ارشيف من :ترجمات ودراسات
فوائد المفاوضات للعدو الصهيوني.. وخسائر الفلسطينيين
حسان ابراهيم
رغم المنسوب المرتفع من التشاؤم الذي يمسك بالاسرائيليين حيال إمكان نجاح المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الاسرائيلي، الا انه يمكن معاينة الفرحة بين تعابير التشاؤم، فبدء المفاوضات بحد ذاته يعتبر نجاحا للاحتلال، ويحمل في طياته فوائد لم يكن الكيان ليحصل عليه، من دونها.
المعضلات التي تحول دون نجاح المفاوضات كبيرة جدا، وكثيرة جدا، ولا يمكن لعاقل ان يقنع نفسه، ولو بالاكراه، ان بامكان الطرفين، حتى مع الحضور والضغط الاميركي، تجاوزها. يوجد نوع من التناقض البيّن غير القابل للجسر، ومهما بلغ الرهان على إمكانات رئيس السلطة، محمود عباس، بالتنازل عن الحقوق الفلسطينية، وهذه هي ديدونته، الا ان تمرير التنازلات غير ممكن، وغير قابل للتطبيق.
المفاوضات المباشرة مع السلطة الفلسطينية، وبالشروط الاسرائيلية، تتيح للاحتلال الاسرائيلي وللحكومة الاسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، جباية فوائد ناتجة عن التداعيات المباشرة للبدء بالمفاوضات واستمرارها، ولا تتصل باصل المفاوضات وإمكاناتها حيال التسوية ذاتها. ويمكن اجمال المطلب بالآتي:
ضمن الشروط الاسرائيلية، يؤمن نتنياهو استمرار ائتلافه الحكومي، فالانشغال بالمفاوضات مع الفلسطينيين، اي مفاوضات، هي احد الركائز التي ترسخ اي حكومة اسرائيلية، وتمنع انهيارها. ويشد الترسيخ اكثر كون الشروط التي بدأت المفاوضات بها، تتيح لليمين الاسرائيلي البقاء في الحكومة، وتمنع عن الوسط واليسار اسقاطها. المعنى من ذلك، ان بنيامين نتنياهو أمّن من خلال فرض شروطه على الفلسطينيين، استمرار دعم اليمين له، بما يشمل اليمين المتطرف، اضافة الى إمكان الاستعانة بالوسط واليسار، كحزب "كاديما" و"ميرتس"، كجهات تهديد لليمين نفسه، في حال قرر اللعب خارج اطار قواعد اللعبة المضبوطة جيدا من قبله.. ولليسار تحديدا تجارب سابقة في دعم الحكومة الاسرائيلية من خارج الائتلاف، ابان اي مفاوضات تجري مع الفلسطينيين، حتى وإن لم يكونوا شركاء في الائتلاف نفسه.
أمّن نتنياهو فك شبه العزلة الدولية التي كانت قائمة على حكومته، وعلى اسرائيل بشكل عام، فمن شأن المفاوضات مع الفلسطينيين، واي مسيرة تسوية مهما كانت شروطها وإمكاناتها، ان تلغي مفاعيل اي عوامل اخرى مضرة بـ"اسرائيل" على الصعيد الدولي، وبالاخص ان الخلافات القائمة بين "اسرائيل" والغرب عموما، لا تتصل باصل العلاقات البينية او بالمصالح المشتركة والقائمة، بل بالصورة التي تخرج فيها حليفة الغرب، "اسرائيل"، الى العلن. والمفاوضات هي احدى الوسائل التي تجبّ كل ما قبلها لناحية اسرائيل.
رغم عدم اتفاق البعض على هذا المعطى، الا ان التقارير والتحليلات الاسرائيلية تربط بين المفاوضات و"الرضى" الاميركي، وإمكانات تلبية مطالب اسرائيلية ترتبط باكثر من ساحة من ساحات المواجهة مع العدو، وتحديدا تجاه ساحة التهديد الايرانية.. بحسب عدد من المحللين الاسرائيليين، فان "الرضى" الاميركي يدفع باتجاه تلبية حاجات امنية اسرائيلية من وسائل قتالية وتجهيزات صد ودفاع لمواجهة التهديد الايراني، الامر الذي يغني الترسانة الاسرائيلية اكثر، كما ان "الرضى" يؤدي ايضا الى تفهم خطوات قد تقدم عليها تل ابيب في ساحات اخرى، بما لا يضر كثيرا بالمصلحة الاميركية، الامر الذي يكون منفيا في حال التجاذب والخلاف.
لا يمكن اغفال الجانب الاقتصادي، كفائدة تعود للكيان الاسرائيلي نتيجة للمفاوضات، الجانب الذي يمكّن حكومة نتنياهو من الصمود اكثر والتعامل بشكل انجع مع المشكلات الدااخلية المتصلة بالجانب الاجتماعي، وهي غير قليلة في الكيان.. فبحسب بنك "اسرائيل" المركزي، توفر المفاوضات للاقتصاد الاسرائيلي نموا يزيد عن الثلاثة بالمئة سنويا، اي عوائد غير قليلة لاقتصاد يرتبط نموه وازماته بالازمات العالمية بشكل عضوي، وقد عانى كثيرا في الاونة الاخيرة، نتيجة للازمة الاقتصادية حول العالم.
بناء على ذلك واكثر، يُعد بدء المفاوضات، مهما كانت صيرورتها، مكسبا اسرائيليا بامتياز، سواء وصلت الى النقطة التي تقرب الاطراف من التسوية ام لم تصل..
لكن ماذا على الصعيد الفلسطيني؟
لا يمكن لعاقل، ومهما تدنت قدرته على التجزئة والربط والتحليل، ان يجد في المفاوضات القائمة حاليا، وضمن الشروط الاسرائيلية والظروف والامكانات القائمة بين الاطراف، فائدة تذكر للفلسطينيين وللقضية الفلسطينية.
الفائدة المركزية للبدء بالمفاوضات، هي في اعطاء مبرر لوجود السلطة الفلسطينية نفسها، ولرئيسها محمود عباس، حيث لا مبرر لوجودها من دون مسارات تسووية، بمعنى ان الفائدة شخصية ولا ترتبط بالقضية الفلسطينية.
من المساويء المحققة للمفاوضات بالشكل والمضمون القائم حاليا، انه لم يعد هناك مكانا للتنازل عنه من قبل السلطة حيال "اسرائيل".. ومن سخرية القدر ان يتحول اللعب على الالفاظ لجهة استمرار الاستيطان من عدمه، مكسبا فلسطينيا ينبى عليه ومن خلاله مسارات وآمال واهية للجمهور الفلسطيني.
هل يقوى عباس على رفض الاملاءات الاسرائيلية والاميركية في المسار الحالي للتسوية؟ من الطبيعي ان تكون الاجابة سلبية، فإنهاء المفاوضات يعني انهاء دور ومبرر وجود السلطة، وطالما ان القصد والغاية شخصية، فلا بد لعباس من الرضوخ. لكن رغم ذلك، هناك أرجحية معتبرة لغباء اسرائيلي معتاد في محطات مشابهة، اذ ان شهية الاحتلال تزيد مع زيادة الرضوخ، وفي ذلك مكمن من مكامن فشل المفاوضات، اضافة الى عوامل ذاتية متواصلة الوجود.
من ناحية ثانية، يجب التشديد على ان الاطر العامة التي قد تصل اليها المفاوضات، في حال وصلت اليها، لن تجدد شيئا على صعيد النزاع، ولا يرتبط ذلك بشرعية عباس وشرعية السلطة في الامضاء على اتفاق التنازلات المقترحة، بل يرتبط بإمكانات تنفيذه وتقبل الجمهور الفلسطيني له.. بمعنى ان فشل المفاوضات سيفضي الى فقدان اصل وجود السلطة الفلسطينية بتركيبتها الحالية، وفي نفس الوقت، امضاء اتفاق التنازلات سيوصل الى نفس النتيجة، سقوط السلطة، ومعها الاتفاق نفسه.
لو كان بإمكان الاحتلال ان ينهي القضية الفلسطينية من خلال توقيع اتفاق، لكان انهاها منذ زمن بعيد، لكن القضية قضية شعب، وليست قضية اشخاص، مهما كانت تسمياتهم.
رغم المنسوب المرتفع من التشاؤم الذي يمسك بالاسرائيليين حيال إمكان نجاح المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الاسرائيلي، الا انه يمكن معاينة الفرحة بين تعابير التشاؤم، فبدء المفاوضات بحد ذاته يعتبر نجاحا للاحتلال، ويحمل في طياته فوائد لم يكن الكيان ليحصل عليه، من دونها.
المعضلات التي تحول دون نجاح المفاوضات كبيرة جدا، وكثيرة جدا، ولا يمكن لعاقل ان يقنع نفسه، ولو بالاكراه، ان بامكان الطرفين، حتى مع الحضور والضغط الاميركي، تجاوزها. يوجد نوع من التناقض البيّن غير القابل للجسر، ومهما بلغ الرهان على إمكانات رئيس السلطة، محمود عباس، بالتنازل عن الحقوق الفلسطينية، وهذه هي ديدونته، الا ان تمرير التنازلات غير ممكن، وغير قابل للتطبيق.
المفاوضات المباشرة مع السلطة الفلسطينية، وبالشروط الاسرائيلية، تتيح للاحتلال الاسرائيلي وللحكومة الاسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، جباية فوائد ناتجة عن التداعيات المباشرة للبدء بالمفاوضات واستمرارها، ولا تتصل باصل المفاوضات وإمكاناتها حيال التسوية ذاتها. ويمكن اجمال المطلب بالآتي:
ضمن الشروط الاسرائيلية، يؤمن نتنياهو استمرار ائتلافه الحكومي، فالانشغال بالمفاوضات مع الفلسطينيين، اي مفاوضات، هي احد الركائز التي ترسخ اي حكومة اسرائيلية، وتمنع انهيارها. ويشد الترسيخ اكثر كون الشروط التي بدأت المفاوضات بها، تتيح لليمين الاسرائيلي البقاء في الحكومة، وتمنع عن الوسط واليسار اسقاطها. المعنى من ذلك، ان بنيامين نتنياهو أمّن من خلال فرض شروطه على الفلسطينيين، استمرار دعم اليمين له، بما يشمل اليمين المتطرف، اضافة الى إمكان الاستعانة بالوسط واليسار، كحزب "كاديما" و"ميرتس"، كجهات تهديد لليمين نفسه، في حال قرر اللعب خارج اطار قواعد اللعبة المضبوطة جيدا من قبله.. ولليسار تحديدا تجارب سابقة في دعم الحكومة الاسرائيلية من خارج الائتلاف، ابان اي مفاوضات تجري مع الفلسطينيين، حتى وإن لم يكونوا شركاء في الائتلاف نفسه.
أمّن نتنياهو فك شبه العزلة الدولية التي كانت قائمة على حكومته، وعلى اسرائيل بشكل عام، فمن شأن المفاوضات مع الفلسطينيين، واي مسيرة تسوية مهما كانت شروطها وإمكاناتها، ان تلغي مفاعيل اي عوامل اخرى مضرة بـ"اسرائيل" على الصعيد الدولي، وبالاخص ان الخلافات القائمة بين "اسرائيل" والغرب عموما، لا تتصل باصل العلاقات البينية او بالمصالح المشتركة والقائمة، بل بالصورة التي تخرج فيها حليفة الغرب، "اسرائيل"، الى العلن. والمفاوضات هي احدى الوسائل التي تجبّ كل ما قبلها لناحية اسرائيل.
رغم عدم اتفاق البعض على هذا المعطى، الا ان التقارير والتحليلات الاسرائيلية تربط بين المفاوضات و"الرضى" الاميركي، وإمكانات تلبية مطالب اسرائيلية ترتبط باكثر من ساحة من ساحات المواجهة مع العدو، وتحديدا تجاه ساحة التهديد الايرانية.. بحسب عدد من المحللين الاسرائيليين، فان "الرضى" الاميركي يدفع باتجاه تلبية حاجات امنية اسرائيلية من وسائل قتالية وتجهيزات صد ودفاع لمواجهة التهديد الايراني، الامر الذي يغني الترسانة الاسرائيلية اكثر، كما ان "الرضى" يؤدي ايضا الى تفهم خطوات قد تقدم عليها تل ابيب في ساحات اخرى، بما لا يضر كثيرا بالمصلحة الاميركية، الامر الذي يكون منفيا في حال التجاذب والخلاف.
لا يمكن اغفال الجانب الاقتصادي، كفائدة تعود للكيان الاسرائيلي نتيجة للمفاوضات، الجانب الذي يمكّن حكومة نتنياهو من الصمود اكثر والتعامل بشكل انجع مع المشكلات الدااخلية المتصلة بالجانب الاجتماعي، وهي غير قليلة في الكيان.. فبحسب بنك "اسرائيل" المركزي، توفر المفاوضات للاقتصاد الاسرائيلي نموا يزيد عن الثلاثة بالمئة سنويا، اي عوائد غير قليلة لاقتصاد يرتبط نموه وازماته بالازمات العالمية بشكل عضوي، وقد عانى كثيرا في الاونة الاخيرة، نتيجة للازمة الاقتصادية حول العالم.
بناء على ذلك واكثر، يُعد بدء المفاوضات، مهما كانت صيرورتها، مكسبا اسرائيليا بامتياز، سواء وصلت الى النقطة التي تقرب الاطراف من التسوية ام لم تصل..
لكن ماذا على الصعيد الفلسطيني؟
لا يمكن لعاقل، ومهما تدنت قدرته على التجزئة والربط والتحليل، ان يجد في المفاوضات القائمة حاليا، وضمن الشروط الاسرائيلية والظروف والامكانات القائمة بين الاطراف، فائدة تذكر للفلسطينيين وللقضية الفلسطينية.
الفائدة المركزية للبدء بالمفاوضات، هي في اعطاء مبرر لوجود السلطة الفلسطينية نفسها، ولرئيسها محمود عباس، حيث لا مبرر لوجودها من دون مسارات تسووية، بمعنى ان الفائدة شخصية ولا ترتبط بالقضية الفلسطينية.
من المساويء المحققة للمفاوضات بالشكل والمضمون القائم حاليا، انه لم يعد هناك مكانا للتنازل عنه من قبل السلطة حيال "اسرائيل".. ومن سخرية القدر ان يتحول اللعب على الالفاظ لجهة استمرار الاستيطان من عدمه، مكسبا فلسطينيا ينبى عليه ومن خلاله مسارات وآمال واهية للجمهور الفلسطيني.
هل يقوى عباس على رفض الاملاءات الاسرائيلية والاميركية في المسار الحالي للتسوية؟ من الطبيعي ان تكون الاجابة سلبية، فإنهاء المفاوضات يعني انهاء دور ومبرر وجود السلطة، وطالما ان القصد والغاية شخصية، فلا بد لعباس من الرضوخ. لكن رغم ذلك، هناك أرجحية معتبرة لغباء اسرائيلي معتاد في محطات مشابهة، اذ ان شهية الاحتلال تزيد مع زيادة الرضوخ، وفي ذلك مكمن من مكامن فشل المفاوضات، اضافة الى عوامل ذاتية متواصلة الوجود.
من ناحية ثانية، يجب التشديد على ان الاطر العامة التي قد تصل اليها المفاوضات، في حال وصلت اليها، لن تجدد شيئا على صعيد النزاع، ولا يرتبط ذلك بشرعية عباس وشرعية السلطة في الامضاء على اتفاق التنازلات المقترحة، بل يرتبط بإمكانات تنفيذه وتقبل الجمهور الفلسطيني له.. بمعنى ان فشل المفاوضات سيفضي الى فقدان اصل وجود السلطة الفلسطينية بتركيبتها الحالية، وفي نفس الوقت، امضاء اتفاق التنازلات سيوصل الى نفس النتيجة، سقوط السلطة، ومعها الاتفاق نفسه.
لو كان بإمكان الاحتلال ان ينهي القضية الفلسطينية من خلال توقيع اتفاق، لكان انهاها منذ زمن بعيد، لكن القضية قضية شعب، وليست قضية اشخاص، مهما كانت تسمياتهم.