ارشيف من :آراء وتحليلات

المشروع الأميركي الإسرائيلي يستجدي سوريا والسودان

المشروع الأميركي الإسرائيلي يستجدي سوريا والسودان
عقيل الشيخ حسين

من المهم جداً بالنسبة للمشروع الأميركي الإسرائيلي في المنطقة، وهو المشروع الذي يتخبط في أزمات خانقة متعددة الوجوه، أن يخلق وضعاً من شأنه أن يعيد المعادلات الاستراتيجية إلى ما كانت عليه في مراحل صعود هذا المشروع، أو على الأقل، أن يكبح حالة التدهور المستفحل. ولعل الإحساس العميق بأن المفاوضات المباشرة التي أطلقت مؤخراً في واشنطن بين السلطة الفلسطينية والإسرائيليين، بحضور بعض أطراف صف الاعتدال العربي وبمباركة أطراف اعتدالية أخرى، لا تكفي، وإن كانت تشير إلى نمو أواصر التحالف الإقليمي والدولي ضد إيران ودول الممانعة وحركات المقاومة... لا تكفي لتمثل التطور المطلوب من أجل إعادة الحياة للمشروع المتدهور.


لسبب وجيه هو كون أواصر ذلك التحالف راسخة بما يكفي منذ ما قبل استبدال مصطلح الخيانة بمصلح الاعتدال، أو على الأقل، منذ صمود سوريا، شبه وحيدة، بعد الهروع العربي الكبير إلى التصالح مع "إسرائيل" في السر أو في العلن، أمام مشاريع الصلح المنفرد التي عبرت على جثة ما كان يسمى بالتضامن العربي.

وبالطبع منذ تشكل الأحلاف التي ناصبت الثورة الإسلامية العداء وشنت عليها حرباً إقليمية وعالمية قاسية انتهت بهزيمة ما زالت حتى اليوم تجرجر أذيالها في العراق وتنعكس على سائر بلدان التحالف، ومنها بلدان الاعتدال، تعثراً ووهناً وقرباً من النهاية، في وقت تحقق فيه الجمهورية الإسلامية في إيران إنجازات كبرى على جميع المستويات.

وبالطبع أيضاً منذ الانتصارين المجلجلين اللذين حققتهما المقاومة في لبنان وغزة، وما رافقهما من تحطم أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر. ومنذ التحولات التي يشهدها الموقف التركي، لا سيما على مستوى تأييد القضية الفلسطينية والتقارب بين تركيا وكل من سوريا وإيران.

إذ ليس من قبيل الصدفة أن يتزامن الإحساس بعقم المفاوضات وعجزها عن أن تشكل التطور المطلوب، مع محاولة استنبات تطور آخر من شأنه أن يكون أكثر جدوى. وقد اتضح مؤخراً أن الرهان الأميركي والإسرائيلي يتركز في هذا المجال على استجداء التطور المأمول من سوريا والسودان.

فبالنسبة لسوريا، والمعروف منذ الاندحار الأميركي الإسرائيلي الاعتدالي في حرب تموز 2006، أن سوريا قد تحولت، بعد فشل التهاويل بقرب سقوط النظام السوري، إلى محجة للوفود الرسمية وغير الرسمية وللمبعوثين الأميركيين والأوروبيين، الذين لم يدخروا وسعاً في بذل الجهود الرامية إلى فك علاقة سوريا بكل من إيران وحزب الله. والأكيد أن مغريات كثيرة قد عرضت على سوريا لحملها على اتخاذ هذا الموقف... دون جدوى.

ومع هذا، لا تزال الحماقة، أو فقدان الحيلة، أوالإحساس بالوحشة، أو الاعتقاد بإمكانية زحزحة سوريا عن مواقفها المبدئية، هي ما تخفق بأجنحتها في عمق التفكير الإسرائيلي.فقد تناقلت وسائل الإعلام مؤخراً خبراً مفاده أن مسؤولين رفيعي المستوى في الجيش الإسرائيلي قد أكدوا أن تعيين سفير جديد للولايات المتحدة في سوريا وتقديم مساعدات أميركية لسوريا قد يساعد في إقناعها بالتفاوض وفك علاقتها مع طهران وحزب الله.

أما بالنسبة للسودان، فإن الآفات المذكورة نفسها تخفق في عمق التفكير الأميركي أيضاً. فأميركا كما هو معروف، تريد بكل ثمن أن يتم الاستفتاء حول انفصال جنوب السودان عن شماله في موعده المحدد. كما تريد للاستفتاء أن يفضي إلى ذلك الانفصال، وكل ذلك على أمل إضعاف النظام السوداني بوصفه واحداً من أنظمة الممانعة في المنطقة.

فقد ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الرئيس أوباما سيستبدل قريباً سياسة العصا والجزرة التي أعلنها العام الماضي تجاه النظام السوداني بسياسة جديدة هي سياسة العصا الغليظة والجزرة الكبيرة، في محاولة لإغرائه بعدم عرقلة انفصال الجنوب. والمعروف في الحالتين أن الرهان الأميركي الإسرائيلي على استنبات هذين التطورين في سياسة كل من سوريا والسودان قديم جداً. وقد سبق لكل من أميركا و"إسرائيل" وغيرهما أن استخدموا العصا والجزرة بألف صورة وصورة في الحالتين
.

والمعروف أيضاً أن هذا السلاح الذي كثيراً ما يبز سائر الأسلحة في التأثير على ضعاف النفوس من المهجنين فكرياً ونفسياً وأخلاقياً، قد ظل بلا جدوى في حالات كثيرة منها حالة كل من سوريا والسودان. فما الذي يعنيه إذاً اكتشاف أميركا و"إسرائيل" لهذا السلاح الذي بات مبتذلاً إلى حد السأم، إن لم تكن تلك الآفات الهذيانية التي تصاحب عادة السلوك اللغوي عند المشرفين على الاحتضار؟

2010-09-09