ارشيف من :آراء وتحليلات

14 آذار... التسلط والاستيلاء على الدولة

14 آذار... التسلط والاستيلاء على الدولة
سعد حمية

كلما حاصرت الوقائع والحقائق قوى الرابع عشر من آذار، يندفع اعضاؤها إلى إثارة الصخب السياسي والاندفاع إلى إطلاق مواقف أقل ما يقال فيها إنها إما متسرعة أو ناتجة عن مراهقة سياسية ترمي إلى التضليل والتسويف والتزوير وممارسة البلطجة باسم المؤسسات الرسمية.

جولة جديدة من التراشق السياسي ومن العيار الثقيل، بدأت عقب تصريحات رئيس الحكومة سعد الحريري لصحيفة الشرق الأوسط السعودية أقر فيها بوجود شهود الزور وبخطأ توجيه الاتهام السياسي لسوريا باغتيال والده الشهيد رفيق الحريري في المرحلة السابقة. وقع هذه المواقف كان ثقيلاً على بعض الأطراف المنضوية ضمن قوى الرابع عشر من آذار فتباينت التفسيرات واختلفت المواقف... سمير جعجع وفي موقف لافت اعتبر ان تحديد وجود أو عدم وجود شهود الزور يعود للمحكمة الدولية. نديم بشير الجميل، استغل ذكرى مقتل والده لإعادة توجيه الاتهام إلى سوريا وتحميلها مسؤولية اغتيال الحريري وسائر الإغتيالات التي شهدتها الساحة اللبنانية في مراحل سابقة. أما كتلة المستقبل ورئيسها فؤاد السنيورة، فكان موقفها أقرب إلى ما قاله جعجع بأنها "لا تأخذ إلا بأحكام المحكمة".


هذه المواقف بدت وكأنها تلغي مفاعيل موقف رئيس الحكومة الذي قال كلمته ومضى إلى سردينيا لقضاء إجازته، بينما كانت بيروت تشتعل بالتصريحات والتصريحات المضادة من دون ان يتخذ اجراءات لضبط المواقف أو ردعها! هذا الأداء الذي يتسم إما بتوزيع للأدوار أو انعدام القدرة على ضبط ايقاع فريق الرابع عشر من آذار، أو بداية انقسامات داخله، قد عزز مخاوف قوى الثامن من آذار وعلى رأسها حزب الله الذي أكد عضو كتلته البرلمانية نواف الموسوي "أن الفريق الآخر يشتري الوقت بانتظار حدوث شيء ما، وان الحزب لا يقبل التعاطي معه بطرق التفافية، مشيراً إلى أنه طالما تم الاتفاق على وجود شهود الزور فهذا الأمر يتطلب محاكمتهم".

التخبط والإرباك لدى قوى الرابع عشر من آذار، ترجم نفسه مرة أخرى من خلال استخدام المنطق المذهبي وإشاعة أجواء مسمومة في البلد، ويدرك الجميع أن من يستخدم هذا المنطق يُسقط نفسه، لأن هذا الخطاب فقد القدرة على الاستقطاب الشعبي الذي استنفد في المراحل السابقة خلال الاستحقاقات الانتخابية العامة والمحلية، والانقلاب في المواقف السياسية التي أوجدت هوة بين القاعدة وقيادة قوى الرابع عشر من آذار خصوصاً تيار المستقبل لا سيما في الشمال والبقاع الغربي حيث وجدت هذه القاعدة نفسها في مكان وقيادتها في مكان آخر.

كما يؤكد اللجوء إلى هذا المنطق الافلاس السياسي لهذه القوى المحاصرة بالوقائع والحقائق والمعطيات الإقليمية التي لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تكون لمصلحتها أو تمكّنها من ركوب التصعيد لتحقيق مكاسب سياسية.

وفي ظل احتدام السجال والتراشق وقع العديد من أعضاء قوى الرابع عشر من آذار ونوابها في فاولات مميتة عندما طرحوا معادلة المقاومة مقابل المحكمة، وهو ما يشير إلى تدنّ مريع في الخطاب السياسي، فثلاثية الجيش والمقاومة والشعب طرحت في مواجهة العدو الإسرائيلي، ومثل هذه الطروحات تنافي المنطق الوطني، وليس منطقياً الربط بين المحكمة والمقاومة. فهذا الطرح الذي من الطبيعي أن لا يقبله حزب الله، رفض من قبل نواب آخرين في 14 آذار ومن نفس كتلة صاحب الطرح، إضافة إلى تأكيد رئيس الحكومة سعد الحريري التزامه البيان الوزاري وما جاء فيه، وإن تحدث عما اسماه العراضات في المطار، وهو التعبير الذي ورد في بيان كتلته النيابية خلال اجتماعها الاخير بعد عودته من الإجازة ليبقى باب التصعيد مفتوحاً على مصراعيه برغم الدعوات اللفظية إلى التهدئة من دون العمل فعلياً على نزع فتيل التصعيد من خلال اتخاذ الاجراءات الملائمة وهي محاكمة شهود الزور الذي أكد حزب الله على الاستمرار فيها حتى النهاية.

الأداء غير المنسجم لدى قوى الرابع عشر من آذار، واختلاف الأقوال عن الأفعال خصوصاً في ما يتعلق بادعاء التمسك بالدولة والقانون، برز بأوجه متعددة خلال العاصفة الأخيرة وقبلها من خلال استخدام مؤسسات الدولة خلافاً للقوانين، وتجيير الوزارت وبعض الأجهزة الأمنية لمصلحة فريق دون آخر، وزج القضاء في أتون التشكيك بنزاهته من خلال الإحجام عن التحرك في قضية شهود الزور، والمبادرة السريعة للتحرك في استدعاء آخرين للاستماع إلى أقوالهم لأنهم رفعوا صوتهم للتعبير عن مظلوميتهم.

لقد بات اللبنانيون يدركون بشكل واضح أن هناك فريقاً يأسر الدولة ويحاول الإستيلاء عليها، وهو ما عبر عنه عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله بـ "الانقلاب عن النظام الديمقراطي البرلماني، وتهديداً جوهرياً لوفاق اللبنانيين" وخلص إلى أنه "فات على هذا الفريق أن المعادلة تغيرت، ولم يعد مسموحاً التسلط على الدولة والاستيلاء على قرارها لأننا حاضرون للدفاع عنها".




 

2010-09-22