ارشيف من :آراء وتحليلات
عقدة رئيس الحكومة العراقية مستمرة ...وترجيح فرص عبد المهدي
في المؤتمر الصحافي الذي عقده بمبنى مجلس النواب العراقي ظهر يوم الثلاثاء الماضي، قال مرشح الائتلاف الوطني لرئاسة الحكومة العراقية والقيادي في
المجلس الاعلى الاسلامي العراقي عادل عبد المهدي "سأعرض أعمالي على اخواني للتدقيق والمراجعة وسأواصل جهودي بكل عزم وقوة ما دمت اتمتع بالتأييد اللازم، وما دمنا نحقق سوية التقدم المطلوب.. اما اذا فقدت التأييد او اذا ما تحول ترشيحي الى عقبة فسأعتذر لشعبي واخواني وأعيد الامانة لمن سلمني اياها".
من المؤكد ان عبد المهدي يدرك ربما أكثر من غيره أن طريق الوصول الى رئاسة الحكومة العراقية المقبلة شائك ووعر وفيه الكثير من العوائق والمطبات، وفترة الشهور الستة الماضية التي اعقبت الانتخابات البرلمانية في السابع من اذار/مارس الماضي، والتي لم تشهد سوى المزيد من التجاذبات بين الفرقاء السياسيين، كافية للتدليل على عمق المأزق السياسي العراقي، والمتمثل اساسا بعقدة "رئاسة الوزراء"، وهذا ما دفعه الى أن يطلق اشارة مبكرة على مرونته واستعداده للتراجع متى ما اصبح ترشيحه عقبة بحسب وصفه.
وفي الوقت ذاته يمكن ان يفهم ما قاله عبد المهدي في هذا الشأن، على انه دعوة ضمنية لكل من رئيس الوزراء المنتهية ولايته وزعيم ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي، وزعيم "القائمة العراقية" اياد علاوي لسحب ترشيحهما وتقديم تنازلات لا بد منها، لكسر الجمود السياسي الذي طبع المشهد العام للبلاد طيلة المرحلة الماضية.
وحتى الان لا توجد أية مؤشرات في الافق السياسي توحي باستعداد المالكي وعلاوي للتخلي عن ترشحهما لرئاسة الحكومة، برغم ان فرصهما قليلة، وهي تنحسر وتتضاءل يوما بعد آخر، بحيث كرست حالة الجمود التي ربما يكون طرح اسم عادل عبد المهدي من قبل الائتلاف الوطني الجمعة الماضي قد حلحلها بمقدار معين، وأوجد حراكا من نوع اخر.
واللافت ان الائتلاف الوطني طرح مرشحه بعد ستة شهور، وبعدما بدا ان المحادثات والحوارات العقيمة قد انهكت الفرقاء، وجعلت اليأس والاحباط يمتد من
الشارع الى الكواليس والأروقة السياسية، وهذا ما اعطى زخما معنويا وسياسيا لعبد المهدي ظهر واضحا منذ البداية.واذا كانت هذه نقطة قوة وعنصرا داعما لمرشح الائتلاف الوطني، فإن هناك نقاط قوة وعناصر داعمة اخرى من شأنها تعزيز فرصه للحصول على المنصب، من بينها أنه يتمتع بعلاقات ايجابية وجيدة الى حد كبير مع مختلف القوى والشخصيات والفاعليات السياسية في الساحة العراقية، فمع الاكراد تربطه علاقات تاريخية قديمة، ونفس الشيء مع شخصيات سياسية في "القائمة العراقية" و"ائتلاف دولة القانون"، فضلا عن "الائتلاف الوطني"، ومنذ وقت مبكر اعلنت قوى عديدة من بينها "القائمة العراقية" (91 مقعدا)، انه في حال فشلت في الحصول على منصب رئاسة الحكومة، فإنها ستدعم عبد المهدي، ولن تؤيد تولي المالكي رئاسة الحكومة لولاية ثانية، وهذا ما أكده مجددا قبل أيام قلائل عضو القائمة العراقية جمال البطيخ.
حتى التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر الذي كان يمثل العقبة الرئيسية امام ترشيح عبد المهدي، فإنه في النهاية تبنى موقفا داعما ومساندا له بقوة، بحيث ان الكثير من المراقبين السياسيين يرون ان من يدعمه ويسانده التيار الصدري تكون حظوظه اوفر بكثير من منافسيه الاخرين.
وهذا الدعم والتأييد يتأتى من الشخصية المعتدلة والمتوازنة التي يمتلكها عبد المهدي، بعيدا عن العقد والتشنجات والاحتقانات والمواقف الانفعالية التصادمية.
الى جانب ذلك فإن عبد المهدي يحظى بقدر جيد من القبول في الساحتين الاقليمية والدولية، وهو يعد من الشخصيات السياسية العراقية التي لها امتدادات وحضور ملموس وواضح اقليميا ودوليا منذ وقت طويل.فهو بعد مغادرته العراق اواخر الستينات ومع وصول حزب البعث المنحل الى السلطة في تموز/يوليو عام 1968، سجل حضورا في الساحات والمحافل السياسية والفكرية والثقافية، اذ كان يعتنق الفكر اليساري الماوي، قبل ان يتحول الى الفكر الاسلامي أواخر السبعينات ومطلع الثمانينات. وتحوله الفكري فتح له افاقا جديدة، واتاح له توسيع رقعة علاقاته وحضوره، اضف الى ذلك فإنه ارتبط بالمجلس الاعلى الاسلامي العراقي منذ بدايات تأسيسه اواخر عام 1982 على يد اية الله السيد محمد باقر الحكيم الذي اغتيل في مدينة النجف الأشرف نهاية شهر اب/اغسطس 2003، أي بعد سقوط نظام صدام وبعد عودته من المهجر بشهور قلائل. وارتباطه بالمجلس الاعلى، بما كان يمتلكه من ثقل سياسي كبير في ساحة المعارضة العراقية، وفر له فرصة كبيرة أخرى ليطل من خلالها على اكثر من مشهد.
والشيء المهم ان طرح اسم عادل عبد المهدي في مختلف الأوساط السياسية الدولية لا يقابل بالتساؤل والاستفهام والاستيضاح، لأن طبيعة شخصيته ورؤاه
وأطروحاته وتصوراته واضحة وناضجة ومقنعة الى حد كبير، ولعل وجوده لسنين طوال في فرنسا واحتكاكه المباشر بنخب سياسية وثقافية وفكرية واكاديمية غربية كان عاملا مهما في تشكيل فهم متبادل، يبدو انه قد يمثل واحدة من نقاط القوة التي بحوزته وهو يتنافس على رئاسة الحكومة العراقية المقبلة.
بيد انه في مقابل ذلك هناك معوقات وعراقيل تقف في طريقه للوصول الى رئاسة الحكومة، من بينها صعوبة حصوله على النسبة المطلوبة من اصوات "التحالف الوطني" في حال تم اعتماد آلية التصويت لحسم التنافس بينه وبين مرشح ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وهذه المشكلة يواجهها الأخير بنفس المقدار، ما يعني الذهاب الى مرشح تسويه يحظى بمساحة أوسع من القبول وان كان ضعيفا ويفتقر الى التجربة الكافية.
أما العقبة الاخرى، فتتمثل في ان عبد المهدي ينتمي الى تيار سياسي قريب من ايران، والاجندة الاميركية ـ وتلتقي معها ارادات ورغبات اقليمية ـ تتمحور حول تحجيم النفوذ الايراني في الساحة العراقية بكل الوسائل والأساليب الممكنة والمتاحة، ومنها العمل على قطع الطريق امام أي مرشح لرئاسة الحكومة من المجلس الاعلى او التيار الصدري الذي يمتلك علاقات جيدة مع طهران.
ولعل هذا هو السبب الذي دفع الادارة الاميركية الى بذل جهود مضنية لبناء تحالف بين القائمة العراقية وائتلاف دولة القانون ينتهي ببقاء المالكي على رأس الحكومة لأربعة اعوام اخرى، في مقابل تسلم "العراقية" رئاسة البرلمان ورئاسة المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية العليا.بيد ان تحفظات "العراقية" على المالكي، واصرارها على حقها الدستوري بتشكيل الحكومة، افشل كل محاولات وجهود نائب الرئيس الاميركي جوزيف بايدن وفريق المختصين بالملف العراقي وفي مقدمتهم جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الاميركية في توجيه الأمور وفق ما ترغب به ادارة البيت الابيض.
وجاء ترشيح الائتلاف الوطني العراقي ودعم التيار الصدري لعبد المهدي بمثابة صفعة قوية لواشنطن، ولا سيما ان هذا الترشيح قوبل بردود افعال ايجابية وارتياح كبير من قبل مختلف الاوساط السياسية العراقية حتى ائتلاف " دولة القانون"، الذي سربت بعض الاوساط انطلاق رسائل مؤيدة لمرشح "الائتلاف الوطني" من قبل بعض مكوناته لا سيما كتلة المستقلين برئاسة وزير النفط الحالي حسين الشهرستاني.
وينقل بعض المطلعين على جانب من تفاصيل المحادثات والمفاوضات الماراثونية، ان المسؤولين الاميركيين قالوا صراحة للساسة العراقيين انه لا مشكلة لديهم مع عبد المهدي كشخص، ولكنهم يتخوفون من الاجندة الايرانية التي يمكن ان تفرض عليه، خصوصا بعد ان تغير موقف الصدريين حياله مئة وثمانين درجة.
ولا شك ان الشد والجذب بين العوامل المساعدة والعوامل المعرقلة لتولي عبد المهدي رئاسة الحكومة ستتداخل مع العوامل المناظرة لها بالنسبة لمنافسه الرئيسي في داخل اطار "التحالف الوطني" نوري المالكي، وللمنافس الاخر إياد علاوي الذي يراهن على فشل "التحالف الوطني" في التوصل الى مرشح واحد، ليكون الطريق سالكا أمامه للتصدي للمهمة.
وحتى الآن فإن القراءات الاجمالية للمشهد العراقي ترجح كفة عبد المهدي على الأسماء الاخرى، بيد ان ما ينبغي الاشارة اليه هو ان ايقاع الحراك السياسي في الساحة السياسية العراقية مضطرب وخاضع للمتغيرات والتحولات والمفاجآت والانقلابات الكبرى في المواقف والتوجهات، وهو ما يبقي خيار مرشح التسويه، الذي وصفناه في مقال سابق بـ"الحل الصعب" قائماً، وموضوعاً على الطاولة وليس على الرف!.