ارشيف من :آراء وتحليلات

قمة أهداف الألفية: فشل ذريع!

قمة أهداف الألفية: فشل ذريع!
عقيل الشيخ حسين

على هامش الدورة الخامسة والستين للجمعية العمومية للأمم المتحدة، انعقدت في نيويورك، ولمدة ثلاثة أيام، قمة الأهداف الإنمائية للألفية، وذلك بحضور 139 نائب رئيس ورئيس دولة.

وكانت قمة الألفية التي انعقدت عام 2000 قد تعهدت بالعمل على تحقيق ثمانية أهداف أبرزها تقليص نسبة الفقر المدقع في العالم إلى النصف بحلول العام 2015. أما الأهداف الأخرى فتتناول قضايا التعليم والصحة والبيئة والتنمية...

ومع وصول العالم إلى أعتاب العام 2011، تتميز النتائج المتحققة حتى الآن بالهزال الشديد. فالتقدم المتحقق بطيء بشكل غير مقبول، على ما اعترف به الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون.

ومن بين المؤشرات على بطء التقدم، عدم تراجع منسوب الفقر ووصول عدد الأشخاص الذين يعانون من الفقر المدقع إلى نحو مليار شخص. يضاف إليهم بالطبع عدد غير محدد يقدر بملياري إنسان يعيشون تحت عتبة الفقر، وأعداد أخرى ممن ينظمون يومياً إلى صفوف الفقراء بسبب الأزمات المالية والكوارث الطبيعية والكارثة المناخية والحروب.

وخصوصاً بسبب الطبيعة المتوحشة للنظام الرأسمالي الذي يهيمن على العالم، حيث بات أكثر من 90 بالمئة من البشر يمتلكون 10 بالمئة من المقدرات الاقتصادية، بينما يهيمن 10 بالمئة من البشر على 90 بالمئة من هذه المقدرات.

وتكفي الإشارة في هذا المجال إلى ظاهرة الفساد التي سمحت، بين مظاهر أخرى، لحفنات من القادة والمتنفذين بتكوين ثروات ضخمة عبر استغلال النفوذ، وعلى حساب مواطنيهم الذين يتردون، نتيجة لذلك، في مهاوي الفقر.

وفي سياق تجاهل الأسباب الحقيقية للمشكلة، يعزو الخطاب الرسمي السائد، بطء التقدم إلى إخلال الدول المانحة بتعهداتها المالية تجاه برامج التنمية في البلدان الفقيرة.

لكنه في الوقت نفسه يجد العذر لتلك البلدان في الأزمة المالية التي ضربت العالم ابتداءً من العام 2008، علماً بأن إخلال الدول المانحة بتعهداتها كان قائماً، قبل الأزمة، طيلة السنوات الثماني التي أعقبت وضع أهداف الألفية.

ويتكلم وزير الخارجية الفرنسي، برنار كوشنير، بلسان حال الدول المانحة عندما يصرح بأنه "من غير الإنصاف التحدث عن الأهداف المتعلقة بالحد من الفقر في الوقت الذي تكافح فيه الدول أزمة ائتمانية".

من هنا، وفي ظل الحاجة إلى أكثر من 120 مليار دولار لتحقيق الأهداف في العام 2015، وهو مبلغ بات من الصعب تحصيله من الدول المانحة التي تعاني جميعاً من عجز كبير في موازناتها، يحتفظ بان كي مون بالأمل فيراهن على "شجاعة" تلك الدول وسخائها في الوفاء بتعهداتها تجاه الفقراء. كما يراهن على شجاعة وسخاء الشركات والأثرياء من الأفراد.

وبالفعل، تجلت الشجاعة والسخاء في وعد من الاتحاد الأوروبي بتقديم مبلغ مليار دولار، وفي وعد من البنك الدولي بتقديم 750 مليون دولار.
وإذا لم يكن مصير هذين الوعدين شبيهاً بمصير ما لا يحصى من الوعود العرقوبية في هذا المجال، فإن الوفاء بهما لا يقلص العجز إلا بنسبة تقل عن 0،7 بالمئة. ويبقى على العالم أن يجد طريقة لجمع الـ 118 مليار دولار المتبقية.

ومن أجل ذلك، يراهن بان كي مون هذه المرة على "الإرادة السياسية" والبحث عن حلول مبتكرة وموارد مالية " مستحدثة".

وهنا، تبارت دول عديدة، منها فرنسا، في إظهار كرمها الكاذب عبر تقديم اقتراحات تعلم مسبقاً استحالة القبول بها: وضع رسوم على بطاقات السفر جواً وعلى السياح ومستخدي الانترنت والهواتف النقالة، إضافة إلى الصفقات والمضاربات المالية.

وبالفعل، ومع الشك في ناجعية تلك الاقتراحات، جاءت الولايات المتحدة في طليعة المعترضين. فهي تفضل، بدلاً من ذلك، إعادة النظر في استراتيجيات التعاطي مع الفقر للتركيز على النمو الاقتصادي والمحاسبة ومكافحة الفساد.

وحبذا ذلك. ولكن الولايات المتحدة تعلم أن إعادة النظر تلك تعني تغيير صورة العالم من أساسها، ما يعني أن الموقف الأميركي النهائي من المشكلة هو إبقاء الأوضاع على ما هي عليه: عالم يزداد فيه فقر الفقراء فقراً وثراء الأثرياء ثراءً، على الطريق المفضي إلى الخراب الشامل.

وبالنتيجة، وفي ظل عدم الوفاء بالتعهدات القديمة، وعدم التوافق على الحلول المستحدثة، يبدو من المؤكد أن أهداف الألفية لن تكون، في العام 2015، أفضل مما كانت عليه في العام 2010 أو في العام 2000.

لأن ما يجري ليس فقراً ناشئاً، على ما تصوره ماكينة التسميم الإعلامي العالمية، عن غياب البرمجة والتخطيط واستخدام التقنيات الحديثة في الإنتاج، ولا عن الانفجار السكاني وعدم تنظيم الانجاب والأسرة، بل عن برمجة وتخطيط وتقنيات تستخدم في انتاج عملية إفقار عالمية واسعة النطاق.

تكفي الإشارة إلى عمليات إعادة الهيكلة، أو إلى قوانين منظمة التجارة العالمية، أو إلى ما يسمى بمساعدات التنمية وما إلى ذلك من مبادرات تشرف عليها مؤسسات بريتون وودز بإيعاز من مراكز القرار العالمي والشركات العابرة للقارات، والتي دمرت، خلال العقود القليلة المنصرمة، الانتاج الزراعي في العالم الثالث، وقذفت إلى سوق البطالة والتهميش والفقر بعشرات ومئات الملايين من المزارعين الذين كانوا قادرين، من خلال أنماط الإنتاج التقليدية، على تأمين الحد الأدنى من مستلزمات حياتهم.

كما تكفي الإشارة إلى أن الجهات التي تقدم الاقتراحات وتتظاهر بالبحث عن حلول لمشكلة الفقر هي نفسها المسؤولة، بين جرائم أخرى، عن تراكم مديونيات البلدان الفقيرة.

وفي هذا المجال، وفي الوقت الذي يصورون فيه أن المساعدات هي السبيل الوحيد لمكافحة الفقر، تشير بعض الدراسات إلى أن مجموع المساعدات التي قدمتها البلدان الغربية إلى 122 بلداً في العالم الثالث قد بلغت، في العام 2006، ما مجموعه 58 مليار دولار. لكن البلدان الـ 122 نفسها دفعت في العام نفسه، إلى البلدان الغربية نفسها، ما مجموعه 501 مليار دولار كأقساط عن الديون وخدمات الديون المستحقة والتي لا تزيد أصولها عن عشرات الملايين من الدولارات.

صحيح أن المطلوب هو إعادة النظر في استراتيجيات التعاطي مع الفقر للتركيز على النمو الاقتصادي والمحاسبة ومكافحة الفساد. لكن تحقيق ذلك ليس رهناً بالإرادة السياسية كما يفهمها بان كي مون، بل بإرادة الشعوب إذا ما قررت حل مشكلاتها بنفسها لا بالاعتماد على الدول المانحة.
2010-09-23