ارشيف من :أخبار لبنانية
الحرب ليست تمريناً صهيونياً ميسراً
فيصل جلول(*)
طرح جيفري ويت المدير السابق لوكالة الاستخبارات في الجيش الأمريكي، احتمالات ثلاثة لنهاية الحرب المقبلة بين لبنان وسوريا من جهة، و”إسرائيل” من جهة أخرى . وقال إن الاحتمال الأول يتمثل في أن تحسم “إسرائيل” الحرب لمصلحتها، وتفرض شروطها على اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين، والاحتمال الثاني أن تكون نتيجة الحرب على غرار حرب تشرين الأول/ أكتوبر عام ،1973 والاحتمال الثالث أن تكون على غرار حرب عام ،2006 وفي هذه الحالة يستعد الطرفان للحرب ثانية . ويرى ويت الخبير في “مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى” أن “إسرائيل” وحدها قادرة على الحسم، وإن لم تتمكن من حسم الحرب لمصلحتها، فإن الفوضى ستعم المنطقة، وهو ما ينذر بتغيير وجه الشرق الأوسط، على حد تعبيره . وللإشارة إلى نوع الحرب المقبلة يستخدم وايت أوصافاً مثيرة ““إسرائيل” ستحرق العشب اللبناني بدلاً من تشذيبه” أو أنها “ستسوي الضاحية الجنوبية بالأرض”، وستطيح بالبنية التحتية اللبنانية، وأن الحرب قد تشمل مساحة تصل إلى 40 ألف كلم مربع في لبنان وسوريا . . الخ .
على الرغم من لقبه واختصاصه “الردعي” معنوياً قد لا ينجح “ويت” في بث الرعب في قلوب اللبنانيين والسوريين، ذلك أنهم سمعوا طيلة السنوات الأربع الماضية، كلاماً من “الإسرائيليين” أنفسهم عن “حرب هدامة” غير مسبوقة، من دون أن يتخلوا عن استعداداتهم للدفاع عن أنفسهم، وبالتالي خوض الحرب المقبلة، بهدف كسبها، بل جعلها وسيلة لتغيير وجه المنطقة، وفقاً لتعهدات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ولتصريحات المسؤولين السوريين .
والملفت في قراءة “ويت” للحرب المقبلة استنتاجه بأنها قد تنتهي كما غيرها، بأن يستعد الطرفان لحرب جديدة . بكلام آخر تنتهي الحرب بدمار لبناني شامل يرضى به اللبنانيون، ويعيدون إعمار بلدهم تمهيداً لتدمير “إسرائيلي” آخر في حرب أخرى، وكأنهم فطروا على الانصياع لما تفعله “إسرائيل” من دون أن يكون بوسعهم الرد عليها، وتحديد ما يريدون هم أيضاً، وليس ما تريد هي حصراً . ولعل الصهاينة بخلاف هذا الباحث يحسبون أن دمار الحرب المقبلة لن يكون قاصراً على اللبنانيين، وأن الحرب أكثر تعقيداً من هذه الدراسة وغيرها من الدراسات الموصوفة مجاملة بالاستراتيجية .
وفي السياق يعكس هذا الكلام الاستعلائي قدراً من الاستخفاف بعقول اللبنانيين والسوريين، إذ يقدم الحرب بوصفها تمريناً “إسرائيلياً” يمكن التحكم بمساره ونتائجه من دون مفاجآت، ومن دون حساب يذكر لإرادة وقدرة اللبنانيين والسوريين، وربما الفلسطينيون . وبما أن الدارس “اختصاصي مخابرات” فلربما يريد الإيحاء بأنه يعرف ما يقول، وأن معرفته واردة من معلومات استخبارية رفيعة المستوى، وبالتالي لا جدال في صحتها وفي جدية الاستنتاجات المبنية عليها .
لا جديد في هذا النوع من الدراسات الموجهة للرأي العام في بلداننا، فهي تقول ما عرفناه على الدوام من أن لا جدوى من تحدي “إسرائيل” ومجابهتها، وأن من الأفضل الخضوع لإرادتها والعيش في هذه المنطقة وفق شروطها، وأن الحرب تلحق الدمار بالعربي المحارب وليس بالصهاينة، وأن الحرب إن خسرتها “إسرائيل” ستخلفها حرب أخرى، حتى تربح وتفرض شروطها . إذن على العربي المحارب أن يرتدع ويرعوي، ويكف عن القتال دفاعاً عن مصالحه، حيث لا جدوى ولا فائدة من القتال .
كان يمكن لهذا النوع من الدرسات أن يكوي الوعي العربي قبل الانسحاب “الإسرائيلي” من لبنان عام ،2000 وقبل حرب أفغانستان، وحرب العراق، وصولاً إلى حرب العام 2006 في لبنان، فقد أدرك سكان هذه المنطقة أن القوة الأعظم في العالم قابلة للهزيمة عندما تكون معتدية، وأن “إسرائيل” ما عادت قادرة على اخضاع أحد بواسطة طيرانها الحربي وسفنها البحرية، طالما أنها عاجزة عن احتلال أرضهم والبقاء فيه، كما جرى في لبنان، وفي غزة، وعليه ربما يجدر بالباحثين الموضوعيين أن يستخلصوا من هاتين الحربين دروساً مفيدة في تحديد مصير الحروب المقبلة بين الدولة العبرية ومحيطها العربي . وأول هذه الدروس أن تكوين المقاومة في غزة ولبنان ينهض على دفاعات إيمانية وأيديولوجية يصعب تطويعها عبر موازين القوة العسكرية، وأن هذه الدفاعات تردفها تحصينات عسكرية رفيعة من الخبرة المتراكمة والانتصارات المتتالية، فضلاً عن صورة العدو المكسورة بعد أن قهر وشوهد ينوح ويهرب من أرض المعركة، وذلك كله ليس من التفصيلات الثانوية بل هو أساس مهم من أسس ربح الحروب وخسارتها .
تبقى الإشارة إلى أن هذه الدراسة قد تترك تأثيراً في القوى التي لا تريد المقاومة في لبنان وفلسطين، وهنا أيضاً يبدو أن المقاومة قد صارت بمنأى عن مخاطر الفتن، فهي في غزة صامدة رغم الحصار، ورغم حملات التشنيع، وهي في لبنان تستعد للعودة إلى ما قبل العام ،2005 وفي الحالتين سيكون أثر دراسة ويت هامشياً، ولربما مثيراً لحفيظة خبراء الدعاية والتحريض في المقاومتين، أكثر من أصحاب القرار العسكري، الذين قيل فيهم بأنهم “لا يقرأون جرايد ولا يهتمون بالأخبار” . . مع هذا النوع من المقاومين من الصعب أن تكون الحرب المقبلة تمريناً “إسرائيلياً” ميسراً .
المصدر: دار الخليج