ارشيف من :آراء وتحليلات

مناقشات هادئة لقضايا ساخنة مع نائب الرئيس العراقي

مناقشات هادئة لقضايا ساخنة مع نائب الرئيس العراقي

بغداد ـ عادل الجبوري

كانت الأمسيّة الإعلامية الرمضانية في مكتب نائب رئيس الجمهورية السيد عادل عبد المهدي الخميس الماضي حافلة بمناقشات هادئة لأفكار يمكن وصفها بالساخنة كونها ترتبط بواقع فيه الكثير من الحراك والضجيج والفوضى ولا يقتصر هذا الوضع على الواقع الاعلامي فحسب بل الواقع العراقي العام.

عندما نتحدث في العراق ـ او حتى في اي مكان اخر ـ عن الاعلام، فهذا يقود تلقائيا الى الحديث عن السياسة والاقتصاد والأمن والخدمات وأمور أخرى، ولم لا اذا كانت مهمة الاعلام ـ المرئي والمسموع والمقروء والالكتروني على السواء ـ تتلخص في نقل المعلومة، وفي الرقابة، وفي تشخيص الأخطاء والسلبيات وتقويم مساراتها، وبالتالي خلق وعي عام.

ومن بين ما طرح في تلك الأمسية وتوقف عنده السيد عبد المهدي ـ الذي حرص على رفع الحواجز البروتوكولية واضفاء جو أخوي فيه الكثير من البساطة والعفوية ـ هو سلبيات مرحلة ما بعد التغيير، اي مرحلة النظام الديمقراطي، ومقارنتها بسلبيات حقبة النظام الديكتاتوري الاستبدادي، وقد تساءل البعض مستنكرا ما يقال عن أنه تغيير نحو الافضل.

ولعل هذه النقطة كانت من بين اكثر النقاط إثارة للجدل، الذي يبدأ من أروقة السياسة والفكر والثقافة في العراق ولا ينتهي الا في أبعد وأصغر زوايا المجتمع، بحيث أننا نسمع باستمرار من هذا السياسي او ذاك حديثا يريد ان يقنع سامعيه بأن ديكتاتورية الأمس افضل من ديمقراطية اليوم، ويسوق لترسيخ افكاره بأمثلة ومصاديق قد لا تصمد كثيرا أمام التحليل المنطقي والواقعي والموضوعي للوقائع والاحداث.

وفي ذات الوقت نسمع من اناس عاديين لم يجنوا من حقبة النظام الديكتاتوري الا التهميش والتغييب والفقر والحرمان والحروب والسجون، يقولون حينما يواجهون ظروفا حياتية ضاغطة، او يعيشون اوضاعا سياسية او امنية مرتبكة ومضطربة، لو بقينا على الحال السابقة لكان افضل لنا"! وهذه فعلا مفارقة لا تبتعد في خلفياتها عن القراءات والتقويمات الانفعالية والعاطفية لبعض ـ أو ربما كثير من ـ افراد المجتمع، سواء من النخب السياسية أو الثفافية أوالفكرية او من عموم الناس.

ومن الخطأ تقويم الواقع الحالي وفي ظل تجربة ديمقراطية حديثة العهد، ولم تتعد بعد مرحلة الحلم، وما زالت تواجه الكثير من التحديات والمخاطر، من خلال النظر والاطلالة عليه من زاوية واحدة فقط، لان ذلك لن يتيح رسم وبلورة الصورة الحقيقية بكل الوانها وتجلياتها، وبالتالي سيصار الى نقل صورة مجتزأة ومشوهة للواقع، وتكرارها يفضي الى تضليل الرأي العام وتسطيح الوعي. للاسف فإن هذا ما هو حاصل بالنسبة للتجربة الديمقراطية العراقية، وقد لعبت وسائل اعلام ومنابر ثقافية وسياسية وفكرية عربية وعراقية ـ عن قصد او عن غير قصد ـ وما زالت، دورا كبيرا وخطيرا في هذا المجال، ويكفي لاثبات هذا الامر كيفية تناول الشأن العراقي اليومي في عشرات من وسائل وقنوات صناعة وتوجيه الرأي العام.

ولعل السيد عبد المهدي كان واضحا الى حد كبير في وقفته عند هذه النقطة، حينما تساءل ليصل الى استنتاج منطقي، بانه "من الافضل .. نظام ديكتاتوري استبدادي يمسك بقبضته كل مفاصل الدولة والمجتمع، ام نظام ديمقراطي هش وضعيف، يمكن له ان يتطور ويتعزز ويتقوى باستمرار؟". وقد اجاب عن هذا التساؤل بطريقة علمية وواقعية ومقنعة، وقد لا نحتاج نحن العراقيين حينما نريد ان نقارن ونتأمل الى الذهاب بعيدا لنبحث عن امثلة مصاديق لاثبات مساوئ وموبقات وكوارث النظام الديكتاتوري الاستبدادي، ولسنا بحاجة الى تقليب صفحات التاريخ القديم والوسيط، لنستيقن من حقيقة ان واقعنا الحالي بكل سلبياته ومساوئه واخطائه لا يمكن ان يقارن بالحقبة الديكتاتورية السوداء، لاسباب عديدة من بينها ان عملية الاصلاح والترميم والتصحيح في ظل النظام الديمقراطي الهش ممكنة ومتاحة، بينما في ظل النظام الديكتاتوري الاستبدادي قد تكون ضربا من الخيال، وخصوصا اذا شكلت تهديدا لاستمرار وبقاء ذلك النظام. النظام الديكتاتوري يبدو في ظاهره قويا ومتماسكا، بيد انه من الناحية الواقعية يتآكل ويضعف من داخله، ليكون سقوطه وانهياره مفاجئا ومدويا في معظم الاحيان ومخلفا لكم كبير من المشاكل والازمات، كما هو الحال مع انهيار دول المنظومة الاشتراكية ـ الشيوعية قبل عقدين، وكما هو الحال مع سقوط نظام صدام قبل سبعة اعوام ونصف. بينما يتميز النظام الديمقراطي الناشئ بالهشاشة والضعف وعدم القدرة على التعاطي بمرونة مع مختلف التحديات والمخاطر، لكن فرص واحتمالات انهياره وتفككه تنحسر وتتلاشى في ذات الوقت الذي تسير حركة الاصلاح والترميم باتجاهات صحيحة وان كانت بطيئة ومتعثرة. ولا شك ان مثل هذه الفكرة تحتاج باستمرار الى المزيد من البحث والنقاش الهادئ والموضوعي، لتشخيص مواطن الضعف والخلل والقصور، لانها يمكن ان تساعد في الحفاظ على التجربة الديمقراطية، واكثر من ذلك تعزيزها وتقويتها وترسيخها.


2010-09-09