ارشيف من :آراء وتحليلات

ملف شهود الزور معركة متعددة العناوين والجبهات والتعاطي الجدي معه يقفل نوافذ الفتنة الاميركية ـ الاسرائيلية

ملف شهود الزور معركة متعددة العناوين والجبهات والتعاطي الجدي معه يقفل نوافذ الفتنة الاميركية ـ الاسرائيلية
مصطفى الحاج علي
شكل المؤتمر الصحافي لمدير عام الأمن العام السابق اللواء جميل السيد، محطة تزخيم اضافية للسجال المحتدم أصلاً بين الأطراف المتنازعة داخلياً، والتي بيت القصيد فيها، يبقى المواقف الواجب اعتمادها من المحكمة الدولية بكل تشعباتها، والتي بات يجمع كثيرون، ما عدا المعاندين، على أنها تحولت الى أداة للفتنة الداخلية، وخدمة للمصالح الاميركية ـ الاسرائيلية في لبنان والمنطقة، والى كونها باتت أحد أبرز الأدوات الاميركية لفرض وصاية دولية على الوضع اللبناني برمته.
لقد باتت المحكمة الدولية احدى الجبهات الرئيسية والكبيرة لخوض حروب بديلة عن الحروب العسكرية، في معركة تصفية حسابات مع المقاومة في لبنان، وخدمة لتعويم المشروع السياسي القاضي بنقل لبنان الى الموقع الاميركي، ومن ضمن منظور شامل يرتكز على الحاقة في الوقت المناسب بركب منظومة عرب اميركا اللاهثة وراء تسوية بأي ثمن مع الكيان الاسرائيلي، وفي هذا كله ما يوفر على الكيان الاسرائيلي عناء خوض حروب مستحيلة مجدداً مع حركات المقاومة في لبنان والمنطقة، إلا اذا جاءت هذه الحروب في سياق انجاح هكذا مخططات، وكاستكمال لمشروع الفتن الداخلية، وبالنظر الى أن ركائز معادلة التفاهم السوري ـ السعودي لإعادة انتاج الاستقرار والهدوء في لبنان نهضت أصلاً على تعهد الملك السعودي عبد الله بالسعي للعمل على تعطيل عبوة الافتراء ـ الاتهامي الخاص بحزب الله، ويمكن من هنا التأكيد بأن أي تعثر في طرف المعادلة هذا، أو أي اخفاق، سيؤدي الى انعكاسات سلبية على طرفه الأول، حيث لا أحد يتوقع أن يتم العمل على ترجمة افتراء بيلمار بحق المقاومة بهدوء، وبدون أي ردود فعل قوية، لا سيما في ضوء ادراك الجميع لمغزى هذا الافتراء وللدوافع القابضة وراءه، والأهداف المتوخاة منه.
وفي هذا الإطار، لا يفيد التشاطر ولا التذاكي الذي تقوم به أدوات المشروع الاميركي داخلياً، والمرتكز على استراتيجية نزع الذرائع، والفصل بين سوريا والمقاومة، والسعي لايجاد مناخات سياسية واعلامية الهدف المركزي منها تقليل تداعيات الافتراء الى الحد الأدنى.
والحقيقة أن كل ما تقوم به المعارضة حتى الآن، هو محاولة لـ:
أ ـ الدفاع المشروع عن النفس في وجه مؤامرة تريد القضاء عليها في الحد الأقصى ليخلو وجه لبنان للقائمين بها، وفي الحد الأدنى لاضعافها الى درجة ينعدم بها تأثيرها، ويصبح وجودها يعادل عدمها.
ب ـ تصويب مسار الأوضاع في لبنان، في ضوء الانحرافات الخطيرة التي تعرض لها منذ العام 2005 حتى الآن.
هذا الانحراف الذي ترجم انقلاباً سياسياً كبيراً شمل أوضاعا ومؤسسات كثيرة في لبنان، وبالاستناد الى ادعاءات كاذبة، وافتراءات لها أول وليس لها آخر، في صلب تصويب هذا المسار تأتي معركة ملف شهود الزور تحديداً، اضافة الى المعارك الرئيسية الأخرى على جبهة الموازنة، والمؤسسات الأمنية المفتعلة، والقضاء وسواها من مؤسسات تحولت الى اقطاعيات سياسية ـ مذهبية بامتياز.
ان ملف شهود الزور ليس ملفاً بسيطاً، يكفي لتجاوزه اعتذار هنا واعتذار هناك، وليس ملفاً بسيطاً بمعنى أنه يعني أشخاصاً مباشرين فقط هم من كذب وافترى، ملف شهود الزور هو ببساطة يتضمن جملة ملفات رئيسة أبرزها:
أولاً: ملف الشهود أنفسهم الذين كذبوا وافتروا.
ثانياً: ملف من صنعهم ومولهم ووقف وراءهم، وهذا بدوره ملف ينفتح باتساع شديد على عمل لجنة التحقيق الدولية والمحكمة الدولية، لأنه لا يقبل أن من أراد تضليل الحقيقة وعمل المحكمة لا يكون هو من يقف وراء مقتل الحريري الأب.
وهذا الملف بدوره ـ وكما بات معروفاً ـ يشمل دولاً، وشخصيات سياسية وأجهزة أمنية واعلامية، وبالتالي المطلوب وضع هؤلاء جميعاً تحت قوى القضاء النزيه والموضوعي، وبما يكفل معاقبة من يجب معاقبته، وتنقية من تجب تنقيته، وتحديد العدو الفعلي من الصديق.
ثالثاً: ملف الأكلاف الباهظة سياسياً ومعنوياً وأمنياً واقتصادياً التي لحقت بلبنان منذ 2005 حتى الآن.
أليس هؤلاء جميعاً من يتحمل هذه الكلفة الباهظة، بل أليس هؤلاء هم المسؤولين المباشرين، عن الانقسام المريع الذي يعيشه اللبنانيون اليوم، والذي وضعهم أكثر من مرة على حافة الحرب الأهلية، والفتن الداخلية، وأليس هؤلاء هم المسؤولين عن الاساءة الى علاقة لبنان بسوريا وتحويلها الى عدو للبنانيين، والذي ترجم عنصرية بالغة ضد العمال السوريين في لبنان.
من هنا، فإن التعاطي الجدي بهذا الملف يجب ان يكون على مستوى الجرائم والتداعيات والنتائج البالغة السلبية والضرر التي ألقحها بلبنان واللبنانيين، وحتى لا يتجرأ مجدداً على تكرار الأخطاء المميتة نفسها، وأي محاولة للتخفيف من طريقة التعامل مع هذا الملف لن تكون الا نوعاً من التشاطر المفضوح، وذراً للرماد في العيون، وفي مطلق الأحوال، إن ما نقل مؤخراً عن مصادر ديبلوماسية فرنسية وغيرها (والأرجح اميركية) يؤكد ان جل ما عمل عليه مؤخراً هو شراء مزيد من الوقت لانضاج الظروف الملائمة لإمرار الافتراء الاميركي ـ الاسرائيلي بحق المقاومة، ما يعني بدوره ان السجالات الداخلية مقبلة على مزيد من التسخين في المرحلة المقبلة، وعلى جبهات مختلفة، وعناوين متباينة، بما يجعلها تستوعب جبهات وعناوين المشاريع المتصارعة داخلياً، ومن ضمن اطار وضوابط أوسع تخص التسوية والعراق، والعودة المستأنفة بحرارة للملف النووي ـ الايراني، ومن دون ان ننسى افغانستان والسودان وسواها.
هل هي مرحلة الحروب البينية، وكبديل عن الحروب المباشرة الاميركية ـ الاسرائيلية في المنطقة وعليها، ربما، وهذا أمر وارد، إلا إذا وجدت الحكمة لدى البعض، فارتأى ان يتخذ قرارات كبيرة على مستوى انقاذ الوطن.
2010-09-20