ارشيف من :آراء وتحليلات

انتقاد وهلوسة وتبرير

انتقاد وهلوسة وتبرير
بثينة عليق

ثلاث مقالات تحليلية وردت في صحف محسوبة على 14 آذار تتضمّن تحليلاً لتصريحات رئيس الحكومة سعد الحريري لصحيفة الشرق الاوسط. وقد عكست الآراء الواردة في هذه المقالات حجم الإرباك الذي يعيشه الفريق الإعلامي لـ14 اذار بعد المواقف الجديدة لولي أمرهم السياسي. توزعت الآراء بين منتقد بقسوة للحريري دون أي مواربة كما في صحيفة النهار، ومحاولة لرفع المعنويات بمنطق تبريري كما في صحيفة الحياة، وثالث يلعب على الكلام بطريقة ديماغوجية لا توصل الى نتيجة واضحة كما في صحيفة اللواء.

فروزانا بو منصف تحدثت عن تحفظات المنزعجين من كلام الحريري، و"التحفظات تتناول التوقيت كما المضمون". ويصل الانزعاج عند هؤلاء الى حد اعتبارهم أن "الاتهام السياسي لسوريا لم يكن اتهاماً عشوائياً أو حتى مبنياً على ما يسمّيه البعض شهود الزور، بل كان مبنياً على ظروف كانت قائمة لمدة ثلاثين سنة من الاحتقان في شأن الوجود السوري".

وتضيف بو منصف أن "البعض يرى أن الحريري لا يملك حق اعطاء البراءة أو الادانة، ومثل هذا الموقف يمكن ان يصدر بعد القرار الظني في الوقت المناسب وفي الشكل والحجم المناسبين". ويفهم من هذا الكلام أن في 14 آذار فريقاً لا يزال يراهن على اتهام المحكمة لسوريا، وهذا الكلام يصدر من فترة لأخرى على بعض الألسن في هذا الفريق.

تنتقل بو منصف لتتحدث عن موضوع شهود الزور فتشير الى أن التحفّظات في هذا الملف أكثر من سابقة نتيجة ما تسميه "المغالطات السياسية والقانونية"، فالتسمية "خاطئة بالاساس"، وهنا تكرّر الكاتبة معزوفة عدم وجود شهود زور لأنهم لم يدلوا بشهاداتهم أمام محكمة. وتتخطّى الأمر لتصل الى أن "وزارة العدل لا يمكن أن تدخل في الموضوع في انتظار أحد أمرين: إما القرار الظني أو مستند رسمي خطي موقّع من المدّعي العام للمحكمة يعترف بوجود شهود الزور".

وفي هذه النقطة تواصل الكاتبة ما تصرّ عليه صحيفة النهار منذ طرح ملف شهود الزور في مجلس الوزراء عن عدم وجود شهود الزور، ثمّ عن عدم صلاحية وزارة العدل النظر في الملف قبل إصدار قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية، فرنسين، لقراره في الدعوى التي رفعها اللواء جميل السيد. لا تتوقّف بو منصف عند هذا الحد بل انها تتّهم الحريري أن كلامه جاء في في اطار "المتبني لما يمكن ان يساهم في تحويل مسار التحقيق لكي يدخل في متاهات تساهم في ان تسقط المحكمة في الامتحان وفي مس مصداقيتها".

على عكس بو منصف يبدو محمد شقير في الحياة حريصاً على رفع معنويات جمهور تيار المستقبل، فيضع خطوة الحريري في سياق "اعادة رسم المشهد السياسي العام"، ويذهب الى حد اعتبار تصريحات الحريري مقدمة "لاعادة بناء علاقات متوازنة بالقوى اللبنانية الرئيسة"، ويرفض شقير باصرار اعتبار الحريري في موقع "المأزوم والمهزوم" لأن الحريري "اختار الوقت المناسب الذي يتلازم مع الاعداد للدخول في مرحلة جديدة وان المراهنة فاشلة على ابتزازه".

تبقى صحيفة اللواء وكاتبها نديم قطيش، فينطلق من الاقرار بأهمية ما قاله الحريري للشرق الاوسط الا انه يربط هذا الكلام وبمنطق غير مفهوم في سياق ما يسميه "ادبيات قوى انتفاضة الاستقلال"، ويستمرّ قطيش في إيراد المزيد من الكلام غير المفهوم محاولاً اقناع القارئ بشيء ما غير واضح فيقول: "اما في المضمون فيمكن التجرؤ على الحكمة السائدة التي رأت في مقابلة الحريري نقطة تحول في مسار المحكمة الدولية، وبأنها تعني بين أشياء كثيرة نسبت اليها اعلان براءة سوريا من الجريمة. هنا لا بدّ من التوقف عند خطأ منهجي ومنطقي حيث لا تخفى رغبة اصحابه في تحميل المقابلة ما لا تحمله. فالمحتفلون لطالما طعنوا وقدحوا الاتهام باعتباره اتهاماً سياسياً واذا بهم يسارعون الى الاحتفاء بالبراءة المفترضة رغم انها لا يمكن ان تكون الا براءة سياسية كوننا لم نصل بعد الى قرار اتهامي يسقط فرضية مسؤولية سوريا ويعلي فرضية اخرى. (هنا يلتقي الكاتب مع ما ذكرته زميلته في النهار حول استمرار سوريا في دائرة المتهمين الجديين)، ويتابع قطيش بأسلوبه السفسطائي: "واذا كان ينبغي لمن رفض الاتهام السياسي ان يرفض التبرئة السياسية المفترضة نرى فريق القلة الحريصة والكثرة الشامتة يشحذ هممه لاستدراج الحريري الى تبرئة سياسية اضافية لحزب الله هذه المرة".

لا يكتفي قطيش بهذا الكلام بل يجزم أن ما قاله الحريري ليس تبرئةً لسوريا والا لكانت زيارة السنيورة الى دمشق اولى خطوات هذه التبرئة، اما الأخطاء التي تحدّث عنها الحريري فهي اخطاء بحق الشعب السوري، ويقول قطيش في هذا السياق كلاماً يبدو ايضاً غير مفهوم وهو: "اما حديث الرئيس الحريري عن اخطاء حصلت من قبلنا مع سورية واعترافه أننا في مكان ما ارتكبنا اخطاء، وهي العبارات التي استخدمت كأدلة وقرائن على تبرئته المفترضة لسوريا، فهو حديث يفاجئ فيه تأخر صدوره وليس صدوره من حيث المبدأ".

اذاً نحن أمام ثلاث عينات مما يفكّر به فريق إعلام 14 آذار. عينات ـ وبالاخصّ الاولى والثانية ـ تجزم ان الحريري غير موفق بتاتاً بفريقه الاعلامي، وتظهر بالمقابل عجز هذا الفريق عن تسويق افكار ولي أمرها السياسي، لا بل مساهمة هؤلاء الاعلاميين في اثارة البلبلة والارباك حول زعيمهم، فضلا عن تعقيد الامور بدل حلحلتها.

انتقادات وهلوسات ومحاولة لتقديم التبريرات، هذه هي تقنيات العمل الإعلامي في 14 آذار، وهذه هي عدة الشغل بعد المواقف الاخيرة لسعد الحريري الذي ينتظر اللبنانيون منه الخطوة التالية.
2010-09-16