ارشيف من :آراء وتحليلات
رسالة جونز البائسة ... والسعي نحو المال والشهرة
بغداد ـ عادل الجبوري
ماذا اراد القس الأميركي تيري جونز من وراء دعوته إلى حرق نسخ من القرآن الكريم ، وهي دعوة أقل ما يمكن ان توصف به بـ"الحمقاء"؟
قد لا تأتي الإجابة موضوعية وبعيدة عن التشنج والانفعال، اذا لم نعرف تاريخ هذا الرجل وجانبا من سيرة حياته. فتيري جونز البالغ من العمر 58 عاما، هو بحسب ما تشير مصادر كنسية اميركية، أميركي من مدينة كيب جيراردو بولاية ميسوري. قضى 30 سنة من عمره بالتبشير الفاشل حتى الآن. هو أيضا تاجر ناجح بالمفروشات المستعملة التي يشتريها ويبيعها "أون لاين" بالمزادات، لذلك أصبح جونز مليونيراً، ولديه 6 أملاك مسجلة باسمه واسم زوجته الثانية، سيلفيا جونز، جميع أملاكه اشتراها بين آذار/مارس 2006 وكانون الثاني/يناير 2007 في جوار مدينة جينزفيل بولاية فلوريدا، وهي تقع في ضاحية ريفية، منها "مركز حمامة للتواصل مع العالم" التابع له وكنيسة تحمل الاسم نفسه لكنها لا تتبع أي طائفة مسيحية معروفة.
لم يقم جونز بتأسيس مركز "الحمامة" بل المبشران دونالد نورثرب وريتشارد رايت في عام 1986، وللمركز المذكور كنيسة أقدم منه في التأسيس وأصبحت تابعة له في ما بعد، وتقع في مدينة والدو بولاية فلوريدا أيضا. أدار المبشر رايت نفسه الكنيسة الى جانب ادارته للمركز حتى وفاته قبل أربعة اعوام، ثم نشطت في المركز والكنيسة أرملته دولوريس، وهي كندية ومؤلفة كتاب "الرب غير محدود"، وبقيت أكثر البارزين نشاطا حتى تقاعدت في 2004 مع استمرارها كعضو مراقب، الى أن قام جونز بطردها من المركز والكنيسة معا العام الماضي "لابدائها المخاوف حول مستقبل الكنيسة في ظل أسرة جونز".
وهناك أيضاً كنيسة ثانية أقدم لناحية التأسيس من المركز، وأصبحت تابعة له في ما بعد، وهي تقع في مدينة كولونيا في ألمانيا، وأسسها جونز نفسه عام 1981 واستمر بادارتها حتى نهاية 2007 وسط شبهات مالية وظروف قادتها الى الانفصال عن مركز "حمامة"، بل وطرد جونز نفسه.
وكان تيري جونز يعمل في شبابه مديرا لفندق صغير، وهو أب من زوجته الراحلة لابن اسمه لوقا، وابنة اسمها إيما، وهي تكرهه وتبرأت منه ومن زوجته سيلفيا وانفصلت عن العائلة تماما، بل وعن الكنيسة التي أسسها في كولونيا، بحسب ما قالته لمجلة "در شبيغل الألمانية الواسعة الانتشار.
ونقلت مجلة "دير شبيغل" الألمانية عن جونز قوله: "لنكن واضحين، نحن كنيسة صغيرة ببلدة صغيرة وقررنا حرق عدد من المصاحف في فناء كنيستنا، ولا نرغب بالتسبب في أي عنف". كما قالت المجلة ان جماعة كنيسة كولونيا التي أسسها، طرد منها لتطرفه ونقلت عن ستيفان بار ـ أحد القيمين على الكنيسة ـ تصريحات لوكالة "دي.بي. إي" الألمانية للأنباء أخبارا عن شبهات مالية وحسابات غامضة حين كان جونز راعيا للكنيسة بكولونيا. وقال ان " مناخا من الخوف وعدم السيطرة" كان يخيم على أعضاء الكنيسة طيلة ادارة جونز لها!
لم ينجح جونز في أي عمل تبشيري قام به، فقد كانت كنيسته في كولونيا من الأفشل، وكذلك مركز "الحمامة" الذي منذ تسلم ادارته في 1996 لم يستطع أن يستقطب له سوى 50 عضوا حتى الآن، ولعل فشله التبشيري المتكرر هو وراء رغبته بالظهورعلى مستوى دولي مستغلا كراهيته للاسلام، وهي بضاعة رائجة في الولايات المتحدة منذ هجمات 11أيلول/سبتمبر، لذلك أصدر قبل عدة شهور كتابا بعنوان "الإسلام من الشيطان"، ويقول من قرأه انه خال من أي معلومات تؤكد عنوانه، وليس فيه سوى تهجمات بغيضة بلا سند.
وتذكر صحيفة "جينزفيل صن" نقلاً عن مراقبين للضرائب العام الماضي بـ"أن معظم أرض الكنيسة التي يديرها جونز والبالغة قيمتها مليونا و600 ألف دولار تستخدم لأغراض تجارية بانتاج القمصان والكتيبات وغيرها. ولجونز الذي يدّعي بأن الاسلام يبعث على العنف، وأن المسلمين يريدون فرض شريعتهم على الولايات المتحدة، موقع على الانترنت بلغ أعضاؤه حتى اكثر من 14 ألفا بعد أن كانوا أقل من 3 آلاف قبل شهر.
أما مبيعات كتابه فزادت خلال شهر واحد على 200 ألف نسخة كما زادت مبيعات قمصان ينتجها ـ ممهور عليها عبارة "الاسلام من الشيطان" وسعر الواحد منها 20 دولاراً ـ وتقدر ثروة جونز وزوجته التي قال إنها ساهمت شخصيا بحمل كمية ضخمة من الحطب لوضعها في سيارة فان تمهيدا لاشعالها وقت حرق المصاحف، تزيد الآن على خمسة ملايين دولار، فيما شهرته وصلت الى 5 قارات إلا أن أعضاء كنيسته ما زالوا 50 فقط لا غير.
ويمكن ان نستشف من هذه السيرة المقتضبة له انه شخض متطرف وباحث عن الشهرة والمال بأي طريقة، وهو ليس رجل دين حقيقيا، وعمله في الاوساط الدينية نوع من التجارة التي يراد من ورائها تحقيق مكاسب مادية ومعنوية. ويبدو جونز لا يختلف بشيء من حيث الجوهر والمضمون والطموحات والتوجهات عن الكاتب البريطاني الجنسية الهندي الأصل سلمان رشدي حينما كتب روايته المثيرة للجدل "الآيات الشيطانية"، ولا يختلف عن رسام الكاريكاتير الدانماركي كورت فسترغارد الذي اساء للنبي محمد (ص) بعدد من الرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها في صحيفة "يلاندس بوستن" الدانماركية قبل خمسة أعوام بالضبط. كما أنه لا يختلف عن زعيم حزب الحرية الهولندي المتطرف غيرت فيلدرز الذي اعتبر ان انشاء مسجد في نفس موقع مركز التجارة الدولي الذي جرى تدميره في الحادي عشر من ايلول/سبتمبر من عام 2001 يمثل خيانة كبرى للضحايا، ناهيك عن دعوات وحملات تحريضية أخرى ضد المسلمين.
تيري جونز وسلمان رشدي وغيرت فيلدرز وأمثالهم يمثلون نماذج حية للتطرف في الغرب، وهم لا يختلفون عن أولئك الذين يشوهون الإسلام بتطرفهم، علما أن الأديان السماوية تنبذ العنف وسفك الدماء وإزهاق الأرواح والاساءة الى معتقدات الآخرين، وتدعو إلى التسامح والحوار.