ارشيف من :أخبار لبنانية

دراسة: "كشف حساب" بإنجازات وإخفاقات إسرائيل من الانسحاب قطاع غزة

دراسة: "كشف حساب" بإنجازات وإخفاقات إسرائيل من الانسحاب قطاع غزة

بدأت إسرائيل بالانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة، وأربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية يوم 15/8/2005، حيث أُطلق على هذا الحدث اسم "الانفصال". واستكمل الجيش الإسرائيلي إجراءات انسحابه من غزة يوم 11/9/2005، وطُلب من جهاز الأمن العام مواكبة إجراءات الانفصال استخبارياً لضمان خروج قوات الجيش بصورة مرتَّبة. وفي الوقت ذاته تحرك الجهاز للحيلولة دون عرقلة إجراءات الانفصال من جانب بعض معارضي الانفصال الذين لجأوا إلى ممارسات غير قانونية. وفي أعقاب الانفصال وخروج الجيش الإسرائيلي من غزة، غير جهاز الأمن العام كيفية تعامله مع قطاع غزة.
الملف التالي الذي قام بإعداده عدد من المحللين والخبراء يقدم "كشف حساب" بإنجازات وإخفاقات إسرائيل من هذا الانسحاب.

فشل القضاء على حماس

شكل استمرار العمليات المسلحة المنطلقة من قطاع غزة وانتشارها بين قطاعات مختلفة من الأجنحة العسكرية، دليل على فشل ذريع لإستراتيجية إسرائيل في مواجهة حماس وحلفائها.

وأبدى الكثير من الجنرالات الإسرائيليين اعتقادهم أن استمرار هذه العمليات، وبطرق ووسائل مختلفة، سيضعف قدرات الجيش على مواكبة تطوير نفسه، فضلا عن أن هذه العمليات أحالت التفوق النوعي الإسرائيلي، وخاصة القنابل والصواريخ المتطورة إلى "قوة محايدة"، وساعدت على الإخلال ببنية الردع العسكري، وإحباط نظرية الأمن، وإحلال مفهوم المجتمع المذعور محلها.

وقد تجلى الاعتراف الإسرائيلي بفشل القضاء على حماس، عبر أقوال الجنرالات والمسئولين السياسيين، ومنها:

- وزير الشئون الإستراتيجية الحالي ورئيس هيئة الأركان السابق "موشيه يعلون" الملقب بـ"مهندس سياسة القبضة الحديدية في مواجهة الانتفاضة"، والذي عارض بقوة خطة الانسحاب من غزة، أكد أن الجيش الإسرائيلي لن يكون بمقدوره أن يضع حدا نهائيا للعمليات المسلحة بوسائل القوة، وإن أفضل سبيل للخروج من المأزق الأمني الذي تتواجد فيه إسرائيل هو التوجه بسلسلة من التسهيلات للفلسطينيين، فضلا عن البحث عن سبل آفاق سياسية جديدة. ولم يكتف "يعلون" بإبداء هذه الملاحظات، بل وصف السياسة الأمنية التي كلفته الحكومة بتطبيقها حين كان رئيسا لهيئة الأركان بـ"الكارثية". وتكمن أهمية هذه التصريحات، فضلا عن كونها إقرارا بعجز القوة الإسرائيلية في القضاء على العمليات المسلحة، فإنها تصدر عن أكبر مرجعية عسكرية، وتحديدا عن الشخص الذي رفع شعار "ما لم يأت بالقوة، يأت بمزيد من القوة" في مواجهة المقاومة.

- نائب زعيمة حزب "كاديما"، ووزير الدفاع السابق "شاؤول موفاز" اعترف خلال اجتماعه بمجموعة من الجنود المسرحين بشراسة العمليات المسلحة، التي عرفها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، معتبرا أن الحرب معها لا تشبه أي حرب خاضتها إسرائيل من قبل، وخاطب جنوده: خدمتكم العسكرية لا تشبه أي خدمة في أي فترة، ولا تشبه حتى خدمة الجنود والضباط الذين خدموا في حروب إسرائيل.

- وزير الدفاع الحالي "إيهود باراك" رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب العمل قال: "إن الفلسطينيين أضحوا مثل الوسادة، كلما وجهت لهم لكمة، كلما ارتدوا بقوة، وكأنهم لم يتلقوا اللكمة".

- الجنرال "داني روتشيلد" الرئيس السابق لقسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية يقول: "إنه لأمر يثير اليأس والإحباط أن تنجح حركة حماس التي تقود باقي الفصائل بعد كل ما تعرضت له من ضربات في تنفيذ تلك السلسلة من العمليات الفدائية، إن أقل ما يمكن أن يقال هنا أن حديث الأجهزة الأمنية عن تقليص قدرات حماس هو أمر ليس فقط مبالغا فيه، بل ومحض خيال"!

- وزير الدفاع الأسبق ورئيس حزب العمل السابق الجنرال "بنيامين بن إليعازر" خرج عما اعتاد عليه في السابق، معلقا على تصاعد العمليات المسلحة بعيد الانسحاب من غزة: "علينا أن نتخلى عن الكثير من المسلمات التي تعلقنا بها في الماضي، وهي أننا لن نمنع مواصلة تقتيل مواطنينا في الشوارع والمقاهي والمنتديات، بإمكان المرء أن يواصل الحديث عن إمكانية الحسم الأمني في مواجهة الفلسطينيين، لكن العمليات المسلحة بعد كل هذه الجهود التي بذلناها، تدل على أن هذه إمكانية غير واقعية مطلقا، ومن يواصل الحديث عن الحسم العسكري فهو بلا شك يوهم نفسه فقط!

- مدير مكتب "إسحاق رابين" سابقا "إيتان هابر" قال: "إن الحقيقة التي يتوجب على دوائر صنع القرار في إسرائيل إدراكها هي أنه لا يوجد مطلقا حل عسكري للعمليات المسلحة من قطاع غزة، ولذلك إلى أن يتشرب القادة الإسرائيليون هذه القناعة، فإن مزيدا من خيبات الأمل ستكون من نصيبنا"!

لقد عبرت تلك الأقوال والتصريحات عن تململ في أوساط النخبة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، ولكن ما طرحه المجتمع الإسرائيلي كانت تساؤلات جدية ومصيرية عن قدرة الجيش الحقيقية في تحقيق الأمن لإسرائيل، وتحديدا بعد الانسحاب من قطاع غزة.

نفق القوة

وقد حفلت وسائل الإعلام بعشرات، بل مئات المقالات التي شككت في جدوى سياسة الانسحابات من غزة وغيرها، وحذرت من عواقبها.

فقد عقب الكاتب الصحافي "يوئيل ماركوس" على عمليات الجيش الإسرائيلي ضد القوى المسلحة في قطاع غزة بالقول: بعد سنوات من انسحاب القوات الإسرائيلية يتبين أن بنية حماس لم تقوض، وعلى الرغم من الدمار الواسع في أعقابها، فقد خرج قادتها سالمين معافين في معظمهم، ومع انتهاء تلك الحملات وكنتيجة لها، ازدادت دوافع الفلسطينيين للانتقام، لقد تطورت أساليبهم وتضاعفت جرأتهم، إن استراتيجيا "الإرهاب" لا تزال مستمرة.

فيما قال المعلق السياسي البارز "جدعون سامت": إن سلسلة العمليات التي نفذتها حركة حماس خلال سنوات ما بعد الانسحاب من غزة باتت تشكل عامل إحراج كبير للجيش وقيادته، وقد وصل الإحراج والإرباك درجة لا تحتمل، محذرا من النفق الذي وقع فيه قادة الجيش الفرنسي في الجزائر، حين رفعوا شعار: يتوجب قبل كل شيء تحقيق النصر في الحرب، في حين رفعت الحكومة الإسرائيلية شعار: دعوا الجيش ينتصر، مؤكدا أن الإسرائيليين سينجحون في حربهم ضد المقاومة الفلسطينية، بحجم النجاح الذي حققه الفرنسيون ضد المقاومة الجزائرية!

واختار المعلق العسكري "رؤوفين بدهتسور" تقديم تقييم عسكري حول عمليات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة خلال السنوات الخمس الماضية بالقول: يبين تحليل نتائج الحملات العسكرية على أنها خلافا للطريقة التي تصور بها، ليست نجاحا عسكريا باهرا، فإذا كان الهدف من القتال، كما أعلن في بداياتها "قطع دابر الإرهاب"، فقد تبين أن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه، لأن الضباط أنفسهم الذين ادعوا مرارا وتكرارا أن تصفية العمل المسلح أمر ممكن بشرط أن يتاح للجيش الإسرائيلي استخدام قواته داخل المناطق الفلسطينية بشكل مكثف، بدأوا يغيرون لهجتهم، لقد كفوا عن الحديث عن القضاء على العمل المسلح، وأخذوا يعترفون بأن ما يمكن فعله فقط هو محاولة تقليص حجمها!

وربما يذكرنا هذا التقييم بما صدر عن المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية في أعقاب الحرب الإسرائيلية ضد لبنان في يوليو 2006، فبعد ان كان الهدف المعلن هو القضاء على حزب الله ونزع أسلحته، تراجع هذا الهدف رويدا رويدا إلى تقليص قدراته بعد فشل الحملة العسكرية.

ومع ذلك الإقرار بفشل إجراءات الجيش العسكرية ضد قوى المقاومة، وتمكنها من ترميم قواها، وإعادة تنظيم خلاياها خلال فترة قياسية، تولدت لدى الإسرائيليين عسكريين ومحللين وجهات نظر وقناعات جديدة فحواها أن ما يسمى "البنية التحتية للإرهاب" ليس بنية مادية يمكن تدميرها بعملية عسكرية، وإنما هي بنية معنوية كامنة.

ولعل هذا ما قصده ضابط إسرائيلي كبير، وهو بصدد استعراض جهود الأجهزة الأمنية في القضاء على الأجنحة العسكرية الفلسطينية، حيث قال: لقد نجحنا في تصفية كل الخلايا العسكرية، وبقيت أمامنا خلية واحدة فقط عدد أفرادها 1,5 مليون فلسطيني!

فيما أشار الكاتب الصحفي "فيليكس فريش" إلى أن هذه البنية في قطاع غزة هي جميع الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 17-50 عاما.

إعترافات وتقييمات لقادة الكيان تؤكد فشل الإنسحاب

تواترت اعترافات القادة العسكريين والمفكرين الإسرائيليين بأن اضطرار الجيش لتنفيذ خطة الانسحاب يمثل تراجعاً واضحاً للمشروع الإسرائيلي، وانتصاراً لخيار حماس الذي تجند حوله الشعب الفلسطيني، وجاءت هذه الاعترافات على النحو التالي:

- من جديد، رئيس هيئة الأركان السابق "موشيه يعلون" الذي عارض خطة الانسحاب قال: "كلما مر الوقت سيزداد الوضع خطرا، سيكون فشل الانسحاب محسوسا أكثر فأكثر، سنجد أنفسنا نواجه مملكة "إرهاب" قادرة على إطلاق صواريخ أكثر ذات مدى أبعد وفاعلية أكبر على إسرائيل، سيبلغ تهديد الصواريخ إلى عسقلان واسدود وعمق النقب، لن يكون بالإمكان علاج هذا التهديد بالهجمات الجوية فقط، لهذا، إذا تواصل الانسحاب في الضفة بعد الانفصال عن غزة فان النتيجة ستكون قاسية. وأضاف محذرا: أي انسحاب في الضفة مشابه لما حصل في غزة، سينشئ تهديدا استراتيجيا للقدس ولمطار بن غوريون وللمراكز السكنية في السهل الساحلي، لن تكون صواريخ القسام والكاتيوشا مشكلة سديروت، ستبلغ صواريخ القسام والكاتيوشا إلى مداخل البيوت في تل أبيب"!

- "آفي ديختر" الرئيس السابق لجهاز المخابرات (الشاباك) ووزير الأمن الداخلي قال: لا أحد يستطيع الإنكار أن الفلسطينيين حققوا إنجازاً كبيراً بدفع إسرائيل لإخلاء مستوطناتها من قطاع غزة بدون مقابل سياسي، وبالتالي فإن الاستنتاج الذي توصل إليه الفلسطينيون هو أن نضالهم المسلح أثمر انتصاراً على إسرائيل.

- الجنرال "شلومو غازيت" القائد السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية (أمان) يرى أن على إسرائيل أن تتعلم الدرس من اضطرارها لتنفيذ خطة فك الارتباط، وهو أنه عاجلاً أم آجلاً ستكون مضطرة للجلاء عن الأراضي المحتلة.

- وزير البنى التحتية الحالي والنائب عن حزب "يسرائيل بيتنا" "عوزي لانداو" يقول: إن اضطرار إسرائيل للجلاء عن قطاع غزة، في الوقت الذي تتواصل فيه العمليات المسلحة، يدل على انتصار حماس وهزيمة تاريخية لإسرائيل.

- "بنيامين نتنياهو" رئيس الوزراء، الذي استقال من الحكومة عام 2005 احتجاجا على خطة الانسحاب من غزة، عقب في هذه الذكرى بالقول: خطة فك الارتباط تمثل انتصاراً هاماً لحركة حماس ولفكرها، وبإمكان الفلسطينيين أن يعبّروا عن فرحتهم بهذا النصر الكبير، الذي لم يكن له مثيل في كل مواجهات دولة إسرائيل.

- زعيم المستوطنين في قطاع غزة، عضو الكنيست "تسفي هندل"، يقول: لقد قالوا لنا دائماً، دعوا الجيش ينتصر، لكن الذي حدث هو أن حماس هي التي انتصرت، وإذا كانت الحكومة جعلت الجيش "يفر" على هذا النحو المخزي، فلماذا جعلونا نستثمر كل هذا الجهد في بناء هذه المستوطنات، وتقديم تضحيات من أجلها؟

- الجنرال المتقاعد "يعقوب عميدرور" اعتبر أن قوة الردع الإسرائيلية في مواجهة حماس أصابها "عطب" بعد تنفيذ الانسحاب من غزة، لأن الأمر الذي بات معروفاً للفلسطينيين والعرب بعد الانسحاب هو حقيقة أنه بإمكانهم أن يحصلوا على منجزات سياسية إن واصلوا استخدام الضغط على إسرائيل، للأسف فإننا ننسحب بعدما تبين لهم أنه بالإمكان هزيمتنا!

- مراسل الشؤون الفلسطينية "يورام بن نور" علق على ذكرى الانسحاب من غزة بالقول: سواء قبلنا أم رفضنا، فإن حماس ستظهر للعالم على أنها هي التي أخرجتنا من قطاع غزة، لن ينفعنا أي شيء آخر!

لغة الأرقام

بلغة الأرقام، شكلت العمليات المسلحة عنصرا ضاغطا على الجيش الإسرائيلي بصورة واضحة من خلال الإحصائيات التي أصدرها، التي أشارت إلى أن 135 إسرائيلياً قتلوا في قطاع غزة بين عامي 2000-2005، بينهم 106 من الجنود والضباط، و29 مستوطنا، في حين أصيب العشرات منهم بجراح.

ويعتبر العام 2004 أكثر الأعوام التي سقط فيه إسرائيليون، إذ قتل فيه 46 إسرائيليا أي حوالي ثلث القتلى، تلاه العام 2002، الذي سقط فيه 35 قتيلا، فالعامين 2000، و2003 وسقط في كل منهما 15 قتيلا، في حين سقط خلال عام 2005 وهو عام الانسحاب 12 قتيلا. وقد نفذت الفصائل الفلسطينية المسلحة 12 عملية فدائية مشتركة، وهي من كبرى العمليات التي وقعت، قتل خلالها 59 إسرائيلياً.

الوضع الأمني بعد الانسحاب

لم يكن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، نهاية لمعاناة الجيش والمستوطنين، على العكس من ذلك، فمنذ اللحظة الأولى للانسحاب، بدأت التحذيرات تصدر من الأوساط العسكرية التي تحذر من تزايد المخاطر الأمنية على الحدود خلف "خط الهدنة"، وجاءت التهديدات من عدة مصادر عسكرية وأمنية. فقد أكد مراقبون إسرائيليون أن المستوطنات الواقعة داخل الأراضي المحتلة عام 1948، أصبحت مكشوفة أمام الصواريخ المحلية الصنع، وأصبحت في مرماها.

ونوهت إلى أن خمسة مستوطنات على الأقل أصبحت في دائرة الخطر من "الأنفاق المفخخة" التي ابتكرتها فصائل العمل المسلح، وهو ما قد تلجأ إليه في حال تنفيذ هجمات إسرائيلية ضد الفلسطينيين.

كما أعربت مصادر أمنية مسئولة عن بالغ قلقها من احتمال اتساع مدى الصواريخ، لاسيما عقب تنفيذ خطة الانسحاب من كامل القطاع، وإتاحة مناطق متقدمة تستخدم لإطلاقها، لتطال المستوطنات المحاذية للقطاع، والتي كان يصعب وصول الصواريخ إليها، وعليه فستظل هذه الصواريخ عامل تهديد ورعب لهذه المستوطنات.

ومنذ اليوم الأول للإخلاء الإسرائيلي من غزة، بدأت الأجهزة الأمنية تدرس تزويد آلاف منازل المستوطنين بوسائل حماية من هذه الصواريخ، إضافة إلى وضع ملاجئ بمواصلات خاصة، في الوقت الذي يواصل فيه الفلسطينيون تطوير صواريخهم، مما دعا وزارة الدفاع لأن تقرر رصد مبلغ 50 مليون دولار لحماية وتحصين المستوطنات والتجمعات السكانية المحيطة بقطاع غزة، من الصواريخ محلية الصنع، ومن الأنفاق التي يستخدمها الفلسطينيون، لتنفيذ عمليات فدائية نوعية، تحسباً لعمليات كهذه.

وتقدر مصادر الجيش الإسرائيلي، بأن الحديث يدور عن تهديد مقلق وخطير يستدعي انتشارا دفاعيا مناسبا في هذه المستوطنات، وقد تم الاعتراف بهذه المستوطنات المحيطة بغزة باعتبارها بلدات في "خط المواجهة"، مشيرة إلى أن وزارة الدفاع صادقت على خطة متعددة الجوانب، لتحصين المستوطنات في محيط غزة، بكلفة 50 مليون دولار، منها 16 مليون لعام 2005، على أن يتم الباقي في فترات لاحقة.

وفي هذا الإطار، حصلت المستوطنات على الاحتياطات التالية: "تسييج وإنارة، طريق محيطي، غرف أمنية، وجود أمني مكثف، نيل التسهيلات الضريبية الممنوحة لخط المواجهة.

وكجزء من تحصين المستوطنات، أقام الجيش خط تحسين مطور، يسمى "هوبرس ب"، وهو نوع من "الحزام الأمني" بمدى يتراوح بين 80 إلى 200 متر عن جدار الفصل الحالي، وفي هذه المنطقة سيعمل الجيش وباقي قوات الأمن الأخرى.

على الجانب الآخر، أبدت المصادر العسكرية والأمنية خوفاً من وصول تقنية الصواريخ إلى الضفة الغربية الملاصقة للمدن الإسرائيلية الكبرى، لما يشكله ذلك من تهديد استراتيجي حقيقي للأمن الذي تحاول إسرائيل جاهدة الحفاظ عليه، لذا شرعت في إقامة الجدار الفاصل لمنع وصول "الانتحاريين"، الأمر الذي تغيب الحاجة إليه في حال وصول الصورايخ للضفة.

وتتساءل المصادر الاستخبارية: إذا كانت التقديرات بشأن زيادة مدى صاروخ القسام أدت إلى إقرار نصب نظام إنذار في عسقلان، يسمى "فجر أحمر"، ماذا ستعمل هذه الأنظمة في حالة وصول هذه الصواريخ إلى أراضي الضفة الغربية، الأمر الذي قد يهدد أهدافا إستراتيجية أخرى، بما فيها مطار "بن غوريون"!، نظرا لقرب المسافات بين مدن الضفة والمدن الإسرائيلية الرئيسية.

وفي خطوة جديدة من نوعها أجرت الشرطة الإسرائيلية بالتعاون مع الجيش وهيئة الإسعاف والإطفاء تدريباً عسكرياً مشتركاً لمحاكاة احتمال قيام حماس في الضفة، بإطلاق صواريخ ضد أهداف إسرائيلية، وهو الأمر الذي لم يحدث بعد، لكنه يحصل باستمرار في قطاع غزة، حيث أن التمرين العسكري الموسع يحاكي سقوط صواريخ، تصنعها حماس في منطقة مأهولة بالإسرائيليين. ولكثرة هذه التهديدات التي اعتبرت "إستراتيجية"، دعت وزارة الدفاع لإقامة السياج الأمني الفاصل حول التجمعات الاستيطانية في الضفة الغربية، والمقصود هنا مستوطنات "آرئيل، غوش عتصيون، معاليه أدوميم"، لحمايتها من عمليات محتملة بعد تنفيذ الانسحاب.

رزمة عمليات

من جهته، اختار جهاز الأمن العام "الشاباك" أن يكشف في هذه الذكرى للانسحاب من غزة عن استغلال حركة حماس في قطاع غزة لأعوام ما بعد الانسحاب لنقل المزيد من الخبرات العسكرية، وتنفيذ عدد من العمليات، أهمها:

- إطلاق النار ضد سيارات المستوطنين.
- زرع عبوات ناسفة باتجاه حافلات إسرائيلية.
- التخطيط لخطف الجنود وأسلحتهم.
- جمع معلومات حول أماكن استجمام بغرض تنفيذ عمليات.

ويشير الشاباك بأن الفصائل المسلحة في قطاع غزة عشية الانسحاب الإسرائيلي بدا أنها أظهرت تكيفا واضحا مع الوضع الجديد، من خلال استخدام تكتيكات عسكرية وأمنية من خلال لجوئها إلى:

1- استخدام أنماط جديدة من العبوات الجانبية، بأساليب تمويه مناسبة بما يتناسب مع طبيعة الأرض واختلافها عن طبيعة الأرض الرملية،
2- اتباع آليات جديدة لصنع وتدفق السلاح بعد الانسحاب من قطاع غزة، لضمان تقوية ذاتها من خلال عدد من الوسائل:

- المحافظة على مصادر التمويل المالي لشراء السلاح، سواء من المتبرعين المحليين أو الخارجيين
- توفير عدد لا بأس به من خطوط توريد السلاح إلى قطاع غزة، والربط مع أكثر من جهة لتأمين وصول السلاح، حتى إذا ضرب خط من الخطوط يبقى الآخر مستمرا
- تطوير التصنيع المتعدد الأوجه في ظروف غير متوفرة في ظل تواجد الجيش الإسرائيلي، وبقدرة أعلى على إدخال المواد الخام الضرورية للتصنيع وتعدد منافذ استيراده
- التوجه إلى تعليم وتدريب المقاتلين على استخدام السلاح، وكيفية الحفاظ عليه، وتخزينه إن وجد
- زيادة التجارب، حتى تصل إلى الدرجة المطلوبة من السلاح والعبوات والقذائف والصواريخ
- تطوير مدى صواريخ القسام، لأنها السلاح الاستراتيجي في الفترة المقبلة
- زيادة وتنويع المخزون الاستراتيجي من الذخيرة بكافة أنواعها،
- تبادل الأفكار في تصنيع الأسلحة بين الفصائل

في المقابل، حققت أجهزة المخابرات الإسرائيلية نجاحات كثيرة خلال فترة ما بعد الانسحاب من غزة، مستندة في ذلك على:

1- العملاء المنتشرين في قطاع غزة
2- وسائل التكنولوجيا الحديثة وخاصة الاتصالات

مواجهة "اليوم التالي" (ما بعد الإنسحاب)

منذ اليوم الأول الذي أعلن فيه "شارون" عن خطة الانفصال الأحادي يوم 18/12/2003، بدأت الطواقم الأمنية والسياسية والعسكرية تعمل على قدم وساق لترتيب تنفيذ الخطة على أفضل وجه ممكن، ومما اهتمت به هذه الطواقم الاستعداد لمواجهة "اليوم التالي".

وفي تقييم السلوك العسكري الإسرائيلي- كما نوعا- لا يجب أن يغيب أن العقول المدبرة لخطة الانسحاب في الجيش الإسرائيلي، لاسيما الجنرال "غيورا أيلاند" رئيس مجلس الأمن القومي، و"يسرائيل زيف" رئيس وحدة العمليات في هيئة الأركان التابعة للجيش الإسرائيلي، أكدا في أكثر من مناسبة أن طبيعة الميدان العسكري في القطاع سيختلف بصورة كبيرة عما كان الوضع عليه قبل الانسحاب منه، الأمر الذي وجد طريقه من خلال عدد من اللقاءات التي عقدتها شعبة التخطيط التابعة لهيئة أركان الجيش، وبعض مراكز البحوث والمؤسسات الإعلامية في إسرائيل، للبحث في كيفية الرد على أي مستجدات قد تشهدها الساحة الغزية بصورة خاصة.

وفي هذا المجال أبدت إسرائيل استعدادها لإمكانية استمرار الفلسطينيين في عملياتهم المسلحة بعد الانسحاب من غزة، ولذلك وضعت الخطط لمواجهة سيناريوهات محتملة من هذا القبيل.

فقد أعد الجيش الإسرائيلي خطة "متعددة الطبقات"، تتكون من "الدفاع والهجوم والاستخبارات"، ولديها أجنحة معروفة وأخرى سرية، وقام الجيش بتوحيد كل وسائله الإستخبارية، والاعتراض، وإطلاق النار، والاكتشاف والإصابة، والسيطرة في قبضة واحدة.

ليس ذلك فقط، بل إن العديد من المسئولين العسكريين والسياسيين أعلنوا عن ردود عسكرية لم يعهدها الفلسطينيون من قبل في حال تجدد عملياتهم بعد الانسحاب من غزة، من باب أن قيادة الجيش لا ترغب في الدخول في مسألة حساسة، وهي الظهور أمام العالم في صورة من تراجع أمام حماس وشركائها.

ولم تنتظر المؤسسة العسكرية الإسرائيلية طويلا، بل استنفرت وحداتها القتالية، ومؤسستها التصنيعية في رئاسة الأركان، للبحث في البدائل الفنية والتقنية المفترضة للرد على أي عمل مسلح قد يخرج من غزة باتجاه هذه التجمعات، وكانت النتائج على النحو التالي:

- وضع محطات إنذار مبكر للصواريخ المنطلقة من غزة باتجاه إسرائيل، للعمل على إحباط مفعولها، أو على الأقل إسقاطها قبل وصولها لأهدافها
- إبقاء قطاع غزة تحت المراقبة الدائمة من قبل الطائرات الاستطلاعية، ولذلك كشفت إسرائيل مؤخرا عن توقيعها اتفاقية لشراء كمية من هذه الطائرات بصفقة قدرت قيمتها بخمسين مليون دولار
- نشر العديد من الوحدات والكتائب العسكرية على طول الحدود الشرقية مع قطاع غزة، لاستكشاف أي محاولة للتسلل من القطاع باتجاهها

وأثبتت الأحداث جدية تلك التهديدات، حيث أخذ التصعيد الإسرائيلي جبهات أساسية:

- استخدام الطائرات المقاتلة من طراز إف16 بصورة مكثفة، وقيامها باختراق حاجز الصوت يوميا وبصورة مرعبة، لم يعتد الفلسطينيون عليها منذ حرب 1967،

- قيام الجيش بنشر وحدات عسكرية من سلاح المدفعية للمرة الأولى منذ احتلال القطاع، وإطلاقه عددا من قذائفها باتجاه شمال القطاع، في خطوة اعتبرت تصعيدية بصورة ملموسة. وقد ذكر ضابط في قيادة المنطقة الجنوبية أن القصف المركز للمدفعية باتجاه القطاع يصل إلى 300 قذيفة تطلق يوميا، ولكن ذلك لا يأتي بالنتائج المرجوة للأسف، وبالتالي اقتصرت أهداف هذا القصف المدفعي على تهدئة الرأي العام الإسرائيلي.

- تنفيذ عمليات اجتياح محدودة، وخاصة للرد على إطلاق الصواريخ، ولم يستبعد نائب رئيس هيئة الأركان السابق الجنرال "موشيه كابلينسكي" شن عمليات برية في قطاع غزة في حال استمر إطلاق الصواريخ، وقال: أتمنى ألا نضطر إلى الدخول في غزة. فيما كشف المسئول عن دائرة التخطيط في الجيش الجنرال "إسحاق هارئيل" أنه في نهاية المطاف قد يعود الجيش إلى المناطق الواقعة في غزة إذا استمر إطلاق الصواريخ.

- عودة الأجهزة الأمنية لسياسة الاغتيال والتصفية المباشرة من جهة، والقيام بحملات واسعة من الاعتقال المنظم والعشوائي من جهة أخرى.


ملحق إحصائي بالعمليات العسكرية التي وقعت في قطاع غزة في مرحلة ما قبل الانسحاب الإسرائيلي :
 تفاصيل العملية  عدد
القتلى
 تاريخ العملية
 مصرع إحدى المجندات الإسرائيليات العاملات في معبر رفح، وإصابة جندي آخر إثر إطلاق النار على سيارتهما.  1   8/11/2000
 مقتل جندي بإطلاق نار من قبل مقاومين على طريق صلاح الدين، قرب مستوطنات "غوش قطيف" جنوب قطاع غزة.  1  11/11/2000
 مصرع مستوطن وإصابة ثلاثة آخرين بجروح في عملية عسكرية لمقاومين فلسطينيين قرب منطقة "كسوفيم "جنوب قطاع غزة.  1  13/11/2000
 مصرع ثلاثة جنود إسرائيليين وجرح ثلاثة، واستشهاد مقاوم فلسطيني في اقتحام مسلح لمستوطنة "كفار داروم"، وسط القطاع.  3  18/11/2000
 مقتل مستوطنتين وإصابة تسعة آخرين في انفجار استهدف حافلة ضمن قافلة سيارات ، قرب مستوطنة "كفار داروم" وسط القطاع.  2  20/11/2000
 مقتل مستوطن في إطلاق نار نفذه مقاومون شمال خان يونس.  1  21/11/2000
 مقتل جنديين في هجوميين مسلحين منفصلين في قطاع غزة.  2  23/11/2000
 مقتل الضابط الإسرائيلي الميجور "شارون إرامه" قرب مستوطنة "غوش قطيف"، وهو الضابط الأعلى رتبة الذي يقتل منذ بدء الانتفاضة.  1  24/11/2000
 مقتل ثلاثة جنود من خبراء الهندسة، وإصابة 3 بجروح قرب معبر "صوفا" في رفح، إثر انفجار عبوة ناسفة في عملية نوعية.  3  28/12/2000
 العثور على جثة مستوطن كان اختطفه مقاومون قرب خان يونس.  1  14/1/2001
 مقتل جندي إسرائيلي في تبادل لإطلاق النار مع مسلحين فلسطينيين على الحدود الفلسطينية- المصرية في رفح. 2010-09-18