ارشيف من :آراء وتحليلات

بشير "الحلم" الاميركي الذي ما زال يحلم به الانعزاليون الجدد

بشير "الحلم" الاميركي الذي ما زال يحلم به الانعزاليون الجدد
سركيس ابوزيد

تمرّ ذكرى انتخاب واغتيال بشير الجميل هذه السنة مثلها كباقي الأعوام التي سبقت مع بعض الكلمات وقداس للمناسبة وبعض الإستهاجانات التي لا تزال تعترض على ما حدث وما يحصل في لبنان بسبب عدم بقاء بشير الجميل رئيساً له لأكثر من عشرين يوماً، وعدم تمكنه بالتالي من تحقيق "احلامه " لوطنه وللبنانيين. ولكن ما يثير الإستغراب والتعجب هذه السنة هو انّه حتى الآن لا يزال هناك بقايا الانعزاليين يعلنون بفخر انه "هكذا تبنّت واشنطن بشير رئيساً".
عبارة استفزازية تعبّر بكل ما تحمله من معنى، عن المرحلة التي سبقت انتخاب الجميّل "الرئيس الأصغر للبنان". قد يظن البعض انها عنوان مقال نشر في إحدى الصحف المعارضة لبشير الجميل بهدف انتقاد ما جسّده من مشروع للبنان وما زال يجسّده من خلال حاملي رايته ومحازبيه وخلفاءه. ولكن المفارقة انها زينت غلاف مجلة "المسيرة" التابعة لـ "القوات اللبنانية "والتي نشرت في الثالث والعشرين من آب الماضي(اليوم الذي يصادف الذكرى الثامنة والعشرون لانتخاب بشير رئيساً).

المقال الذي كتب بقلم قزحيا ساسين، يحتوي على نقاشات وحوارات دارت في سلسلة اجتماعات بين الرئيس بشير الجميّل وبعض الرجالات والمحازبين من جهة، وبين الجميّل والسفير الأميركي من جهة اخرى، اضافة الى ترجمة لوثيقة من الأخير تؤكد ان بشير هو الحل للبنان واللبنانيين.

هذا النص شكّل مصدر فخر واعتزاز لـ"المسيرة"، لسان حال القوات وبعض الانعزاليين في لبنان، فكان مناسبة لتخليد ذكرى الرئيس الذي "خذل اسرائيل ... رافضاً استبدال الاحتلال السوري ووصايته بالإحتلال والوصاية الإسرائيليين" حسبما ذكرت، مؤكدة بطريقة غير مباشرة ومن دون ان تدري، او ربما بكامل ارادتها، ان الرئيس "المستقل" الذي يريد لبنان للبنانيين وحدهم لم يتمكن من الوصول الى الرئاسة الا بموافقة اميركية. مع العلم ان مشروع الهيمنة الاميركية في المنطقة قبل بشير ومع بشير وبعد بشير وحتى الان هو مشروع اسرائيلي حكما. ومحاولة ربط بشير الجميل بالمشروع الاميركي لتبرئته من العلاقة مع "اسرئيل" هي محاولة فاشلة لأن صورة بشير مع شارون وقادة الاجتياح الاسرائيلي ما زالت عالقة في ذاكرة اللبنانيين وهم يعلموا ان بشير وصل الى الرئاسة على ظهر الدبابة الاسرائيلية.

كذلك، يتطرق قزحيا ساسين في المقال، الى زيارات بشير الجميّل الى السفير الروسي "بهدف التخلص من الوجود السوري في لبنان"، كما يذكر نقلاً عن لسان بشير شخصياً دور التاجر (خ آ)، العميل في الإستخبارات الأميركية والذي يتمتع باتصالات قوية مع السعودية، في التأكيد لبشير على حسن نوايا الأميركيين في ما يتعلّق بإيصاله الى كرسي الرئاسة، وفي الإشارة الى سعي وارادة السعوديين تسهيل ذلك، مؤمنين بأنه المناسب لمشروع الحل بالنسبة لقضية الفلسطينيين في لبنان.

خلاصة الكلام حول هذا الموضع تقيَّم من خلال سؤال يطرح نفسه، وهو: ألم تجد "المسيرة" طريقة اخرى للتذكير ببشير الجميّل؟ ام ان هذه هي اهم مآثره التي جُعلت لهذه الغاية؟ أوليس هذا المقال اكبر دليل على ان الرئيس ذو الشخصية القوية والمشروع اللبناني البحت لم يكن ليصل الى رئاسة الجمهورية اللبنانية لولا موافقة اميركية - سعودية على ذلك؟؟ فأين الإستقلال في كل ذلك؟؟ وبالتالي اين لبّ الدفاع عن شخصية بشير "الإستثنائية" اذا كان مثله مثل باقي رؤساء لبنان الذين انتقدتهم "المسيرة" لسعيهم لاسترضاء قوى خارجية ايماناً منهم بأن لبنان محكوم بها؟؟

الأكيد، ان هذا المقال يتعدّى هدفه الأساسي الى هدف آخر وهو الترويج للولايات المتحدة والدور الأميركي في تقرير مصير لبنان واللبنانيين. بشير "الحلم" يظهر من خلال النص ليجسّد ً "الحلم الأميركي" للبنان. وليكتمل هذا الحلم تطمئن "المسيرة" اللبنانيين انها ستصدر في الرابع عشر من ايلول (اي في ذكرى اغتيال بشير الجميّل) وثيقة حول اجتماع الرجل "الإستثنائي" مع الموفد الأميركي الى لبنان. مستند آخر يضاف الى مآثر بشير الجميل الذي اختارتها "المسيرة" بهدف التأكيد على إكمال المسيرة وتحقيق الحلم الاميركي وهو الاسم المستعار او المخفف للمشروع الاسرائيلي المستمر مع خلفاء بشير . ذهب الشخص اما مشروعه ما زال حيا يتحين الفرص.

2010-09-08