ارشيف من :أخبار لبنانية

المفاوضات المباشرة.. غطاء شرعي للعدوان

المفاوضات المباشرة.. غطاء شرعي للعدوان

جهاد طاهر بكفلوني _ الثورة

بدا من حجم الانشغال الكبير بمراسم الاحتفال بانطلاق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ أنّ الطبخة لا تعدو كونها طبخة حجارة، سيمرّ عليها الزمن الطويل دون أن يتغير وضعها ولن تصبح جاهزة للأكل لأنها عاجزة عن بلوغ مرحلة النضج،

وإن كان الطاهي الأمريكيّ صاحب الدعوة ومنجز الوليمة الفاخرة قد بذل جهداً كبيراً في إسالة لعاب المدعويّن بعدما أقنعهم أنهم سيأكلون أصابعهم من فرط انغماسهم بلذة الطعام الموضوع أمامهم.‏

لكنّ الطاهي الأمريكيّ فوجئ بعد وضع الطعام أن الأيدي الفلسطينية لا تتسابق إليه، وحتّى الأيدي الإسرائيلية لم تبد تلك الرغبة الظاهرة بالتقاف اللقيمات الساخنة التي كانت قد خرجتْ للتوّ من الفرن.‏

لذلك شعرت الإدارة الأمريكية التي استضافت المدعويّن بحرج شديد لا سيّما أنّ وزيرة الخارجية ( هيلاري كلينتون) كانت قد وضعت في حقيبتها ثياباً تشي باستعدادها للاحتفال الكبير الذي تطالب بإقامته في (شرم الشيخ) قبل بدء جولة جديدة من المفاوضات في الرابع عشر من شهر أيلول الحالي.‏

وكيف لا تهلّل الوزيرة الأمريكية لما أنجزه فريق عملها وهي التي باتت على قناعة أنّ المفاوضات المباشرة قد تجاوزت المرحلة الأكثر اصطداماً بالعقبات ونجحتْ في الخروج من عنق الزجاجة بنجاح يحمل درجة الامتياز؟‏

فالوزيرة العتيدة على قناعة أنها ألقتْ صنّارة الصيد في المكان المناسب من البحيرة وبتوقيت دقيق جداً يحسدها عليه البعيد والقريب، وكانت النتيجة أنها جمعتْ في السلّة عدداً وافراً من الأسماك الطازجة.‏

فهي في زعمها نجحتْ في كسر طوق العزلة الدولية الملتفّ على عنق الكيان الصهيونيّ، وهي تفاخر بأنّ المدية التي استخدمتها في تفكيك عقد الطوق وتقطيعه كانت فلسطينية .‏

كذلك نجحتْ في تأمين غطاء شرعيّ للعدوان الإسرائيليّ اليوميّ المتكرّر على أبناء الشعب العربيّ الفلسطينيّ، وقد ازدادت وقاحة الجانب الإسرائيليّ بعد حصوله على هذا الغطاء، فكشّر عن أنياب الحقد من جديد وأقدم على القيام بسلسلة غارات على قطاع (غزة) أسفرت عن سقوط عدد من الشهداء الفلسطينيين، ولم يكتفِ الكيان الصهيونيّ بذلك بل عمد إمعاناً في التصريح عن طبيعته العدوانيّة واستخفافه بالجانب الفلسطينيّ إلى إعلان إلغاء اجتماع كان مقرراً عقده في أريحا بين رئيسي طاقمي المفاوضات الإسرائيلي (اسحق مولخو) والفلسطيني صائب عريقات، أما السبب الذي رآه الكيان الصهيونيّ وجيهاً لإلغاء الاجتماع فهو في زعم الكيان قيام الفلسطينيين بتسريب أمر انعقاده لوسائل الإعلام، فما كان من (إسرائيل) التي لم تستطع كبح جماح غضبها على تجاهل الفلسطينيين التفاهمات السرية التي أبرمت بحضور الأميركيين إلا أن قامت بهذا الفعل الغاضب.‏

ولم تقف الأمور عند هذا الحدّ، بل عادت إلى تحريك الأوتار مستمرّة في رفع عقيرتها بالنغم القديم المتجدد الذي يعلن بمناسبة ودون مناسبة أنّ قرار تجميد الاستيطان قد حُسم سلباً بنتيجة تمديد بناء المزيد من الكتل الاستيطانية إلى أجل غير مسمّى.‏

والجانب الإسرائيليّ يفاخر بإصراره على قراره هذا مستفيداً من الجوّ الجديد، الذي شعر فيه بوصوله إلى التقاط طوق النجاة في اللحظة المناسبة، وقد مثّل هذه المفاخرة بصورتها السافرة وزير الدفاع الإسرائيلي (إيهود باراك) الذي تحدث عن مساعٍ لإقناع الفلسطينيين ببعض المشاريع الاستيطانية الجديدة، في الوقت الذي استبعد فيه وزير الخارجية (أفيغدور ليبرمان) التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين «لا في العام المقبل، ولا في الجيل المقبل».‏

تستطيع ( إسرائيل) أن تعد الفلسطينيين بحلقات جديدة تتفنّن في إخراجها وموسيقاها التصويرية وتغيير أماكن التصوير فيها، حلقات مخرجها ومصوّروها وفنيّوها وكتّاب النصّ اعتداءات يوميّة على الفلسطينيين، وإصرار على خنق قطاع ( غزة) وقطع النفس الأخير عنه بالحصار الذي لا يمتّ إلى الإنسانية بأدنى صلة، واتخاذ خطوات عملية لتهويد القدس وإزالة معالمها العربية والمسيحية والإسلامية، ونشاط محموم في بناء الكتل الاستيطانية على حساب انتزاع الأراضي من سكّانها الفلسطينيين وتشريدهم في العراء يواجهون مصيرهم المجهول.‏

وكانت طائرة الجلسة الأسبوعية للحكومة الإسرائيلية قد اجتازت مطبّات عنيفة حين شهدت صراعاً حول المفاوضات عموماً، والموقف من قرار تجميد الاستيطان الذي ينتهي مفعوله في السادس والعشرين من الشهر الحالي، وبالرغم من أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ ( بنيامين نتنياهو) كان قد وعد الوزراء بتقديم عرض موسع عن المفاوضات مع الفلسطينيين، إلا أنه تجنب الحديث عن الموضوع السياسيّ، لا بل حال دون تطور نقاش في الحكومة حول المفاوضات، إذ لم يتمكن سوى أربعة وزراء من الحديث في هذا الشأن، قبل أن يحرّك (نتنياهو) يده في إشارة منه إلى ضرورة وقف هذا النقاش.‏

المفاوضات المباشرة كما خططت ( إسرائيل) ستكون عرساً صاخباً بأدوات عزف أمريكية وإسرائيلية، وخلف ستار الصخب ستنجز ( إسرائيل) ما دبّرتْ له من قبل من تهويد القدس وبناء المزيد من المستوطنات ومصادرة الأراضي الفلسطينية وتهجير سكّانها، والخاسر الأوّل والأكبر في هذا الصخب هو الفلسطينيّون الذين يجب أن ينتبهوا لما يحاك لهم من مؤامرات تحت جنح ليل المفاوضات المباشرة وهو ليل بهيم لا يتبيّن فيه الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.‏


2010-09-15