ارشيف من :أخبار لبنانية
جولة مفاوضات جديدة.. «الرباعية» على الرف «والعجوز» تحت الطاولة
صحيفة تشرين ـ الياس غصن ابراهيم
منذ تسعينيات القرن الماضي تقدمت القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام الدولي بدءاً من الخطوة الأولى وهي مؤتمر مدريد.. واللافت أن هذه الانطلاقة ما قدر لها أن تبدأ إلا بعد أن وضعت شمس الاتحاد السوفييتي آخر خيوطها خلف التاريخ، حتى ظن البعض أن وجود الاتحاد السوفييتي كان عامل الإعاقة في حل القضية التاريخية لكن الحقائق اللاحقة أوضحت أن توازن القوى الدولية في ذلك الوقت لم يكن يسمح بالحل الذي يعطي الطرف الفلسطيني حقه التاريخي ولو جزئياً وأقله الحل المتوازن الذي ينصف أطراف الصراع وفق الأمر الواقع وليس وفق الحق التاريخي أو حتى الحق الذي أقرته الشرعية الدولية في القرارين 181 و194 بما عليهما من تحفظات من الجانب العربي.
ورشة العمل أخذت على عاتقها حل القضية بناء على أسس الوضع الراهن وهي:
1- فراغ الساحة الدولية لصالح القطب المنتصر في الحرب الباردة وهي أمريكا وتفردها في إملاء شروطها ورغباتها على السياسة الدولية بعد أن أصبحت هيئاتها كالأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وتفرعاتهما غنائم حرب في قبضة المنتصر وهي الولايات المتحدة الأمريكية.
2- الالتزام التاريخي الغربي بضرورة بقاء الكيان الإسرائيلي قوياً مهيمناً متفوقاً في محيطه العربي والإقليمي، ليس حباً باسرائيل أو كرهاً للعرب وإنما لتكتمل وصية بنيامين فرنكلين بحاجة أجيال امريكا اللاحقة للتخلص من اليهود لما يشكلون من خطر على مستقبل المجتمع الأمريكي بقوله: عليكم أن تتخلصوا من هؤلاء اليهود قبل أن يتمكنوا من السيطرة على مقدرات أمريكا ويصبح بعدها أبناؤكم خدماً لأبنائهم، وهو ما يتطابق مع الصورة التاريخية للسلوك اليهودي في روسيا وأوضح صورة مقالة فيودور دوستويفسكي نشرت في آذار عام 1887 في مجلة يوميات كاتب عدد آذار «نشرتها مجلة فكر ملحقاً لعدد سابق»، واختتم المشهد في أحداث الحرب العالمية الثانية في أوروبا على يدي هتلر.
ولا غرابة وفق هذه الصورة ثلاثية المكان أن نسلم للمقولة المتداولة أن هذا السلوك ليس فطرياً في اليهودي الإنسان كبقية شعوب الأرض بل هو مكتسب من هيئة تدير هذا السلوك وتوجهه في هذا الاتجاه وهو الصهيونية الرسمية وخلفها القوة الخفية.
3- الوضع الدولي المتوتر عسكرياً منذ عشر سنوات وأميل للقول: إنه مصطنع لخلق المناخ الدولي الملائم للحل بإدارة أمريكية وإرادة اسرائيلية وفق الخط الذي رسمته الصهيونية العالمية.
قد تكون الساحة العربية أولى الساحات الممهدة في الإطار الجغرافي المحيط بدءاً من قتل الرئيس المرحوم جمال عبد الناصر كمحور التف حوله الفكر القومي ومقدمة لإعادة بناء العقائد العربية على أسس قطرية أوصلت لزيارة أنور السادات إلى تل أبيب حيث بدأ البناء العربي والدولي المتضامن بالتداعي تباعاً.. في مؤتمر مدريد تحرر القرار الفلسطيني من التزامه العربي وتحول الصراع العربي- الإسرائيلي إلى نزاع فلسطيني- إسرائيلي، وصارت قضية الجولان وما بقي محتلاً من جنوب لبنان وفق التوصيف الغربي نزاعات حدودية كالحالات المشابهة في أكثر من مكان في العالم دون أن يلتفت البعض إلى أن المحتل واحد وهو كيان العدوان والتوسع الإسرائيلي وأن حقيقة الأمر في واقعه صراع عربي-إسرائيلي.
ورشة الحل تعمل بدأب منذ مؤتمر مدريد لإنهاء القضية الأساسية التي منها انطلق العدوان على سورية ولبنان والأردن ومصر، ومن أجلها صار للسياسة الخارجية الأمريكية جهة رسمية أمريكية تعمل في كنف وزارة الخارجية وبإمرة الرئيس الأمريكي مباشرة، فكلما حضر مبعوث أمريكي إلى المنطقة هبطت القضية الفلسطينية خطوة نحو القاع المعد لها.
في الجولة الأخيرة من هذه المفاوضات سقط ما بقي من غلالة الشرعية الدولية واتضح أن أوروبا لا يمكن أن تكون شريكاً في الحل ولأنها عجوز تمتلك الحكمة فقد تكون معيقاً في حل أقرب لاغتصاب ما بقي من حق لمن بقي في فلسطين؟
والرباعية بمن يمثل رئيسها قد تكون محكومة بما يفي من القيم الإنسانية التي ينتمي إليها أعضاؤها وروسيا هيئة الأمم المتحدة ولا يكون الدافع بالمفاوضات إلى النجاح وفق الوصفة الصهيونية إلا باستبعاد هذه الأطراف وحصرها بين طرف ضعيف على الأرض أكثر من ضعف إيمانه بالحد الأدنى لحق الشعب الفلسطيني بدولته ضمن حدود معترف بها دولياً وعاصمتها القدس، إلى جانب الحق الشرعي والإنساني بعودة من هجروا منها منذ عقود قريبة إلى بيوتهم وأراضيهم، مقابل طرف يمتلك أعتى قوة على الأرض، وما يوازيه قدرة على ضبط توجهات الإدارة الأمريكية وفق الرغبة الإسرائيلية دون أي امتياز يؤهلها للرعاية النزيهة مع أن الرباعية هي نتاج العصر الأمريكي، وهي من مواليد العالم الجديد إلا أن ما كان منتظراً منها من مسؤوليات قد يعوض الضعف الذي أوصلته أمريكا إلى الأمم المتحدة التي كان الاتحاد السوفييتي صاحب الحضور الأكبر فيها وفي قراراتها إلى درجة اعتقد البعض أنها ستضبط الدور الأمريكي في سياق البحث عن حل للقضية الفلسطينية يكون أقرب للعدالة وإحقاق بعض موجبات القضية الفلسطينية إلا أن الوقت التالي لتأسيسها أظهر هامشية دورها خصوصاً بعد العدوان على غزة وزيارة طوني بلير الخجولة للوقوف على حجم الدمار والدماء فيها، وأكدت أمريكا هامشيتها في تجاهل أهمية حضورها للمؤتمر ومنها هامشية الدور الأوروبي.