السماء التي تمطر شهباً ؟

لكل هذا وذاك، لا يبقى في يد الحاخام غير سلاح واحد يعفيه ويعفي "إسرائيل" من الاستحقاق الرهيب : يتمنى أن يموت كل الذين يكرهون "إسرائيل"، ويدعو الله أن يفنيهم بالطاعون. كما ولو أن الله سيسارع إلى الاستجابة على طريقة ما يسمى بالمجتمع الدولي ومحركاته المعطلة.

والأمنيات لا قدرة لها على تفريغ شحنات الحقد التي لا يبقى لها غير الإنفجار في داخل الذات الإسرائيلية... انتحاراً على طريقة الماسادا، على ما بات يردده كثيرون من العارفين بالتاريخ وبالمهووسين على مر التاريخ.


2010-09-06