ارشيف من :آراء وتحليلات
العراق: تراجع أمني .. وجمود سياسي
بغداد ـ عادل الجبوري
كانت أعجوبة أو بتعبير آخر معجزة... خرج محمد البالغ من العمر 37 عاماً سالما ـ إلا من خدوش بسيطة ـ من انفجار استهدف مقر شركة "آسيا سيل" للهاتف النقال في منطقة المنصور الراقية غربي بغداد صباح الاحد الماضي. محمد يمتلك محلاً قريباً من مكان الانفجار. قوة الانفجار الحقت خسائر مادية فادحة بمقر الشركة إضافة الى البيوت والمحلات والسيارات القريبة منها، ناهيك عن الخسائر البشرية. اول سؤال تلقاه محمد من أصدقائه وزملائه بعد أن شاهدوه هو "كيف خرجت سالماً؟..
كان الأحد يوماً آخر دامياً في حياة العراقيين. سيارة مفخخة انفجرت في ساحة عدن بمدينة الكاظمية المقدسة، تزامنت مع تفجيرات أخرى بعبوات ناسفة في منطقتي البنوك والنهضة. الصورة اكتملت عصر ذلك اليوم بعملية إرهابية بمدينة الفلوجة (50 كلم غرب بغداد) والتابعة لمحافظة الانبار. القاطنون على مسافات ليست بعيدة عن المنطقة الخضراء الشديدة التحصين، كان بامكانهم أن يسمعوا دوي انفجار قذائف الهاون التي استهدفت المنطقة بين فينة وأخرى خلال ساعات النهار والليل.
هذه الصورة باتت مألوفة لدى الكثير من العراقيين لا سيما أبناء العاصمة بغداد، مثلما باتت حوارات ومحادثات الساسة مألوفة في عدم جدوى القسم الأكبر منها.
هذا الواقع الأمني تزامن مع الجلسة غير الرسمية لمجلس النواب العراقي على ضوء مبادرة المرشح لرئاسة الحكومة عادل عبد المهدي و"الائتلاف الوطني العراقي" الذي رشحه، وكانت على وشك ان تبدأ في القاعدة الدستورية للبرلمان تحت عنوان (مجلس النواب.. قلب العملية الديمقراطية في البلاد).
اكثر من خمسين عضواً في البرلمان العراقي الجديد حضروا الجلسة، معظمهم من "الائتلاف الوطني العراقي" وعدد قليل من "التحالف الكردستاني" و"القائمة العراقية"، أما "ائتلاف دولة القانون" فقد قاطع الجلسة بالكامل حسبما كان متوقعاً، وهو يعكس في جانب كبير منه تقاطع الاجندات السياسية، وتمحورها لدى البعض حول المصالح والحسابات الخاصة.
في جلسات الحضور الست عشرة التي تبناها عبد المهدي وتفاعل وحضر معه نواب من كتل مختلفة، لم يحضر نائب واحد من "ائتلاف دولة القانون"، لأن هذا الأخير اعتبر في داخل دوائره الخاصة بأن عبد المهدي منافس المالكي، بادر الى تلك الخطوة لرفع رصيده وسحب البساط من تحت اقدام رئيس الوزراء من خارج "اطار التحالف الوطني" وبمساعدة "العراقية" بثقلها السني و"التحالف الكردستاني"، خصوصا بعد أن ضمن تأييد ودعم التيار الصدري.
الحراك السياسي العراقي ومنذ أكثر من ستة شهور يسير وفق ايقاع تشكيكي، وكان واضحا انه يقوم على مبدأ معارضة ما يقوم به الآخر انطلاقا من فرضية مسبقة، وهي أنه يريد اضعاف منافسه والتغلب عليه، حتى وان كان ذلك يصب في مصلحة العراقيين من امثال محمد الذي نجا بأعجوبة من انفجار المنصور.
ومشهد الصراع والتنافس الحاد بين المالكي وعلاوي على امتداد ستة شهور يمثل تعبيرا حياً وصادقاً عن واقع سياسي سيئ، انتهى الى القفز على الدستور وخرقه بطريقة فاضحة، بعد ان كان الجميع يدعي التمسك والالتزام به، حتى بات الخلاف يقوم على تفسير الدستور من أجل الهروب والتنصل من الالتزامات التي يرتبها والقيود التي يضعها.
ولم تهدأ جذوة السجال بين علاوي والمالكي قليلا، الا حينما اعلن "الائتلاف الوطني" ترشيح عبد المهدي رسميا لرئاسة الحكومة، ليكون ذلك الاعلان مثلما قال برلمانيون في اكثر من كتلة سياسية بمثابة تغيير في خارطة التحالفات والحسابات السياسية، واعادة ترتيب الأوراق والمواقف، واتجاه نحو حلحلة لا بد منها، بيد انه تبقى هناك عقبات وعراقيل غير قليلة أمام ترشيح عبد المهدي تحتاج الى متسع من الوقت لتجاوزها والتغلب عليها، مع ضرورة عدم اهمال او التغافل عن حقيقة ان الملف العراقي مفتوح على كل الاحتمالات.
وما دامت الأوضاع السياسية معلقة، مع بقاء الاشكاليات والعقد بين الفرقاء السياسيين، فإن الأوضاع الأمنية ستبقى سائرة ومتحركة بنفس الايقاع، ومن الخطأ الاستغراق في التفاؤل وانتظار وتوقع حصول تحسن أمني ملموس خصوصاً أنه لم يعد الملف الأمني يتصدر قائمة اهتمامات الماسكين بزمام الأمور، وفي وقت بدا واضحا ان تنظيم القاعدة وبقايا حزب البعث المنحل نجحت في ابتكار اساليب جديدة تتيح لها العودة الى المسرح وخلط الأوراق مرة اخرى، وهي تراهن على الفشل السياسي أولاً واخيراً، فالفشل السياسي يعني مزيداً من مشاهد القتل والدمار.